يطرح الأطفال في مختلف مراحل نموّهم العديد من الأسئلة والاستفسارات التي تتطلب إجابة الأبوين بشكل مقنع، وسليم، ليتمكنوا من فهم محيطهم، واستكشاف العالم من حولهم.
في «ورشة فن الردّ والإقناع مع الأبناء»، التي نظّمتها جمعية النهضة النسائية- إدارة فعاليات أجيال المستقبل، أشارت الدكتورة شهد الحمادي، المستشار الأسري وأخصائي جودة الحياة والسعادة، إلى أهم الأسئلة التي تثير فضول الأطفال، والقواعد التي يجب اتّباعها من قِبل الأبوين عند الإجابة عنها، والوصول إلى حوار أسري سليم مبنيّ على الثقة، ويعزز علاقة الاحترام والتفاهم.
د. شهد الحمادي
تكشف د. الحمادي السلوك الشائع للآباء والأمهات عند توجيه الأبناء الأسئلة لهم «عندما يتعلق الأمر بالرد على أسئلة الأطفال، تتباين أساليب الآباء والأمهات، حيث يُظهر البعض انزعاجاً وانفعالاً أثناء الإجابة، في حين يميل الآخرون إلى تشجيع الفضول والاستفهام. هذا الواقع يعكس تحدّيات تربية الأطفال والتواصل الفعّال بين الأبناء وأولياء الأمور، وفي الأغلب تنتاب الآباء والأمهات حالة من الحيرة حين يتعاملون مع أسئلة فضولية ومحرجة تطلقها أذهان أبنائهم، فبينما يميل البعض إلى التنويع في أساليب الرد، يلجأ آخرون إلى إصدار أوامر، أو الانزواء من المواقف التي تتسم بالاستفسارات المتكررة».
وتوضح د. الحمادي أهمية الأسئلة، وتأثيرها في النمو العقلي للأطفال «يُعد تحفيز الفضول لدى الأطفال أمراً إيجابياً لتنمية قدراتهم، العقلية والاستكشافية، ومع أهميته فهو يتطلب مهارات تربوية خاصة تتيح للوالدين توجيه فضول الطفل بشكل بنّاء، من دون أن يتحول الرد إلى إنهاء المحادثة، أو تقديم إجابات غير ملائمة. ومن أجل تحقيق التوازن الصحي بين التحفيز والتوجيه الصحيح، على الوالدين فهم أهمية استفسارات الأطفال، وتوجيهها نحو مسار يساعد على بناء معرفتهم، وفهم العالم من حولهم، هذا التوازن يسهم في تحقيق تطوير علاقة قائمة على الثقة والتواصل الفعّال بين الوالدين، وأبنائهم، وهو عامل أساسي لنموهم، الصحي العاطفي والفكري».
ولأهمية الإجابة عن أسئلة الأطفال الحرجة، تؤكد د. الحمادي أهمية اتّباع الآباء والأمهات خمس قواعد، تساعدهم على الإجابة عن هذه الأسئلة، وتقديم إجابات صحيحة ومناسبة تمكنهم من النمو بشكل صحي وسليم في المستقبل:
- على الأبوين أن يكونا صادقَين بإعطاء الإجابة الصحيحة والحقيقية بشكل مبسّط يناسب عمر الطفل.
- تجنّب قول حكاية غير حقيقية، والتركيز على نقل الحقيقة، وعدم تشويش الطفل بالبحث عن الإجابات عند الغرباء، أو على الإنترنت، بل يجب توجيهه، وتوفير المعلومات الصحيحة بشكل منطقي.
- على الأبوين أن يتعاملا بحذر مع بعض الأسئلة المتعلقة بالتكاثر، أو الزواج، وتجنّب استخدام كلمات مثل «عيب»، أو «خطأ»، حتى لا ينمو الطفل ويفهم أن هذه التصرفات غير جيدة، وبالتالي تلقي بآثارها على نجاحه في الحياة الزوجية، وتتسبب له بشعور بالذنب.
- من الجوانب الهامّة في تعامل الآباء مع الأطفال، هو تشجيعهم على طرح الأسئلة، وإبعاد الشكوك عن أذهانهم، حتى يتمكنوا من التعامل بشكل صحيح مع الأسئلة، وفهمها كمفاهيم تساعدهم على بناء معتقدات وأفكار توجه تصرفاتهم المستقبلية.
تضع د. الحمادي بين أيدينا جملة من الأسئلة التي تعكس فضول الأطفال، وحاجتهم إلى فهم العالم من حولهم، والتي على الأبوين التعامل معها بصدق ونجاح، لتعزيز ثقتهم وتعليمهم المفاهيم الأساسية، مثل:
- «من أين جئت؟»
- «كيف كنت أتناول الطعام وأنا في بطن أمي؟»
- «لماذا لا يلدُ أبي؟»
- «لماذا لا ألدُ طفلاً مثل أمي؟»
- «ما هي الجنة وكيف يمكن الوصول إليها؟»
- كما يضع بعض الأطفال أنفسهم بالمقارنة مع أصدقائهم بقول «أهل أصدقائي لا يرفضون هذا الطلب، لم نحن لا؟»
وتشير د. الحمادي إلى الحوار كأداة فعّالة في الإجابة عن أسئلة الأطفال واستفساراتهم «يُعد الحوار السليم من الأساليب الفعّالة التي يجب استخدامها لبناء علاقة صحية وقوية مع الأطفال، وبشكل خاص الأسئلة الغريبة والمحرجة، فهي جزء طبيعي من عملية التعلم، ومؤشر على فضول الطفل، واستكشافه للعالم من حوله، تعزز ثقته بنفسه، وتساهم في تنمية شخصيته، وقدراته العقلية والاجتماعية».
