حوادث عنف غريبة يرتكبها بعض الأزواج ضد زوجاتهم لأسباب تافهة، والسبب هو الفهم الخطأ لواجبات الزوجة والأعباء التي أناطها بها الشرع والعرف.
من بين هذه الجرائم الزوجية قيام زوج بفقء عين زوجته لأنه عاد من عمله ولم يجد الطعام الذي تعود عليه يومياً من زوجته، ورغم اعتذار الزوجة بلطف لزوجها وإخبارها له بأنها طوال اليوم متعبة بسبب تنظيف وإعادة ترتيب البيت إلا أنه تشاجر معها ولطمها بعنف فوق عينيها مما تسبب في إصابتها إصابة جسيمة في العين قال الأطباء إنها لن ترى بها مرة أخرى.
هذه الواقعة، التي شهدتها مدينة السادس من أكتوبر في مصر، رغم قسوتها إلا أن الزوج المعتدي وقف في جلسة محاكمة يحاول إدانة زوجته، وعندما قال له القاضي «هل تعلم أن الشرع لم يلزم الزوجة بالأعمال المنزلية؟» رد عليه قائلاً «لا علاقة لي بالشرع فكما تفعل أمي لأبي يجب أن تعمل زوجتي»!!
رجعنا لعلماء الدين وأساتذة علم الاجتماع لنتعرف منهم إلى وسائل مواجهة مثل هذه الجرائم التي تستند لمفاهيم دينية وعرفية غير صحيحة.. وفيما يلي خلاصة ما قاله العلماء والخبراء:
المرأة تشارك الرجل في تحمل كل المسؤوليات وكما تساعده في تحمل الأعباء المادية فعليه أن يكون متعاوناً ومشاركاً معها في كل الأعباء المنزلية
في البداية، تؤكد الخبيرة الاجتماعية د. عزة فتحي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس المصرية، أن المجتمعات العربية عامة تسيطر عليها للأسف مفاهيم دينية خطأ فضلاً عن ثقافة ذكورية متأصلة هما السبب الرئيسي في معظم ما تعانيه المرأة من مشكلات وأزمات في البلاد العربية.
وتضيف «الدين الصحيح لم يقل أبداً أن المرأة، حتى لو كانت متفرغة للبيت، هي مجرد خادمة تغسل وتنظف وتطبخ وعندما تعجز عن الوفاء بذلك تعاقب وبعنف، كما فعل هذا الزوج الأرعن الذي علقت بذهنه مفاهيم دينية وعرفية خاطئة، فكلنا يعلم أن رسول الله وهو القدوة الطيبة لكل الرجال كان رحيما بزوجاته وكان يساعدهن دون خجل في أعمال البيت وكان يخدم نفسه بنفسه. ومع ذلك هناك من يتشدق بشعارات دينية ليظلم زوجته ويهينها ويمارس العنف معها انطلاقاً من عرف توارثه، فكما كانت تفعل أمه مع أبيه يريد من زوجته أن تفعل معه، ولذلك هناك زوجات كثيرات مطحونات في بيوت أزواجهن ما بين تنظيف وطبخ وغسيل ورعاية للأولاد ولا يجدن كلمة حانية من أزواجهن!!».
وتوضح أستاذة علم الاجتماع أن الأعمال المنزلية من الأمور التي يدب الخلاف بشأنها في كثير من البيوت العربية، ويحدث ذلك للأسف في بيوت رجال يدعون التدين، فمساعدة الزوج لزوجته «عيب» في نظر كثير من الرجال، والحديث عن مساعدة الزوجة في أعباء المنزل يقابل في معظم الأحيان بالسخرية، ويشوبه شيء من الحياء لدى الرجل العربي في كثير من الأحيان، لإحساس بعضهم أن مساعدة زوجته في الأعمال المنزلية قد ينقص من هيبته أمامها، أو يقلل من رجولته في المجتمع، فقد تربى على مفاهيم عرفية تعتبر تلك الأعمال من اختصاص المرأة وحدها.
