تساهم العديد من العوامل في تعليم أطفالنا على مواجهة التحديات التي تواجههم سواء على الصعيد الدراسي أو على مستوى علاقتهم بأقرانهم أو حتى علاقتهم بأهلهم.
ويتبدّى العناد كمشكلة سلوكية لدى الطفل حيث يمر بمرحلة يرفض معها أي طلب من الأهل وينسحب هذا التشبث بالرأي على علاقته بمدرسيه وقد يترجم أحياناً بشكل عدواني ضد زملائه في المدرسة أو في المحيط.
وفي هذا السياق، ينظر بعض الأهل للعناد كمرحلة مرهقة ويشحذون الهمة لمواجهته وقمعه، في حين تركز الدراسات على أهمية فهم العناد وأبعاده ودوره المحوري في تكوين معالم شخصية الطفل لإثبات ذاته واستقلاليته عبر العبور إلى عمر يسّمى «عمر الضد»، ويكون في سن ما بين العام ونصف العام حتى عمر السابعة.
د. مصطفى أبو سعد
فلغة العناد هي اللغة التي تعلم الطفل الاستقلالية والاعتماد على الذات، كما يؤكد الدكتور مصطفى أبو سعد، دكتوراه في علم النفس التربوي، لافتاً إلى أنه لا بد أن «ننطلق من علاقتنا مع ذواتنا لنؤكد أن هذه العلاقة تنسحب على علاقتنا بأبنائنا وعلى طريقة تنشئتهم بالصورة الصحيحة التي يستطيعون فيها تحقيق التوازن بين الرفض والقبول ومواجهة الصراعات التي تعترضهم في مراحل حياتهم».
ثمة عوامل تربوية تدخل على الخط في تربية الأبناء، حيث يلفت د.أبو سعد إلى أن مرحلة العناد هي مرحلة طبيعية تدخل في سياق تشكيل الذات «يتجلى هذا البعد في مرحلة العناد وهي مرحلة يمر بها الأطفال بين عام ونصف العام وثلاثة أعوام؛ حيث يبدأ الابن بالرفض ومعارضة الأهل وقول «لا» لتشكيل الأنا الخاصة به وتشكيل ذاته وإذا تمت مواجهة الطفل بالعناد من قبل الأب أو الأم، يدخل في صراع بين عناده الطبيعي الذي تقتضيه مرحلة النمو وبين المواجهة من قبل الأهل».
يوضح د.أبو سعد أبعاد المواجهة «مع مرحلة الانتقال من مرحلة الاعتماد الكلي على الأم إلى الاعتماد على النفس وتشكيل شخصيته المستقلة والمتمايزة عن أمه، يبدأ الطفل بالعناد وطلب الاستقلالية تجاه أمور يرغب أن يقوم بها بنفسه كاختيار ملبسه وتناول الطعام بنفسه وغيرها من الأمور اليومية».
يشرح المعضلة الأساسية «إذا لم يجد الطفل أماً متفهمة لطبيعة هذه المرحلة وأهميتها في تكوين شخصيته وتمايزها يدخل في صراع، وإذا انتهى الصراع لصالح الأم أو استطاع الأهل إرغامه على الاستجابة لهم وطاعتهم، فقد القدرة على الرفض أو على قول «لا»، وهي إحدى القدرات الهائلة التي تشكل قوة شخصية الإنسان في كل مراحل حياته، وبالتالي يبدأ مصدر الخلل في شخصية الإنسان في مرحلة العناد ومع انتصار عناد الكبار على عناد الطفل الطبيعي الذي تتطلبه مرحلة النمو».
عواقب مواجهة عناد أطفالنا
يرصد د. مصطفى أبو سعد تداعيات إجبار الطفل على الخضوع والانصياع الدائم لرغبات الأهل وعدم القدرة على الرفض:
- سيكون قابلاً للانصياع والانقياد والانحراف في أي وقت كان، لأن هذه الفئة تسمى «الفئة الهشة المستهدفة»، بمعنى تكون شخصية هشة قابلة للانقياد في أي وقت.
- يكون مستهدفاً في مجال التسويق لأي بضاعة يريد البعض ترويجها ويكون إحدى ضحايا التسوق الضار وغير الهادف.
- تتبدّى عدم قدرته على اكتساب العديد من المهارات في حياته منها مهارة اتخاذ القرار، مهارة الوعي بالعواقب، الربح والخسارة في أي موقف ومهارة الاعتماد على النفس، وغير ذلك.
مبادئ "التربية المتوازنة"
التربية المتوازنة تسمح للطفل أن يعيش طفولته ومراهقته ويعبر عن مشاعره الدفينة وإحباطاته وحتى تعزيز قدرته على التعامل مع الحياة بمرونة وسلاسة لجهة عدم معاندته في مواقف تتطلّب المرونة.
يوجز د. مصطفى أبو سعد، دكتوراه في علم النفس التربوي مبادئ التربية المتوازنة:
- نسمح للطفل أن يعيش طفولته وأن يعيش مراهقته مع وجود خطوط حمراء نقول له فيها «لا» ونسمح له أن يقول «لا».
- نسمح له بالتعبير عن مشاعره وأن تكون له آراؤه المستقلة عنا ما دامت لا تناقض قانوناً أو عرفاً أو ديناً.
- نسمح له أن يكون هو بمبادئه وعقليته ومشاعره.
- الحب والتقبل اللا مشروط: أن نحب أبناءنا ونتقبلهم بغض النظر عن سلوكياتهم وعن مواقفهم وفشلهم وإحباطاتهم وعن رفضهم وعنادهم.