الكثير من مشاعر القلق والتوتر تنتاب النساء عندما يصبحن على أبواب الأربعين وما بعدها، فتسيطر على عقولهن فكرة تقدمهن بالعمر، ويعتقدن أنهن وصلن إلى مرحلة سن اليأس وصرن على أبواب الشيخوخة وأنهن سيودعن حينها الشباب والجمال والأناقة.
فقد أكدت العديد من الدراسات النفسية أن صراع المرأة مع السن يبدأ منذ فترة المراهقة، ويصل إلى القمة عند بلوغ الأربعين من العمر ولكن بشكل عكسي، فعندما تصل الفتاة إلى سن المراهقة فإنها تتمنى أن تكبر بسرعة لتصل إلى العشرين أو الخامسة والعشرين من العمر لتشعر أنها امرأة متكاملة وبالغة ، ولكن عندما تصل المرأة إلى سن الأربعين تتمنى العودة إلى الوراء، وهذا ما يجعلها دائماً في صراع مع السن.
ناقشت «كل الأسرة» مع عدد من خبراء الطب النفسي والمتخصصين في تعديل السلوك مشكلة التغيرات النفسية ومشاعر القلق التي تصيب النساء مع تقدم العمر:
الكثير من الدراسات الحديثة تحذر من العلاج بالهرمونات البديلة حتى وإن كانت لفترات قصيرة
في البداية، يؤكد الدكتور حاتم محمد حسن، استشاري النساء والتوليد بكلية الطب القصر العيني بالقاهرة، أن الكثير من النساء على مشارف سن الأربعين يتعرضن لحالة من الاكتئاب، وقد تمتد هذه الحالة لمدة أعوام حتى تتأقلم مع المتغيرات الفسيولوجية المرافقة لهذه المرحلة العمرية.
ويقول «نزول الدورة الشهرية من الأمور الطبيعية في جسم المرأة، ومع انقطاع الطمث تعاني النساء أعراضاً نفسية وجسدية كثيرة، وقد تعاني الاكتئاب والحزن لبلوغها مرحلة سن اليأس وانقطاع الطمث.. لكن هذه المرحلة قد تحدث في بداية سن الأربعين، لكنها في الأغلب تبدأ في سن الخامسة والأربعين وحتى سن الخمسين وفي الأغلب فترة الدورة الشهرية تكون وراثية. لكن انقطاع الدورة في سن مبكر يؤدي إلى مشاكل نفسية وصحية كبيرة لذلك يجب أن تتابع المرأة أسباب انقطاع الطمث مبكراً مع طبيب متخصص، لأن الانقطاع المبكر للطمث يؤدي إلى هشاشة العظام وضعف الذاكرة والمعاناة مع أمراض مختلفة مثل الروماتيزم والزهايمر ويسبب أيضاً نقصاً في هرمونات الجسم مما يؤثر في الغدة النخامية الخاصة بالذاكرة».
ويرى د. حاتم حسن أن الموقف يكون أكثر صعوبة لدى المرأة التي تصل إلى سن الأربعين، وتكون لديها رغبة في إنجاب الأبناء، فهذا التقدم في العمر قد يصيبها بالتوتر والقلق والعصبية الشديدة واليأس وتعتبر نفسها أنها في صراع شديد مع الزمن سواء كانت هذه الأربعينية حديثة الزواج أو أنها تزوجت منذ سنوات وعاشت طوال هذه الفترة تحاول الإنجاب ولكنها تفشل، ووقتها ترى هذه المرأة نفسها في انتظار الحكم عليها بالإعدام بعد أن تصل إلى مرحلة الفقدان الكامل لثقتها في نفسها وشعورها بالدونية.
ويشير استشاري النساء والتوليد إلى أن بعض النساء عندما ينقطع الطمث لديهن يلجأن فوراً إلى الهرمونات البديلة وهذا قد يكون المطلوب، لكن الأهم هو بحث الأسباب واتباع نظام غذائي صحي وممارسة الرياضة بانتظام وتناول العلاجات الطبيعية.
وشدد د. حاتم حسن على أن الكثير من الدراسات الحديثة تحذر من العلاج بالهرمونات البديلة حتى وإن كانت لفترات قصيرة، حيث إن هذا العلاج يرتبط بمضاعفة خطر الإصابة بسرطان المبيض.