ولكي يتمكن المحاور من الإجابة عن أسئلة الأطفال واستفساراتهم، يجب أن يمتاز المحاور بصفات عدّة، ليتمكن من تلبية احتياجاتهم العقلية والعاطفية منها:
- الدقة: يجب على المحاور أن يكون دقيقاً في إيصال المعلومات بطريقة واضحة ومفهومة للطفل.
- العلم: أن يكون المحاور واثقاً مما يقوله، وأن يحاول تزويد الطفل بالمعلومات الصحيحة والعلمية.
- الصدق: أن يكون صادقاً في إجاباته، وأن يخبر الطفل بالحقيقة بطريقة تناسب عمره وقدرته على الفهم.
- التحكم في نبرة الصوت: يجب أن يتمتع المحاور بالقدرة على التحكم في نبرة صوته، وأن يعبّر عن الأفكار والمعلومات بطريقة ملائمة ومفهومة.
- المظهر: أن يهتم بمظهره الشخصي، وأن يبدو أنيقاً ومهنياً، لتكون لديه الثقة اللازمة بإيصال المعلومات.
- الحيادية: أن يكون المحاور موضوعياً في إجاباته، لا ينحاز لآراء معينة، ويعرض وجهات النظر المختلفة بشكل عادل.
- الحماسة: أن يكون مملوءاً بالحماس، قادراً على إيصال المعلومات بطريقة مشوّقة، ومثيرة لاهتمام للأطفال.
- الأمانة: أن يكون صادقاً مع نفسه، ومع الأطفال، وأن يعترف بما يعرف، وما لا يعرف، ويلتزم بالوعود التي يقدمها.
- التواضع واحترام الطرف الآخر: أن يحترم المحاور أطفاله، وأن يستمع إلى آرائهم واقتراحاتهم، وأن يكون متواضعاً في طرح المعلومات.
- الاتزان الانفعالي: يجب على المحاور أن يكون ذا انتباه واستجابة عاطفية مناسبة، وأن يتعامل مع الطفل بلطف وتفهّم، يساعده على التعامل مع المشاعر المختلفة.
- استثمار لغة الجسد بشكل صحيح: من المهم أن يجيد المحاور كيفية استخدام لغة الجسد بشكل صحيح، وفعّال، من خلال التعبير عن الاهتمام بالطفل وتقديم إشارات إيجابية.
ترصد د. الحمادي أهمية التركيز، والتواصل الودّي مع الأبناء، للحصول على حوار أُسري فعال، وكيفية تحقيقه من خلال خطوات عدة:
- علينا، كآباء وأمهّات، أن ندرك أننا أفراد مختلفون، لدينا آراء وافتراضات مختلفة، من الصعب أن يقتنع بها أبناؤنا فجأة، فإن لم يضعوا ثقتهم فينا فإنهم لن يشعروا بقربهم منّا، عقلياً وعاطفياً، لذلك من المهم أن نبني معهم علاقة قوية، تستند إلى الحب والاهتمام، ليتمكنوا من فهم وقبول وجهات نظرنا.
- الإصغاء للأبناء وعدم الانشغال عمّا يقولونه عند الحديث عن مواقف، أو مشكلات واجهتهم، فذلك يشعرهم بعدم أهمية ما يتحدثون عنه.
- تجنّب نوعية الحوارات التي تشتمل على التهديد، أو الإجبار، فالجيل الحالي يختلف، بشكل كلّي، عن الأجيال الأخرى، لا يمكن أن يطبّق الأوامر بالقوة، أو الخوف، لذا يجب أن يتم الحوار وفقاً لمبادئ المحبة والالتزام المشترك.
- الابتعاد عن استخدام أسلوب المراوغة والكذب أثناء النقاش، سواء كان ذلك لإخفاء الحقيقة، أو لجذب انتباه الأبناء، ما يؤثر سلباً في الثقة، ويعوق الحوار الصحي بين الطرفين.
- التركيز على الصحة البدنية والنفسية للأبناء، وتعريفهم بحقوقهم وواجباتهم، والحدود التي يجب عليهم احترامها في التعامل، واللعب، والتحدث مع الكبار. كما يتعين علينا تعريفهم بالاستخدام المسؤول للتكنولوجيا، ووسائل التواصل الاجتماعي.
- لتحقيق حوار أسري فعّال، على الوالدين تجنّب التحدث بنبرة صوت حادة، أو استخدام كلمات جارحة، والالتفات لأهمية الحوار في جوٍّ من الود والتفهم، والاحترام المتبادل.