وتواصل د. عزة الحديث «الحياة تتطور ومهام وأدوار المرأة تتطور، وينبغي أن تتطور عقول الرجال والنساء معاً لنعيش العصر بتحدياته الجديدة، فمعظم النساء الآن يخرجن للعمل، ويشاركن في تحمل أعبائه، ولم يعد للرجال في هذه البيوت حجة لكي يعيشون في دور «سى السيد» ويتعاملوا مع زوجاتهم كخادمات، فالمرأة تشارك الرجل في تحمل كل المسؤوليات وكما تساعده في تحمل الأعباء المادية والأدبية تجاه الأسرة فعليه أن يكون متعاوناً ومشاركاً معها في كل الأعباء المنزلية التي هي ليست مطالبة بها شرعاً، ولو كان العرف يلزمها بها في مجتمعات بدوية، فلم يعد يلزمها بها في مجتمعات حضرية تتعدد وتتنوع فيها مهام المرأة وواجباتها».
لماذا تسيطر المفاهيم الخاطئة على عقول كثير من الرجال؟
د. عبدالفتاح العواري، أستاذ الثقافة الإسلامية والعميد السابق لكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، يتفق مع د. عزة فتحي في أن المشكلة تكمن في سيطرة المفاهيم الخاطئة على عقول كثير من الرجال، «العرف في البيئات العربية ألزم الرجل بالإنفاق على بيت الزوجية، لأن الغالب في تلك المجتمعات أن الرجل هو الذي يسعى لكسب قوت الأسرة، وألزم المرأة برعاية شؤون البيت وتربية الأولاد بما يضمن للحياة الزوجية عيشة هادئة وسعيدة، والإسلام يقر هذا العرف ويقبله، فإن شاركت المرأة الرجل في السعي على الرزق، أي إذا خرجت للعمل، فيجب على الرجل ألا يتركها تتحمل العبء وحدها، وعليه أن يساعدها قدر المستطاع، وأن يكون رحيماً بها، فتعمل ما تستطيع عمله دون معاناة، ويساعدها فيما يشق عليها، وقدوتنا ومثلنا الأعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد سئلت السيدة عائشة عما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته فأجابت «كان في مهنة أهله (تعني في خدمة أهله) فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة»، فهو يخدم نفسه، ويخدم أهله فيرقع ثوبه ويغسله، ويصلح نعله، ويعجن خبزه، ويحلب شاته.. إلى غير ذلك من الأعمال التى كان يفعلها عن طيب خاطر لنفسه ولأهله دون ترفع عن شيء منها ما دام في فعلها الراحة والهناء لأهل بيته».
لا يجوز التعامل مع الزوجة على أنها «جارية» في منزل الزوجية.. ينبغي أن يكون الزوج رحيماً بزوجته، ويشاركها في أعباء ومتطلبات بيت الزوجية
ويضيف «الحياة الزوجية تقوم على التعاون والتكامل بين الزوجين وعليهما أن يدربا أبناءهما على هذا التعاون فيتعود الطفل منذ صغره أن يخدم نفسه ويفعل ما يستطيع فعله في البيت لمساعدة الأبوين.. والتعاون بين الزوجين يفرض نفسه خاصة إذا خرجت الزوجة إلى العمل لتساعد في تحسين الأحوال المادية، فواجب الزوج هنا أن يؤدي ما يخفف عنها عبء العمل المنزلي، لأن ذلك من حسن المعاشرة التي أوصى بها الله في القرآن الكريم».