أخطر ما يصيب المرأة في سن الأربعين هو الوقوع في براثن دوامة محاسبة الذات وتقييمها سلباً وإيجاباً
من جهتها، تؤكد الدكتورة أمل محسن، استشاري الصحة النفسية والاتيكيت في مصر، أن الكابوس الحقيقي بالنسبة لكثير من النساء هو وصولهن إلى سن الأربعين، لأن تخطي سن الأربعين يفجر لديهن طاقات من التفكير في أغلبها تشاؤمية، وتسيطر عليهن حالة من القلق، فمنهن من يعتبرن أن بلوغهن سن الأربعين يعني نهاية الأنوثة الشبابية لكن غيرهن يعتبرن سن الأربعين قمة النضوج النفسي والجسدي.
وتوضح «المرأة عندما تصل إلى مشارف سن الأربعين تجلس وتفكر في كثير من الموضوعات، مثل: ماذا حققت في حياتها؟ وما الإنجازات التي حدثت خلال السنوات الماضية؟ وفي هذا الإطار تختلف مواقف النساء بحسب ما إذا كانت متزوجة أم لا، فوقع سن الأربعين على المتزوجات يعتبر أقل وطأة ولكنه بالنسبة لغير المتزوجات هو الكابوس بعينه، والمرأة غير المتزوجة تردد عبارة أنا بحاجة إلى شريك في الحياة ولكن كيف وأنا في هذه السن؟».
وتضيف «إن أخطر ما يصيب المرأة في سن الأربعين هو الوقوع في براثن دوامة محاسبة الذات وتقييمها سلباً وإيجاباً، لأن أي عنصر تشعر المرأة أنها فشلت فيه سيؤدي إلى وقوعها في الاكتئاب والحزن والشعور بالتعاسة التي تؤدي بالكثيرات إلى اعتزال الناس، وفي الوقت نفسه التقييم الإيجابي قد يمنحها الثقة المبالغ فيها فتعطي لنفسها قيمة أكبر من المطلوب فتنتظر اهتماماً وثناءً ومدحاً من المحيطين، وعندما لا تجد ذلك تصاب بالاكتئاب. لكن الأغلبية العظمى من النساء اللواتي يصلن إلى سن اليأس يصلن إلى التقييم السلبي للنفس انطلاقاً من الشعور بأنهن لم يعدن تلك المرأة الجميلة الجذابة التي تستطيع خطف أنظار الرجال إليها».
وتحذر الدكتورة أمل محسن، الزوجات من حالة الملل العاطفي والشعور بالإهمال التي تصيب النساء في بداية سن الأربعين، نتيجة الاكتئاب المصاحب للتقدم في العمر، وترى أن الكثيرات يتحملن مسؤولية التباعد العاطفي عن الزوج والذي يصيبهما بالجفاء والفراغ العاطفي وبعدها تحدث الخيانات وانقلاب حياة الزوجين رأساً على عقب.
هناك نساء ضحين بحياتهن المهنية في سبيل الزوج والأبناء، ووجدن أنهن لم يحققن شيئاً من أحلامهن الشخصية في تطوير الذات والنجاح المهني
وتتفق معها الدكتورة نيفين إبراهيم، استشارية الصحة النفسية وتعديل السلوك والإرشاد الأسري، في أن أزمة منتصف العمر التي تصيب الرجال وسن اليأس الذي يصيب النساء يتسببان كثيراً في حدوث العزوف العاطفي لدى الزوجين، بسبب التغيرات الهرمونية والفسيولوجية التي تصيبهما بعدم الرغبة الجنسية والبرود الجنسي، مما يؤدي إلى توتر العلاقة بينهما وزيادة المشاكل العاطفية والانفعالات وقلة القدرة على تحمل الضغوط النفسية والتعامل معها بانفعال شديد.
وترى الاستشارية الأسرية أن بعض النساء يصبن بالاكتئاب على مشارف الأربعين بسبب الشعور بالندم على قرار التضحية بالنجاح الأسري للفوز بالنجاحات المهنية، فهناك نساء يفضلن متابعة مسيرتهن المهنية على حساب تأخير الزواج أو إلغاء التفكير فيه، وعندما تبلغ سن الأربعين تبدأ في التفكير فيما أنجزته وتتساءل ماذا جنت من نجاحها الباهر في العمل دون وجود شريك يشاركها ذلك وأسرة وأبناء يحققون لديها الكثير من المشاعر التي تحتاج إليها.
