تفهّم الزوج ومساعدته شرط أساسي.. كيف تنجحين في التوفيق بين المنزل والعمل؟
على الرغم من أن العمل يضيف للمرأة إحساساً بالقيمة وتحقيق الذات، سواء بإتقان مهنة أو حرفة يدوية أو بغرض تحقيق ربح يعينها على متطلبات الحياة، فإنه من جانب آخر يشكّل ضغطاً نفسياً وجسدياً عليها؛ لأنها في كل الأحوال مطالبة بأن توفق بين البيت والعمل.
طرحت «كل الأسرة» عدداً من التساؤلات على خبراء الأسرة والعلاقات الزوجية حول سر هؤلاء الأمهات، وكيف تستطيع المرأة أن توازن بين العمل والتربية ومسؤوليات البيت؟ وهل تؤثر الحياة الملأى بالمشاغل في صحة المرأة النفسية؟
تنظيم الوقت وترتيب الأولويات
يؤكد الدكتور وائل السيد خفاجي، استشاري الطب النفسي والأعصاب في القاهرة، أن المرأة العاملة بالفعل تتعرض لكثير من الضغوط النفسية التي قد تصل إلى ضعف الضغوط النفسية التي قد تعانيها النساء اللواتي فضّلن عدم خوض تجربة الجمع بين مسؤوليات العمل والبيت وقررن البقاء في المنزل.
ويقول «على الرغم من أن بعض الشباب يفضلون الزواج من فتاة لا تفكر في العمل بعد الزواج، أو يجبرون زوجاتهم على ترك العمل والتفرغ لتربية الأبناء، ولكن التجربة والواقع يؤكدان أن الزيجات التي تتمتع فيها الزوجة بالاستقلالية المادية تكون أكثر استقراراً، كما أن استقلال المرأة لا يهدّد كيان الأسرة؛ بل يعود بالنفع ليس فقط عليها، ولكن على جميع أفراد الأسرة، حيث إن المرأة العاملة أقدر من غيرها على حل المشكلات ومواجهة الأزمات».
كثير من الأمهات والموظفات أو حتى العاملات من المنزل استطعن التوفيق بين كل هذه الاتجاهات بنجاح
ويضيف «كثير من الأبحاث والدراسات التي تناولت شؤون المرأة العاملة، أكدت أن المرأة التي تمتلك زمام حياتها ومصيرها تكون أكثر قدرة على إسعاد زوجها، كما أن ثقتها بنفسها تجعلها لا تحاول أبداً السيطرة عليه على عكس بعض ربات البيوت المتفرغات اللواتي يحاولن الاستحواذ على الزوج، ويصبن أحياناً بالغيرة الشديدة على أزواجهن، كما أن بعضهن يظللن دائماً بالمرصاد للزوج يلاحقنه في كل خطواته، ويحاصرنه بسيل من الأسئلة، مما يحول حياتهم إلى جحيم لا يطاق».
ويشير إلى أن مسؤوليات المنزل والزوج والأطفال تجعل المرأة شخصاً ذا طبيعة مختلفة، وتزيد ثقتها بنفسها فتتمكن من تأدية عملها في كل هذه المجالات على أكمل وجه؛ لأنها تكون أكثر نشاطاً وفي حالة تحدٍ دائم مع نفسها، لكي تنجح في حياتها الأسرية والعملية «وهناك كثير من الأمهات والموظفات أو حتى العاملات من المنزل استطعن ـ بجدارة ـ التوفيق بين كل هذه الاتجاهات بنجاح، ولم يقصرن في حق البيت وتربية الأبناء ورعايتهم وتقديم الحب والاهتمام لهم».
وينصح الدكتور وائل خفاجي السيدات العاملات بالتخطيط الجيد للموازنة بين البيت والعمل، من خلال خطوات جادة ، ومنها:
- وضع جدول بأهم الأمور التي على المرأة إتمامها في المنزل.
- وجدول آخر بما يجب عليها الانتهاء منه في العمل، وبهذه الطريقة ستعرف كيف توفق بين مواعيدها وواجباتها.
- والأهم أن تعوّد الزوج على مشاركتها في الأعمال المنزلية، لأنها قد تشعر بأنها تحمل حملاً مضاعفاً.
- ويمكنها إعطاء الأطفال بعض الواجبات التي عليهم الاهتمام بها، فهذا سيخفف عنها بعض الأعباء الصغيرة.
