لا شكّ في أن زينة رمضان، وأجواء الشهر الكريم فرصة ذهبية لتجديد أجواء المنزل، وتعزيز مشاعر المودة والألفة في كل أرجائه، فهي من أكثر الأمور التي تسعد الأبناء بحلول الشهر الفضيل، وتذكّرهم بالقيم الإسلامية في كل مرة ينظرون إليها.
خبراء التربية والعلاقات الأسرية والنفسية دائماً ما يطلقون دعوات، ويجدّدونها كل عام لمشاركة هذا الحدث الكريم ،مع أطفالنا وأولادنا، وأن يتولى إعداد الزينة كل أفراد الأسرة، الكبير منهم والصغير، ويرون أن هذا كفيل بتجديد النشاط النفسي والروحاني، لنا ولأولادنا، فما بالنا إذا كانت هذه الزينة في بعض الأحيان صناعة منزلية؟ سيكون الأمر مثيراً ومشوّقاً، وله وقع قوي في نفوس الجميع.
سألت «كل الأسرة» عدداً من الخبراء التربويين والنفسيين حول زينة رمضان، وكيف تكون صناعة أسَرية، وما تأثير ذلك في الأبناء، بخاصة الأطفال؟
أجواء احتفالية تُصلح ما تفسده الخلافات
بداية، يشدّد الدكتور محمد المهدي، أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر، على ضرورة الحرص على مشاركة الأبناء في ممارسة هذه العادة الروحانية المتعلقة بالشهر الفضيل، ويرى أن زينة رمضان ليست ديكوراً منزلياً جميلاً فقط، ولكنها تضفي أجواء احتفالية، وحميمية على المنزل، كما تساعد على تكوين علاقة روحية مع المكان في شهر رمضان الكريم.
ويشير الدكتور المهدي إلى أنه يمكن للوالدين استغلال انشغال الأبناء بإعداد وتجهيز زينة رمضان وتعليقها في التقليل من مخاطر الإنترنت في هذه المرحلة، وتهيئة الأبناء، نفسياً، لاغتنام رمضان والعيد، وما بعدهما، للاستمرار في الطاعة والعبادة، وذكر الأجر والفضل العظيم لمن أحسن استغلال رمضان.
فمثلاً، الابن الذي يبدأ لأول مرة في حياته قراءة القرآن ينبغي أن نشجّعه على الاستمرار في ذلك، وكذلك الطفل، أو الابن الذي تعوّد في رمضان على الصلاة في المسجد، ينبغي علينا أن نشجعه على الاستمرار في ذلك. لذا من المهم أن يشجع الوالدان التنافس بينهم في تصنيع الفوانيس والزينة، ومكافأتهم على ذلك، ما يبعدهم شيئاً فشيئاً عن الهواتف المحمولة، والعالم الافتراضي، خلال هذا الشهر الكريم.
ويلفت الدكتور محمد المهدي إلى أن هذه اللّمة الرمضانية لأفراد العائلة مهمة جداً من الناحية الاجتماعية، فوجود أفراد الأسرة، أولاداً وبنات، وكبيراً وصغيراً، لإعداد زينة رمضان، سواء قاموا بصنعها بأنفسهم، أو قاموا بتعليقها وتركيبها فقط، يترك أثراً طيباً في نفس الطفل يظل محفوراً في ذهنه إلى أن يشيخ، بل ويحرص على تكراره والحفاظ عليه كتقليد داخل أسرته الجديدة.
ينشأ الصبي محبّاً للَمّة رمضان وينتمي لأسرته بشكل كبير، بخاصة إن كان في سنّ التقليد
ويضيف «عندما تهلّ علينا أيام الشهر الكريم، فإن تواجد جميع أفراد الأسرة في رمضان في التوقيت نفسه لتناول الطعام معاً، سواء في الإفطار أو السحور، يثير في نفس الطفل تساؤلات كثيرة، مثل لماذا في رمضان بالذات تحدث هذه اللمة، ويحرص الجميع على التواجد بلا تأخير والمشاركة في تحضير المائدة؟ فيفهم الحكمة من الصيام تدريجياً.