وفي المقابل، هناك نساء ضحين بحياتهن المهنية في سبيل الزوج والأبناء، ووجدن أنهن لم يحققن شيئاً من أحلامهن الشخصية في تطوير الذات والنجاح المهني، وأيضاً يصبن بالاكتئاب على مشارف هذا العمر.
وحتى المرأة المتزوجة زواجاً غير سعيد عندها ستقف لتحاسب نفسها وهي على مشارف الأربعين، وتسأل لماذا لم تتخذ قرار الانفصال مبكراً وتقضي عمرها مع رجل آخر تحقق معه ما تتمنى لنفسها من السعادة؟ وهذه من أبرز المشكلات النفسية التي تسبب البرود العاطفي والجنسي للمرأة في سن الأربعين.
لكن الدكتورة نيفين إبراهيم تنصح النساء على مشارف الأربعين ألا يستسلمن لمشاعر القلق والتوتر ولا يسرفن في مسألة محاسبة النفس وأن يولين اهتماماً أكثر بالمحافظة على صحتهن الجسدية والتخلص من المشاعر السلبية بممارسة الرياضة اليومية والمحافظة على الرشاقة والأناقة واللياقة البدنية وألا يبخلن في المحافظة على صحتهن بمتابعة الأطباء، وتناول العلاجات المطلوبة للمحافظة على صحتهن الجسدية والنفسية.
الزوج يقع عليه عبء التعامل بحساسية مع كل ما يخص زوجته، فهي تحتاج إلى الدلع والحب والدلال كما كانت في بداية الزواج لأن ذلك يزيد من ثقتها بنفسها
وحول الطريقة الأمثل لتخطي المشكلات النفسية التي تتعرض لها المرأة نتيجة التقدم في العمر، يشرح الدكتور محمد هاني، خبير العلاقات الزوجية والأسرية واستشاري الطب النفسي بالقاهرة، «إن المحيطين بالمرأة يتحملون مسؤولية كبيرة من أجل تجاوزها هذه المرحلة العمرية بسلام وبلا اكتئاب وخاصة الزوج، فلا داعي للزوج أن يذكرها كل يوم أنها قد كبرت وأنها لا يجوز أن تتصرف هكذا أو تلبس هكذا فهي تعلم عمرها جيداً وقد تعاني بعض الشطط والتصرفات الصبيانية، نتيجة رغبتها في الهروب من تقدم العمر وعدم الاستسلام له ويجب أن نتعامل معها بحكمة وذكاء مع هذه التصرفات حتى تتجاوز هذه المرحلة».
ويضيف «يجب أن نركز معها في كل فرصة على أن الجمال الداخلي لا يضيع مع العمر وأن النضوج الفكري والنفسي للمرأة يجعل لها جمالاً من نوع خاص، يُكسبها احترام وإعجاب وحب الجميع كما يجب تأكيد أن الجمال الظاهري لدى الجميع يزول لا محالة، وما يتبقى فقط هو ذلك الجمال الداخلي».
كما يرى الدكتور محمد هاني أن الزوج يقع عليه عبء التعامل بحساسية مع كل ما يخص زوجته، فهي تحتاج إلى الدلع والحب والدلال كما كانت في بداية الزواج وأكثر لأن ذلك يزيد من ثقتها بنفسها بشكل كبير ويمنحها القدرة على مواجهة آلة الزمن بقوة وبلا توتر وقلق.
أما المرأة التي لم تتزوج، يجب عليها أن تعلم أن لكل مرحلة إيجابياتها وسلبياتها وأن الزواج ليس نهاية الأحلام ويجب عليها أن تستمتع بما حققته من إنجازات ولو على سبيل العمل أو العلاقات الأسرية وبناء علاقات ودية مع الأصدقاء والأهل. مؤكداً أن الحل ليس في العزلة والاكتئاب فالجميع يتقدم في العمر وهو أمر طبيعي ولا يجب علينا مقاومته، بل الاستمتاع بكل مرحلة عمرية.