10 ديسمبر 2023

التقبّل "فن" وأساس الصحة النفسية والشعور بالسعادة

محررة في مجلة كل الأسرة

التقبّل

التقبُّل هو أحد أهم مفاتيح الصحة النفسية التي ترتبط بشكل أساسي بالقدرة على تقبُّل ذواتنا والآخرين، بصورة إيجابية متوازنة، بعيداً عن التوتر، والقلق، والاكتئاب، والإجهاد، والطاقة السلبيّة.

هدى آل علي
هدى آل علي

يمكن تعريف الصحة النفسية بأنها «القدرة على الإحساس بالسعادة والارتياح مع الآخرين»، وتشير الاستشارية التربوية وخبيرة تمكين المرأة، هدى آل علي، إلى أهمية ارتباط الصحة النفسية بالقدرة على تقبّل الآخر، لكونها أمراً حيوياً للوصول للسعادة في الحياة، وتؤكد أن «التعامل مع الأشخاص السلبيين تحدٍّ تنجم عنه زيادة في مستويات التوتر والقلق الذي يمكن أن يتحول إلى إجهاد وإحباط، فينعكس سلباً على صحتنا النفسية، لذلك يصبح من المهم وضع الحدود في هذه العلاقات، والتركيز على التواصل الإيجابي، وإجادة تقييم تأثير هذه الشخصيات، وحماية أنفسنا من الآثار السلبية الناجمة عن التفاعل معها، من دون أن نؤذي أنفسنا».

التقبّل

وتبيّن هدى آل علي أهمية وجود توافق بين الأفكار والمشاعر «هذا التناغم أمر مهم للوصول إلى الصحة النفسية، فالتواصل مع المشاعر بشكل واضح يساعد على فهمها، والتعاطي معها بشكل صحيح، وبالتالي تعزيز الأفكار، واستيعاب العواطف، وتحويلها إلى طاقة إيجابية. ولتحقيق ذلك يمكن ممارسة الاسترخاء والتأمل، لنتمكن من التواصل بصورة صحية مع مشاعرنا، والتعبير عنها بطريقة صحيحة وبنّاءة، فالتقبّل هو أحد مفاتيح الصحة النفسية التي تمنحنا الفرصة للنمو والتطور، كذلك الأمر مع الأشخاص، كما أنه يعني التعامل مع الأفكار السلبية والمشاعر السيّئة بطريقة إيجابية. فالاعتراف بعيوبنا يمنحنا القدرة على التعامل مع التحديات والصعاب بشكل أفضل، وبالتالي يساعدنا على تقليل التوتر والقلق والاكتئاب، وتعزيز الإحساس بالسعادة والرضا، والقدرة على مواجهة التغييرات بثقة، والتأقلم معها. كما يساعدنا التقبّل على تحسين العلاقات الاجتماعية، ونمو الذات، وفهم الآخرين وإظهار التعاطف والاحترام.، لكن ذلك لا يعني أن نسلّم لكل شيء، فهناك فرق بين التقبّل والتسليم، رغم اشتراكهما في معنى القبول والإيمان، فهما يختلفان في النهج والرؤية، فبينما يتطلب التقبّل فهماً عميقاً للأمور اعتماداً على التفكير المنطقي، يكون التسليم تنازلاً واضحاً عن السيطرة، والاعتماد على القوة العليا، أي عيش الحالة من دون مقاومة، وبالتالي يؤثر في صحتنا النفسية، وسعادتنا. وإذا ما أجدنا التعامل مع هذين المصطلحين بالشكل السليم، فهناك أشياء في حياتنا علينا تقبّلها، لكن يجب ألا نصل إلى درجة التسليم السلبي الذي ينعكس بشكل سلبي على حياتنا، وصحتنا النفسية».