ويدين الأستاذ الأزهري سلوك هذا الزوج تجاه زوجته، ويؤكد ضرورة توقيع العقاب الرادع به، «لا شيء يبرر أبداً ممارسة العنف مع الزوجة، والأعمال المنزلية لو لم يكن لدى الأسرة خادم هي مسؤولية مشتركة بين الزوجين والأولاد، ولا يجوز التعامل مع الزوجة على أنها «جارية» في منزل الزوجية.. ينبغي أن يكون الزوج رحيماً بزوجته، ويشاركها في أعباء ومتطلبات بيت الزوجية، وعدم الطبخ في يوم أو أكثر بسبب الانشغال بمهام أخرى ليس تقصيرًا تعاقب عليه الزوجة، كما فعل هذا الزوج المتهور، خاصة وأن مطاعم ومحلات بيع الطعام الجاهز انتشرت في كل مكان وأصبحت أسعارها قريبة جداً مما يتم تجهيزه من طعام في المنزل وربما أرخص، فلا شيء يبرر هذا العنف الذي ينبغي أن يعاقب عليه فاعله».
ويشدد أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر على ضرورة أن تكون هناك «مودة ورحمة» بين الزوجين طوال الوقت، «من معالم العلاقة الزوجية السوية التي حث عليها الإسلام أن تحل المشكلات والأزمات والخلافات الأسرية بالتفاهم والحوار، فلا مجال للعناد والعنف اللذين يصلان بالزوجين إلى مصير مظلم يدفع ثمنه الأكبر أولادهما».
هناك رأي فقهي يلزم الزوج بإحضار خادمة لزوجته، وهو رأي يؤيده بعض العلماء، وقد يكون لهذا الرأي وجاهته أو مبرراته عندما يكون الزوج ميسور الحال وظروفه المادية أو دخله يسمح بذلك
يدين د. صبري عبدالرؤوف، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، جريمة الزوج ضد زوجته، ويؤكد أن الزوجة ليست خادمة في بيت زوجها لكي يتم التعامل معها بهذا الأسلوب المرفوض شرعاً وعرفاً، وينصح بعدم تحريض النساء على التمرد على الأعمال المنزلية، مبيناً «مسألة الواجبات المنزلية هي بالأساس من واجبات الزوجة عرفا، وليس معنى ذلك أن تقف المرأة في كل الأحوال في المطبخ، وأن تتولى هي بنفسها تجهيز الطعام والشراب وتنظيف البيت، فهذه الأعمال قد تجد المرأة العاملة من يقوم بها تحت إشرافها، لكن هناك أموراً أسرية كثيرة لا تعفى منها الزوجة، في مقدمتها رعاية زوجها وأولادها، وتنظيم وقت الأبناء، وحل مشكلاتهم اليومية، وتوفير المناخ المناسب لهم لتستقر حياتهم الاجتماعية والتعليمية أيضاً، كما أن شؤون الزوج الخاصة لا تستطيع خادمة أن تقوم بها».
ويضيف «هناك رأي فقهي يلزم الزوج بإحضار خادمة لزوجته، وهو رأي يؤيده بعض العلماء، وقد يكون لهذا الرأي وجاهته أو مبرراته عندما يكون الزوج ميسور الحال وظروفه المادية أو دخله يسمح بذلك، لكن إذا كان دخل الأسرة محدوداً وعمل الزوجة لا يشكل عبئاً عليها، فهي مطالبة بالقيام بواجباتها المنزلية، ويجب أن يعاونها الزوج، وهذا لا يقلل من قدره، كما ينبغي تربية الأولاد على خدمة أنفسهم والاعتماد على النفس، وليس على الآخرين. فمساعدة الزوجة في الأعمال المنزلية كانت إحدى خصال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فكان يشارك زوجاته وبناته في أعمال البيت، فمساعدة الزوجة ليست عيباً ولا نقيصة في حق الرجل، بل هي فضيلة وخاصة إذا كانت المرأة تحتاج إلى المساعدة، بل أحياناً تكون واجبة إذا كانت الزوجة مريضة ولا يوجد من يقوم على أمرها، ويدير أحوال منزلها، فهي من المعاشرة بالمعروف التي أمر الله بها «وعاشروهن بالمعروف».