وأيضاً عندما يسمع والده ووالدته وهما يدعوان «اللهم إنّا لك صمنا، وعلى رزقك أفطرنا، وبك آمنّا، وعليك توكلنا»، ويرى الكبير يؤثر الصغير ويحنو عليه، ينشأ الصبي محبّاً للَمّة رمضان وينتمي لأسرته بشكل كبير، خاصة إن كان في سنّ التقليد، ما يجعل هذه الأمور محفورة في داخله من دون أن يدري، من خلال حبّه لتقليد والديه وإخوته الكبار».
بيتنا في رمضان.. عامر بكلّ مشاعر والحب
وتتفق معه الدكتورة مروة الشناوي، استشاري العلاقات الأسرية وتعديل السلوك في القاهرة، في ضرورة استغلال أجواء رمضان لإصلاح العلاقة مع الأبناء، وإعادة دمجهم داخل العائلة، بعيداً عن العزلة الافتراضية التي يعيشون فيها باقي أوقات العام.
وترى أن الاهتمام بإعداد وتزيين البيت لاستقبال الشهر الكريم ليست بهدف إسعاد الأطفال وأفراد الأسرة بقدوم رمضان فقط، ولكنها أيضاً فرصة ذهبية لتدعيم روح لمّة الأسرة التي افتقدتها كثير من الأسر العربية خلال السنوات والعقود الماضية، بسبب نمط الحياة السريع، وتضارب أوقات العمل والمدرسة، حتى أصبح من النادر لبعض الأسر اللقاء على وجبة غداء بسبب كثرة انشغالات الجميع.
وتقول «البيت في رمضان دائماً ما يكون عامراً بما لذّ وطاب من طعام، ولكنه يجب أن يكون أيضاً عامراً بالمشاعر النبيلة، والقيم الأصيلة، والمودة والرحمة، التي تفتقدها الكثير من الأسر.
والواقع يؤكد أن أغلب ذكرياتنا عن رمضان تتعلق بلمّة العائلة، وتجمع الأسرة لتجهيز البيت لاستقبال الشهر الكريم وإعداد الزينة، وهو أكبر تعزيز للتماسك بين أفرادها».
وتطالب الدكتورة مروة الشناوي الآباء والأمهات، بمدح وتشجيع الأبناء حيال التصرفات الصائبة التي يقومون بها كلما سنحت الفرصة، وعدم التقليل من شأنهم أبداً، والأفضل أن نخصّص وقت الإفطار نبادلهم الحب بالحب، والمودة بالمودة، ولنطمْئِن كل منّا على الآخر، ونعلّم أولادنا، بخاصة الأطفال منهم، آداب الطعام ليكون ذلك تطبيقاً عملياً مع والديهم، إضافة لنشر الحب بين جميع أفراد الأسرة.
يجب على الوالدين أن يهيِّئا أولادهما لكي يعيشوا معهما أياماً سعيدة خالية من الخلافات والنقاشات الحادة
ومن جهة أخرى، تلفت الدكتورة مروة الشناوي، إلى أننا يجب ألا نهمل جوهر الأسرة، ونكتفي بالشكل فقط، فالبيت يحتاج إلى أن نجدد روحه قبل، وخلال الشهر الكريم، لكن هذا وحده لا يكفي، بل يجب على الوالدين أن يهيّئا أولادهما لكي يعيشوا معهما أياماً سعيدة خالية من الخلافات والنقاشات الحادة، وتبيّن «الخلافات تحدث في المنازل التي لم يستعد فيها الزوج وزوجته لشهر رمضان استعداداً جيداً. لذا لابد أن يستعد كلاهما لروحانيات الشهر الفضيل بالجلوس سوياً، وحلّ كل الخلافات العالقة بينهما حتى يكون الشهر شهر الود والتراحم، ويحرص كل منهما على الاستماع والإنصات للآخر، ويكون لدى كل من الزوج وزوجته الاستعداد التام لاحتواء الطرف الآخر، فلو تدرّبا على الاحتواء، وكيفية الصمت، والحرص على تجاوز أي مشكلات سابقة، والتعامل مع الشهر الفضيل على أنه فرصة لتجديد دماء الحياة الزوجية، وأخذ هدنة رمضانية من كل المشكلات، فإن هذا كله كفيل بالقضاء على تلك المشكلات».
