بين رفض الرجل الشرقي وتربيته «الذكورية» وحاجة المرأة للمساعدة لضرورة ملحة فرضتها متغيرات العصر الحديث من زيادة الأعباء.. تبدأ الخلافات، في مجتمع ينظر إلى مشاركة الرجل زوجته الأعمال المنزلية ورعاية الأبناء على أنها علامة ضعف ويتناسى مشاركة المرأة الرجل مسؤولياته وخروجها للعمل.
«كل الأسرة» سألت المختصين في العلوم النفسية والأسرية والتربوية وأصول الدين وكان هذا التحقيق.
1- الشعور بالخجل
بالتأكيد أن رفض الزوج تقديم العون والمساعدة لزوجته في أعمال المنزل تقف خلفه أسباب مختلفة، توضح خبيرة الاستشارات النفسية والأسرية د. ياسمين الخالدي «الإحساس بالحرج يمكن أن يكون هو شعور بعض الأزواج إذا ما طلبت منهم الزوجات مساعدتهن في إنجار بعض الأعمال المنزلية ويعتبرون ذلك مدعاة للخجل أمام أفراد أسرهم، وفي هذا التفكير والتصور قصور كبير في الرؤية يتطلب إعادة النظر»، لكن ربما يكون ذلك ممكناً عبر آلية أو أسس يضعها الزوجان والالتزام الذاتي من قبل كل طرف.
تضيف «الحياة الزوجية تبنى على التعاون والاشتراك في المسؤوليات بين الطرفين لذلك ليس من المهم تحديد الأدوار فيها بدقة، كل طرف يبادر في تقديم ما يحتاجه المنزل دون تنسيق مسبق معاً مما ينعكس إيجاباً على الطرفين.. وجود الزوجين في نفس المنزل يفرض أولويات التعاون بينهما وليس من المهم إيجاد قواعد حاسمة وثابتة.. المنزل ليس منطقة رسمية يتم التعامل فيها طبقاً لقواعد صارمة، المودة والرحمة والمحبة والتعايش الإيجابي المرن هو ما أوصانا به وأخبرنا عنه القرآن الكريم، وهي القاعدة الأساسية التي ينبغي على الزوجين الانطلاق منها».
التعاون لابد أن يكون إحدى سمات المنزل ليس فقط بين الزوج والزوجة وإنما لدى أفراد العائلة جميعاً
توصي الخالدي «إذا ما لاحظ أحد الأزواج انشغال شريكه بأمر ما سواء داخل المنزل أو خارجه وتطلب الأمر من أحد الزوجين إنجاز أحد أعمال المنزل حباً ووداً ورحمةً سيشارك وينجز الأمر، فالسفينة تحمل الجميع في النهاية»، تكمل «التعاون لابد أن يكون إحدى سمات المنزل ليس فقط بين الزوج والزوجة وإنما لدى أفراد العائلة جميعاً، الأطفال يقتدون بالكبار وإن شاهدوا الأب يساعد الأم سيبادرون إلى ذلك باعتباره سلوكاً حميداً، ومع التغييرات الجذرية التي طرأت على المجتمع وبغض النظر عن مسألة المساواة بين الرجل والمرأة فإن متطلبات الحياة أمست بحاجة إلى خروج المرأة للعمل وفوق ذلك هي مطالبة بالقيام بمهام واجباتها المنزلية، إضافةً إلى مهامها الوظيفية أصبح معها ضرورياً تغيير أنماط الحياة الاجتماعية».
2- اختلاف المجتمعات والتربية الخاطئة
فيما تشير المستشارة النفسية والتربوية في جمعية النهضة النسائية في دبي د. هالة الأبلم إلى أن «تهرب الزوج من مساعدة زوجته في أعمال المنزل غالباً ما يكون بسبب طريقة التربية الخاطئة التي نشأ عليها وهذا الأمر يختلف من مجتمع لآخر، في دول الخليج والإمارات خاصة من غير الوارد أحياناً كثيرة مساعدة الزوجة في الأعمال المنزلية أو دخوله للمطبخ لاعتقاده بأنها متوقفة على الزوجة والمساهمة فيها ينتقص من رجولته ومكانته ويرى كل مسؤوليته في الحياة الزوجية العمل لإعالة أسرته مادياً، فهو في الغالب اعتاد على الاعتماد على أسرته في كل شيء، هو يأمر وهم يلبون احتياجاته»، لكن ذلك لا يعني عدم وجود استثناءات، تعقب «لا يجد بعض الرجال حرجاً ولا صعوبة في مساعدة زوجاتهم، في الغالب هذه الفئة مرت بظروف مختلفة أجبرته أن يكون معيلاً لنفسه مثل الشاب الذي اضطر للسفر لظروف الدراسة أو العمل في دولة أو مكان بعيد عن أسرته، كما أن العلاقات المبنية على الحب والمودة والرغبة في المشاركة هي نقطة انطلاق أخرى للزوج لمساعدة الزوجة والاهتمام بسعادتها».
هل مساعدة الزوج زوجته في أعمال المنزل واجب شرعي؟
لكن، هل مساعدة الزوج زوجته في أعمال المنزل واجب شرعي؟ يجيب أستاذ الفقه وأصول الدين د. إسماعيل كاظم العيساوي «أن الأصل في العلاقة الزوجية هو التفاهم في نفس الوقت الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم «لو أمرت أحداً أن يسجد لغير الله لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها» كما قال أيضاً «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي» انطلاقاً من هذين النصين يجب أن تفهم العلاقة الزوجية على أنها احترام شديد من المرأة للزوج وتقدير من الزوج لذلك الاحترام، فقد ثبت في صحيح السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم في كثير من الأشياء، ولو تصفح الشخص أي كتاب من كتب السيرة النبوية وقرأ تحت عنوان «رسول الله في بيته» «لوجد الكثير من نماذج فعله صلى الله عليه وسلم في بيته، أما فيما يتعلق في إنفاق المرأة ومساعدة زوجها في تلبية متطلبات المنزل فهو رهن بأمرين الأول إن كان المال هو إرث لها أو ما حصلت عليه دون إخلال في الإقرار في البيت فلا يحق له أن يلزمها بذلك، والثاني إن كان المال من وظيفة فما لا شك فيه أن العمل الوظيفي يخل بمتطلبات الحياة الزوجية فإن كانت موافقة الزوج مشروطة بالإنفاق على المنزل فهنا وجبت المساعدة ليس من جانب «الذكورة» لكن من جانب أن الزوج هو صاحب القوامة وكان السماح بالعمل «مشروطاً» بالمساعدة، ومع ذلك تبقى مسألة المساعدة خاضعة لحسن العلاقة بين الزوجين، كانت السيدة خديجة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم لديها أموال قبل الرسالة وبعدها ولم تبخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالأصل حسن التفاهم بين طرفي العلاقة الزوجية».