حالة من الرعب والقلق سيطرت على البيوت مرة أخرى مع الانتشار الهائل لكم الأخبار والمعلومات المتعلقة الموجات المتتالية من فيروس «كورونا» المستجد المتفشي في كل دول العالم، مما أثر سلباً في نفسية كل أفراد الأسرة خاصة الأطفال الذين لم يتنفسوا الصعداء من الحظر المنزلي الذي تعرضوا له لعدة أشهر لم يخرجوا فيها من المنازل إلا للضرورة القصوى. الموجات المتتالية من «كورونا» والأحاديث المتداولة حول شراسة المرض وتحوره وشدة تأثيره في الفصيلة الجديدة ومهاجمته للأطفال أصاب الكثير من الأطفال والمراهقين بالقلق والهلع بالإضافة للملل الشديد بسبب حرمانهم من الكثير من وسائل الترفيه الموجودة خارج المنزل.
وفي الواقع تعجز الكثير من الأمهات عن التعامل مع ما ينتاب أبنائهن من مشاعر الخوف التي تأتي في بعض الأحيان مبالغاً فيها، كالخوف الشديد من التواجد في الظلمة أو تخيل أشياء مخيفة وغير حقيقية أو توجس الطفل من وقوع الضرر له أو لأحد المقربين منه وكذلك الخشية من التعامل مع الغرباء أو لقائهم.
طرحت «كل الأسرة» عدداً من التساؤلات على خبراء الطب النفسي والتربية وسألتهم: كيف يمكننا السيطرة على هذه المشاعر واستعادة الثقة والطمأنينة في نفوس أولادنا؟ وهل يمكن لحالة القلق والرعب والملل التي تصيب الأطفال أن تؤثر في نفسيتهم؟ وكيف نتغلب على ذلك؟
1- لا للتخويف والأخبار المزعجة
في البداية يؤكد الدكتور أحمد فوزي صبرة، استشاري الصحة النفسية والعلاج النفسي بدون أدوية بالقاهرة، على ضرورة إبعاد الأطفال عن مشاهدة الأخبار المتعلقة بفيروس «كورونا» والتوقف فوراً عن كل محاولات التخويف التي يمارسها بعض الآباء والأمهات للأبناء والخوف الزائد عن الطبيعي والذي يمارسه بعض الأهل بشكل ملحوظ، فكل ذلك من شأنه أن يدمر نفسية الأولاد ويصيبها بالرعب الشديد وقد يتطور الأمر لدى البعض منهم وتكون نتائجه وخيمة عليهم.
ويقول «للأسف الخوف الزائد من فيروس «كورونا» أصاب بعض الأبناء بالخوف من الدراسة والمدرسة والمدرسين وأصبحوا يعتبرون كل ما خارج المنزل يهددهم بالإصابة حتى أصبحت بعض الأمهات تشكو من إصابة الأولاد بالاكتئاب ورفض الطعام والتبول اللاإرادي والرغبة في الانعزال والتوحد، لذلك الأفضل أن نستمع إلى المعلومات التي يرددها الطفل وتصحيحها والتخفيف من حدتها عليه والاستماع باهتمام إلى مخاوفه والرد عليها بمنحه الكثير من الحب والاهتمام والتخفيف عنه، فالطفل في هذه المراحل من القلق في أشد الحاجة لحب الأهل والحصول على اهتمامهم ورعايتهم».
ويحذر استشاري الطب النفسي الأهل من تداول الأخبار المرعبة حول الفيروس أمام الأبناء لما في ذلك من تأثيرات سلبية شديدة خاصة من الأرقام الخاصة بالوفيات.. والأفضل للوالدين فهم الحقائق ومشاركة المعلومات بطريقة تناسب عمر الطفل وذكر الجانب الإيجابي بأن الأطفال أقل عرضة للإصابة وإذا أصيبوا فالأمر لا يتعدى معهم نزلة برد، وتعريف الطفل بإجراءات السلامة العامة والتنويه بضرورة غسل اليدين بعد اللعب وقبل تناول الطعام.
حالة القلق تصيب بشكل أكبر الأبناء دون 16 عاماً
2- طمأنة الأطفال
أما الدكتورة مروة الشناوي، استشاري العلاقات الأسرية والتربوية بالقاهرة، فترى أن التوتر والقلق من المستجدات العالمية حول وباء «كورونا» شيء طبيعي، لكن يجب أن نحافظ على أنفسنا حتى لا نصل إلى مرحلة الفوبيا أو الرهاب أو الخوف الزائد على الأبناء لأنه أكثر شعور سلبي قد يتسبب في تدمير العملية التربوية، فكثير من الآباء يتسببون في إخراج أولاد معقدين وسلبيين ولديهم مشكلات نفسية لا تنتهي بسبب الخوف الزائد عليهم.
وتقول «الخوف الشديد يصل بالطفل لحالة من عدم الثقة وعدم المواجهة ويصبح ضعيف ويبتعد عن المجتمع ولا يستطيع مواجهة مشاكله ويطالب الأب والأم بالتعامل مع كل الأمور التي تخصه. لذا يجب علينا طمأنة الأطفال وعدم تعريضهم لأي موقف مخيف ومرعب تترتب عليه آثار نفسية على المدى البعيد أو القريب، خاصة إذا ما أحس الأبناء بنوع من «الفوبيا» يجب حينها على الأب والأم القيام بوقفة مع النفس ومراجعة ما يتعرض له الطفل من أخبار ومعلومات وإبعاده عن ذلك كله واغتنام الفرصة لتذكير الأبناء بتدابير النظافة الجيدة دون إثارة مخاوف جديدة لديهم. كما يجب توعيتهم بطريقة سليمة وعدم نقل حزننا ومشاعرنا السلبية إليهم والحرص على تقديم الدعم الكامل لهم معنوياً من خلال التواجد معهم في الأوقات المتاحة حتى يتعاملوا مع الأمر بتقبل وسلام نفسي».