التقبّل

كيف تحافظ على صحتك النفسية؟

تطرح هدى آل علي الأسباب الداخلية التي تعيقنا عن الوصول إلى الصحة النفسية:

  • تدنّي التقدير الذاتي: يؤثر بشكل سلبي في الصحة النفسية للفرد. فعندما يعاني الشخص من قلة الثقة بالنفس، فإنه يشعر بالإحباط، وضيق النفس الذي يتطور لقلق، واكتئاب مستمر، يؤثر سلباً في حياته اليومية، وعلاقاته الاجتماعية، ويصبح أقل قدرة على التعامل مع التحديات، عاجزاً عن تحقيق طموحاته. وللتغلب على الأمر لابد من تعزيز الثقة بالنفس عن طريق التأكيد على التوكيدات الإيجابية بشكل مستمر، وزيادة المعرفة والتعلم.
  • الإحساس بالذنب وجَلد الذات: لا يمكن إغفال خطورة وتأثير الشعور بالذنب في الوصول إلى الصحة النفسية، فمعاقبة النفس بشكل سلبي، والشعور بالانكسار يؤدّيان إلى تقوية الأفكار السلبية، وتدهور الصحة النفسية، وللتخلص من هذا الإحساس من المهم أن نتدرب على تجاوز أخطائنا، وممارسة التفكير الإيجابي، والحصول على الدعم العاطفي من المقرّبين، لنتمكن من تحسين صحتنا النفسية، وتعزيز الشعور بالسعادة والرضا.
  • التوقع العالي: يعيش الكثير منا أحداثاً ومواقف مملوءة بالتوقعات العالية التي تأتي، في بعض الأحيان، غير مطابقة للنتائج، حينها تتبدّد آمالنا بما يؤثر في صحتنا النفسية بشكل سلبي، لذا، يجب علينا أن نتعلم إدارة توقعاتنا بشكل صحيح عن طريق تحديد الأهداف الواقعية، والتركيز على الجوانب الإيجابية، وتقبّل جميع معطيات الحياة، فالنتائج لا تتطابق دائماً مع توقعاتنا، وهذا جزء طبيعي من تجربتنا الحياتية.
  • الخوف من التعبير: هو إحدى الصفات التي يمكن أن يكتسبها الفرد من أسرته، فالنشأة على القلق من الردود السلبية، أو الانتقادات التي يمكن أن يتعرض لها الشخص تؤثر بشكل سلبي في ثقته وتصوراته الإيجابية عن نفسه، وبالتالي يدفعه إلى العزلة، والوحدة، والاكتئاب، لذلك يجب تغيير هذا النمط السلبي من التفكير، والعمل على زيادة ثقتنا بأنفسنا، وتطوير قدراتنا على التعبير عن آرائنا بثقة.

التقبّل

الصحة النفسية والطاقة الإيجابية

وهما من أهم المسائل التي يجب أن نوليها اهتماماً في حياتنا اليومية، وامتلاكنا لهما يساعدنا على مواجهة التحديات والضغوط اليومية، بثقة وسلاسة، وللتزود بهما توصي هدى آل علي بـ:

  • التدرّب على التفكير الإيجابي: يُجبرنا التفكير السلبي على الشعور بالضيق والقلق. لذلك علينا تطوير عادة التفكير الإيجابي، والتركيز على الجوانب الجيدة في الحياة.
  • التواصل مع الأشخاص الناجحين: يساعدنا هذا النوع من العلاقات على إعادة التوازن لحياتنا، بالبحث عن هذه النماذج في مختلف مجالات الحياة.. العمل، والعلاقات، والصحة، وإن تعذّر إيجادهم بالقرب منا، يمكن أن نعثر عليهم من خلال قراءة الكتب لأشخاص ناجحين، يمكن أن يلهمونا قصص نجاحهم، أو البحث عنهم في وسائل التواصل الاجتماعي، وتتبع مسارات حياتهم وتجاربهم.
  • تعزيز الاتصال الروحي بالله: تخصيص وقت للصلاة والاستغفار وقراءة القرآن، يمنحنا السكينة الداخلية، والطمأنينة، والارتياح، والقدرة على التغلب على المشكلات والتحديات، وتنظيم حياتنا وتوجيهها بشكل سليم.
  • ممارسة التمارين الرياضية: إحدى أفضل الطرق لتحسين الحالة النفسية وزيادة الطاقة، لكونها تعمل على إطلاق الهرمونات السعيدة في الدماغ وتقوية الجسم.