حافز للنجاح وإثبات الذات
وتتفق معه الدكتورة إيمان كشك، استشارية العلاج النفسي والعلاقات الأسرية في القاهرة، في أن المرأة عندما تخوض تجربة العمل سواء في البيت أو خارجه، يكون عندها حافز داخلي كبير يدفعها للعطاء، وخوف من التقصير وإحساس خفي بالمسؤولية الكبيرة لئلا تظلم أحداً من الناس المسؤولة عنهم، سواء في بيتها وعملها، وهذا الإحساس يدفعها للتفوق على نفسها، بعكس ربات البيوت اللواتي لا يخضعن لمثل هذا الضغط.
وتبين «المرأة العاملة تكون بداخلها طاقة كبيرة لتنظيم وقتها ما بين ترتيب البيت، وتعليم الأبناء، وإعداد الطعام، والتفوق في العمل، وكل ذلك يجعلها دائماً تحاول عمل الأفضل. فالحياة الزوجية تقوم بشكل عام على مبدأ التشارك، وتبدأ من مشاركة اليوميات وصولاً إلى جميع المسائل الشخصية ومنها المال، وغالباً ما يتشارك الزوجان في شراء احتياجات المنزل ودفع أقساط المدارس، وأجور النقل، وغيرها من الاحتياجات التي يجب دفعها؛ لذلك فإن تشارك الزوجين في راتبيهما لتغطية هذه الاحتياجات، يجعل حياتهما أكثر سعادة ويسراً، بسبب هذا التعاون الذي يخفف من وطأة الأمر، بعكس ما إذا كان الزوج وحده مطالباً بتلبية كل شيء».
لا ينبغي أن يكون عمل المرأة على حساب بيتها وأبنائها الذين يحتاجون إلى الرعاية والاهتمام
وتلفت الدكتورة إيمان كشك إلى أن كثيراً من الأسر في زماننا الراهن تفرض عليها الظروف الاقتصادية أن تعمل المرأة إلى جانب الرجل، لتوفير مقومات الحياة الكريمة للأبناء، لكن ينبغي ألاّ يُنسيَ هذا الأمر الزوجات أن مهمتهن الأولى في الحياة هي البيت والأسرة والأبناء، كما أن التقصير في هذه الأمور من أجل تحقيق الذات والعمل ليس مقبولاً. فلا ينبغي أن يكون عمل المرأة على حساب بيتها وأبنائها الذين يحتاجون إلى الرعاية والاهتمام، وفي حال تعارض المهمتين «أنصح المرأة بأن تتفرغ لرعاية زوجها وأولادها، ولكن يجب أن يتم ذلك برضاها ودون ضغط وإصرار من الزوج حتى لا تشعر بأنها تعيش حياة مفروضة عليها، وأنها ليست صاحبة القرار في ما يخص مستقبلها. وكذلك أنصح الأزواج أن يتفهموا جيداً طبيعة المرأة، ويتقبلوا رغبتها في العمل أو إصرارها على البقاء في وظيفتها، وليس هناك داعياً للتعامل مع عمل المرأة على أنه عصيان وعناد المرأة».
لا تنشغلي عن زوجك
أما الدكتورة نانسي ماهر خبيرة العلاقات الإنسانية والعلاج الزواجي في القاهرة، فتحذر من انشغال المرأة بعملها عن بيتها وعن التواصل مع الزوج بالكلام أو التفاعل، ما يجعل لغة الحوار بينهما تختفي ويسود الصمت الزوجي؛ لأن الزوج وقتها سيهرب بعيداً عن البيت وستشكو الزوجة من اختفائه وعدم تفاعله مع أسرته، وتوضح «اتخاذ المرأة قرار العمل من البيت أو خارجه، يجب أن يكون بشرط أن يبقى البيت هادئاً ومليئاً بالحب ومنظماً، دون أي تقصير في واجباته؛ لأن الرجال يهربون دائماً للابتعاد عن الأجواء المشحونة بالتوتر والضجيج داخل البيت».