3- مخاوفهم تزداد ليلاً
الدكتور مصطفى النحاس، استشاري الطب النفسي بمستشفى المعمورة بالإسكندرية ومدير مركز سبيل للطب النفسي، يؤكد أن خيال الأطفال واسع مما قد يصيبهم بالخوف والهلع في حال اعتمادهم على ما يسمعونه حولهم فقط فيما يتعلق بالمستجدات لفيروس «كورونا»، لذا فإن دور الوالدين هنا يكون بالغ الأهمية كمصدر للأمن النفسي للأبناء، مشيراً إلى أن مدى تأثر الأبناء بحالة القلق والرعب من الوباء تختلف باختلاف المرحلة العمرية لهؤلاء الأطفال واختلاف الظروف، ولكن هناك أساليب عديدة للسيطرة على القلق غير الإيجابي حتى لا ينشأ أطفال زمن «كورونا» يعانون فقدان الثقة بالنفس وغيرها من المشكلات النفسية التي يصعب علاجها عندما يشب ويكبر.
كما يشدد النحاس على أهمية أن يشرح الوالدان للأطفال أن الوباء مرض كأي مرض آخر قد يصيب الإنسان ويسبب له بعض المتاعب لكنه ليس بالضرورة مرضاً قاتلاً ومميتاً في حالة ما التزمنا بالإجراءات الوقائية والعلاجية للتعامل الأمثل مع الفيروس، وينصح الأهل بالجلوس مع الأطفال ساعة قبل النوم وإعطائهم فرصة كاملة يتحدثون فيها عن مخاوفهم ويجيبون فيها عليهم بشكل مبسط وسلس.
ويلفت النحاس إلى أنه من الطبيعي أن تزداد نوبات الخوف والهلع لدى الطفل في الليل وعند النوم ويبدأ في إبداء حاجته إلى أمه ورغبته في أن يكون معها وتحديدا أن ينام لديها في سريرها، والمطلوب من الأم أن تظهر للطفل القرب منه وإحاطتها له بالرعاية وصدق إحساسها بما يعانيه من تخوفات، ومن الجيد إفهامه بأن من الطبيعي أن يبحث عن أمه ويطلب الأمان لكن على الأم ألا تتمادى في الاستجابة لطلباته وأن تقاومه برفق ولطف لأن النوم لديها لن يحل المشكلة.
والأفضل أن تقدم الأم للطفل ما يشعره بالأمان الحقيقي والقوة لإزالة الخوف، وإخباره أن أمه ستكون بجواره عند حاجته لها وأنها ستشارك مع والده في تفقده من وقت إلى آخر، ولا بأس بأن يعطي أي شيء يطلبه ليضعه بين يديه ليشعر بالأمان كإحدى الدمى مثلاً مع عمل إضاءة خافتة له بالغرفة.
4- المراهقون الأكثر تأثراً
الدكتورة هالة حماد، استشاري الطب النفسي للأطفال والمراهقين والعلاقات الأسرية، ترى أن الخوف والرعب من وباء «كورونا» أصبح أخطر من الفيروس نفسه، وتؤكد أن الشعور بالقلق من فقدان الأطفال لآبائهم يعد من أكثر الأحاسيس التي تؤدي إلى توتر الأطفال في الفترة الراهنة من انتشار الفيروس، وكذلك الحال بالنسبة للآباء والأمهات اللاتي يخشين من الإصابة والانفصال عن الأبناء بسبب هذا الفيروس القاتل مما يؤدي لإصابة جميع أفراد الأسرة بالاكتئاب المزمن، وهو الأمر الذي يؤدي إلى تأثيرات سلبية على مناعة الفرد والصحة النفسية للأسرة ككل.
وترى استشاري الطب النفسي أن الآباء والأمهات يجب أن يركزوا مع أطفالهم على أن بقاءهم في منازلهم وتحولهم إلى العمل من المنزل يعتبر فرصة ذهبية لقضاء أوقات أفضل وأطول مع الأبناء لاستعادة الجو الأسري المفقود والتخفيف عنهم بالتواصل الهاتفي أو عن طريق الفيديو مع الأهل والأصدقاء إلى أن تنتهي إجراءات التباعد الاجتماعي المفروضة على الجميع.
وتشير د. هالة حماد إلى أن تأثيرات الخوف والقلق على المراهقين أشد وطأة من الأطفال وتظهر في عدد من الأمور مثل حدوث اضطرابات في النوم وانخفاض في الشهية ورغبة أكبر في الانعزال عن الآخرين، وهنا يكون هناك دور مهم للوالدين في التخفيف من قلق الأبناء بتقديم الدعم النفسي لهم وعدم الاستهزاء من مخاوفهم والابتعاد عن تعنيفهم لأتفه الأمور والابتعاد عن الإفراط في إصدار الأوامر.
اقرأ أيضًا: ﻛﯿﻒ ﻧﻬيئ أوﻻدﻧﺎ ﻟﻤﺎ ﺑﻌﺪ ﻛﻮروﻧﺎ؟