الفرنسية كليمانتين جاليه مع ولديها.. مقدمة برنامج أسبوعي مخصص للأمومة في فرنسا
دائماً، كانت الأمومة موضع إكبار يقترب من التقديس. المرأة الطبيعية هي تلك التي تتوهج لديها غريزة الأمومة. والأم الحقيقية هي تلك التي تطوي حياتها وتضحي بنفسها من أجل أطفالها. كان موقع الأم وردياً رفيعاً لا تشوبه شائبة.
ثم بدأنا نقرأ كتابات بأقلام مناضلات نسويات. كتابات تجاهر بحق المرأة في رفض الأمومة. إن صاحبات هذا الرأي يعتبرن أن المرأة مكتملة سواء أنجبت أم لم تنجب. وأن من الخطأ النظر إلى من كانت عاقراً أو لم تنجب على أنها كائن ناقص، أو على الأقل فاتها الحظ. كان أغلب أولئك النسويات يدافع عن حق النساء في الخروج للعمل. وهو أمر كان يتعارض مع متطلبات الأمومة في المكوث في البيت لرعاية الأبناء.
أعرف من خلال تجربتي الطويلة في متابعة ما يجري في المجتمعات، أن الظواهر الجديدة تشبه الموضة. تأتي ظاهرة وسرعان ما تخبو ليبدأ الكلام على ظاهرة أكثر حداثة. ولأنها مثل الموضة، فليس من المستبعد أن يرجع الذوق إلى تقبل فساتين الخمسينات وتسريحات الثمانينات. أي أن فكرة تقديس الأمومة التي لقيت رفضاً، تعود لتصبح رائجة في زمننا الحالي ونحن نكاد نأتي على الربع الأول من الألفية الثالثة.
في التلفزيون الفرنسي، هناك حالياً برنامج يومي بعنوان «أمومة»، يجري بثه في الصباح بعد فترة البث الإخباري المباشر ويتابعه الملايين... نساء ورجالاً. لم يعد الاهتمام بالأطفال في سنواتهم الأولى مسألة تهم الأمهات فحسب بل والآباء أيضاً. هل هناك أب لا يتعكر في الليل عندما يبدأ الرضيع في البكاء بسبب آلام التسنين؟ ألا يقلق الرجل لمرض طفله مثلما تقلق المرأة؟
آخر المستجدات في هذا الميدان «بودكاست» تشرف عليه فرنسية تدعى كليمانتين جاليه. إنه برنامج أسبوعي مخصص للأمومة «بدون قناع». ورغم حداثة البرنامج فإنه جمع حتى الآن 650 ألف مشترك في فرنسا. وفكرة كليمانتين بسيطة جداً: منح الأمهات فرصة للحديث عن كل ما يشعرن به حين يصبحن أمهات. إن الواحدة منهن ليست ضيفة في برنامج تلفزيوني بل امرأة تتكلم مع صديقة لها، تصارحها بمخاوفها وقلقها على رضيعها، وتعترف لها بما تجهله من أمور العناية بالصغير، وتستشيرها في الكثير من قضايا التنشئة وحسن التدبير.
تبلغ كليمانتين من العمر 44 عاماً. لم يخطر ببالها من قبل أن تتحول إلى منتجة لموقع يحصد نجاحاً. كانت تتعاون مع القناة التلفزيونية الأولى في البرامج التي تتطلب توفير ضيوف لهم تجارب معينة. وقد طلبوا منها، ذات يوم، العثور على أشطر قابلة في فرنسا، أي الممرضة الأشهر في توليد النساء الحوامل. ومنذ تلك اللحظة اكتشفت أن مئات الآلاف من الفرنسيات في حاجة إلى الإرشاد في تجربة الأمومة. فما أكثر الأفكار الخطأ والأوهام التي تجاوزها الزمن.
أهم من هذا، تعرفت كليمانتين إلى فئة القابلات المأذونات اللواتي يعملن خارج مستشفيات الولادة. إن نساء كثيرات ما زلن يفضلن الولادة في بيوتهن وخارج الصالات الباردة وأجواء العمليات وروائح المطهرات والمصابيح الفاقعة. وقد روين لها أولئك القابلات حكايات تصلح لآلاف الحلقات من مسلسل مفيد وضروري وليس له ما يشبهه.
هل ما زالت الأمومة لغزاً يحتاج شرحاً وحلولاً؟ نعم. من يتابع كليمانتين يكتشف أن الفرنسيات يجهلن الكثير عن التجربة الأكثر إثارة في حياة المرأة. تجربة الإتيان بطفل إلى هذه الدنيا.