خطوات بسيطة تمنحنا السعادة في رمضان
أما الدكتورة نوران فؤاد، استشاري الطب النفسي والأسري وخبيرة العلاقات الزوجية، فتشير إلى أن رمضان حقاً يمنح الأسرة فرصة ذهبية لتعزيز استقرار الصحة النفسية والعقلية لدى الأبناء، وإذابة أي خلافات بين أفراد الأسرة الواحدة، والتخلّص من الضغوط النفسية والعصبية بين الزوجين، وتجديد الحوار الأسرى بين الجميع. لذلك يجب أن يستغل الزوجان هذا الشهر لبدء صفحة جديدة في حياتهما تكون مبنية على الحب والرضا، ومراعاة كل طرف للآخر والتغاضي عن هفواته الصغيرة.
وتقدم الاستشارية الأسرية مجموعة من النصائح للأسر لاستقبال رمضان واغتنام الفرصة لقضاء أوقات سعيدة في ممارسة كل طقوسه وروحانياته، ومنها:
- شهر رمضان الكريم يرتبط بتجديد الروح الإيمانية، وتكثر فيه قراءة القرآن في أوقات مختلفة، لذلك يمكننا تخصيص ركن للصلاة وقراءة القرآن في المنزل، وتزيينه بإضاءة مناسبة.
- من الأفضل أن نربط الأطفال بالشهر الكريم من خلال تخصيص ركن لهم، وتزيينه بالشكل الذي يختارونه هم، وحثهم على قراءة القرآن في بيئة مناسبة وهادئة.
- يمكن للأم مشاركة طفلها في الإعداد لشهر رمضان، ليس لتزيين المنزل فقط، ولكن أيضاً بتحضير بعض الملابس للذهاب للمسجد بصحبة والده، والتصدق على الفقراء، بخاصة في شهر رمضان.
- هذا الشهر العظيم فرصة لتقوية الترابط الأسري، وصِلة الرحم، فالأسرة تجتمع غالباً، مرتين في اليوم، على مائدة الطعام، وتزيين المائدة ببعض ديكورات رمضان يجعلها ذكرى جيدة، وتزيد من تعلق الأبناء بمواعيد الإفطار والسحور، وقبل موعد الإفطار يومياً فرصة عظيمة لأن يتشارك الجميع تجهيز المائدة.
- أغلب المشاحنات والاضطرابات في العلاقات الأسرية تذوب في شهر رمضان، فهو حقاً شهر الغفران والتسامح، لذلك يجب استغلال الفرصة لفتح صفحة جديدة بين الآباء والأبناء، والبدء بالصلح ونسيان الماضي، وغرس البذل والمحبة والتضحية مكانهما، وهذا الأمر يحدث في أوقات الاستعداد للشهر الفضيل، ووقت تصنيع الزينة وتعليقها هي أفضل الأوقات للصلح.
- رمضان يمنح الأسرة فرصة عظيمة لتكوين ذكريات سعيدة مشتركة، لذلك على الأب والأم معاً، الانتباه لعدم التوبيخ والإيذاء النفسي للأبناء خلال أوقات مشاركتهم في تجهيز البيت وتزيينه، وحتى إن بدر سلوك مرفوض من الأبناء أثناء ذلك يجب عليهما مناقشة الأمر بهدوء، والتجاوز عنه لحين الانتهاء من تجهيز البيت، فالغضب والجدال في هذه الأوقات يخلّف ذكريات سيئة لدى الأبناء، ويضفي جواً من النكد على الجميع.
- التعاون بين الزوجين في أعمال المنزل وتجهيزه خلال أيام رمضان يضفي على حياتهما حالة من البهجة السعادة، فرمضان غالبا ما يكون فترة تواجد الزوج فيه في المنزل أكثر من بقية الأيام، وبالتالي فهو فرصة لكل زوج أن يشمر عن ساعده ويدخل المطبخ يساعد زوجته، ويعينها في إنجاز مهامّها المطلوبة منها، فهذا الأمر يزيد الودّ والتراحم، والإحساس بالشريك.