الزوجة الذكية تستطيع أن تعمل من البيت دون أن تشعر زوجها بأن البيت تحوّل إلى مكتب
كما تشير الدكتورة نانسي ماهر إلى أن كل زوج يبحث بشكل دائم عن الهدوء والراحة، بعد كل ما عاناه من ضغوط في العمل، وليس من المعقول أن يعود إلى المنزل ليجد ضغوطاً أخرى من الأسرة، والزوجة الذكية تستطيع أن تعمل من البيت دون أن تشعر زوجها بأن البيت تحوّل إلى مكتب وليس مكاناً للسكينة والراحة؛ لأن ذلك من مسببات النكد لدى الرجال، وهذا يتطلب منها أن ترتب حياتها وبيتها بنظام، بحيث تعمل مثلاً في الأوقات التي يخرج فيها الزوج للعمل، وتحدّد لنفسها وقتاً معيناً حتى لا يسرقها الزمن وتنسى واجباتها المنزلية، وعندما يعود الزوج إلى البيت يجده هادئاً ومنظماً.
وتنصح الاستشارية الأسرية المرأة التي تعمل من المنزل ولا ترغب في التخلي عن وظيفتها، بأن تحاول تحقيق الحد الأدنى من التوازن بين الاتجاهين، من خلال التوفيق بين واجبات العمل وواجبات البيت، وهذا الأمر يتطلب منها أن تكون أكثر نشاطاً، فلا تؤجل أعمال يومها إلى غد؛ لأنها ستجد ما يكفي من الأعمال لتقوم به، وفي حال تراكم الأعمال بعضها فوق بعض، فإن ذلك سيسبب لها ضغطاً نفسياً شديداً يدفعها للكسل والتراخي في القيام بأي عمل.
حياة منظمة = سعادة واستقرار
وتلتقط منها خيط الحديث الدكتورة نوران فؤاد، استشارية العلاقات الأسرية وتعديل السلوك في القاهرة، فتشير إلى ضرورة أن يكون لدى المرأة حافز قوي للنجاح في كل الاتجاهات، بحيث لا تقصر في بيتها من أجل تلبية متطلبات العمل والعكس صحيح. وتضيف «يجب على المرأة وضع خطط بديلة لتوفر لنفسها بعض الوقت بحيث تعلّم أولادها مساعدتها في أعمال المنزل، وأيضاً تقوم بإعداد طعام يكفي لأكثر من يوم لتخفف عن نفسها العبء».
كما تنصح الدكتورة نوران فؤاد الأزواج بالتخلي قليلاً عن بعض الغرور والقيام بدور ولو صغير في المنزل، مثل إعداد الطعام أو الاعتناء بالأطفال حتى تنتهي الزوجة من أعمال المنزل وإعداد الطعام للأسرة، أو أن يتولى الزوج مسؤوليات الذهاب بهم للمدرسة صباحاً أو شراء احتياجات البيت؛ لأن خروج المرأة للعمل أو حتى عملها من المنزل، يرفع دخل الأسرة، ويخفف عن الزوج الضغوط المتراكمة على عاتقه، حتى وإن لم تشارك الزوجة في مصروف البيت، ولكنها ستتمتع بالاستقلال المادي ولا تطلب من الزوج ما تلبي به احتياجاتها الشخصية.
المرأة العاملة بين عملها ومنزلها لا تتذمر ولا تشكو وتحاول تأدية عملها على أفضل وجه
وتوضح الاستشارية الأسرية أن الحياة المزدوجة التي تعيشها المرأة العاملة بين عملها ومنزلها، تجعل لها طبيعة مختلفة، فهي تتحمل كافة مسؤوليات المنزل والزوج والأطفال، ولا تتذمر ولا تشكو وتحاول تأدية عملها على أفضل وجه، ما يجعلها شخصية قوية لا تقف عند الصغائر ولا تتصيد أخطاء الزوج، كما أنها تكون اقتصادية في متطلباتها؛ لأنها بحكم عملها تعرف قيمة النقود جيداً وتفكر دائماً في المستقبل.
والاهم للزوجين أن يتفقا على تخصيص عطلة الأسبوع للأنشطة العائلية والحوار مع الأبناء، والتوقف تماماً عن العمل حتى لا تختلط الأمور وتجد الزوجة نفسها في واد والزوج في واد آخر، فمن المهم الابتعاد ـ ولو ليوم واحد ـ عن العمل والاستمتاع بالإجازة مع الزوج والأبناء، حتى لا يشعروا بأن العمل ضيّع عليهم العطلة الأسبوعية.