كيف تكسب طاعة وانضباط الطفل؟.. القواعد الرئيسية لأسس التربية الناجحة
يواجه أولياء الأمور اليوم مهمة صعبة أمام الأقوال المتناقضة الخاصة بالتربية، أي ذلك الانضباط الذي يأخذ في الحسبان، على الدوام، مصلحة الطفل وسعادته.
يستند د. جيل ماري فاليه، مؤلف هذا الكتاب «مئة قاعدة وقاعدة للتربية الإيجابية»، إلى خبرته كطبيب نفسيّ للأطفال حتى يقترح قواعد أساسية تمكّن الأهل، والكبار المسؤولين عن الأطفال والمراهقين عموماً، من أن يُسمعوا صوتهم، ويكسبوا طاعة الأطفال واحترامهم على أسس الانضباط الإيجابي.
أهمية فهم الطفل لمعنى الطاعة الحقيقي
رسالة التربية هي أن تنقل إلى الطفل، في ما تنقل، القواعد والقوانين التي تمكّنه من حسن الاندماج في المجتمع، والتي ستُفرض عليه في أي حال عندما يكبر. والمطلوب هو جعله أهلاً لاحترامها، لأن تحمُّل الممنوعات والإحباطات ليس مقدرة فطرية عند الإنسان بل إن الطاعة مقدرة مكتسبة. يعطي القانون الأهل حق ممارسة السلطة على أطفالهم، من أجل قيادتهم وحمايتهم، وهذا من شأنه أن يطمئن الطفل الذي يعتبر أن أهله يمثلون القانون قبل أن يأتي القانون بحدّ، ذاته ويحلّ محلّهم.
من الأسهل تعلُّم الطاعة في مرحلة الطفولة، وليس في مرحلة سِن الرشد. وحينما يكبر الطفل، يفهم أن القواعد والقوانين تنطبق على الجميع، بمن فيهم أهله، وأن قانون الأقوى يجب ألّا يكون هو السائد.
5 سمات في القاعدة الناجحة لتربية الطفل
سيكون من الأسهل على الطفل أن يطيع إذا ما عرف ماذا يتوقع أولياء أمره منه. التربية هي فترة تعلُّم يستند إلى تعليم وتكرار. خمس قواعد أساسية يجب أن تتبعها القاعدة التي يسنّها الأهل من أجل أن يلتزم الطفل بها.. وهذه القواعد هي:
1- يجب أن تكون القاعدة واضحة:
يجب أن تُلفظ القاعدة بلغة يفهمها الطفل بحسب سنّه، وستكون أوضح وأسهل على التطبيق إذا ما تم شرحها بشكل موجز («هذا ممنوع لأنه يمكن أن تجرح نفسك»)، ليس المطلوب تبرير كل شيء، ولكن إعطاء أوامر بلا شرح يسهم في تربية الطفل على الطاعة من دون مساعدته على أن يصير مسؤولاً.
2- يجب أن تكون القاعدة ملموسة:
كلما كان الطفل صغيراً كان بحاجة إلى أن تكون القاعدة ملموسة، أي أن تستند إلى عناصر من الواقع الذي يستطيع اختباره في حياته اليومية. مفاهيم على غرار «هذا جيد»، أو «هذا سيئ» مبهمة بالنسبة إليه، لا سيّما وأن ما هو «جيد» في نظره هو ما يسعده وحسب. ومن الأفضل إرفاق التعليمات بنتائج موضوعية يمكن أن تترتب على الفعل المسموح به، أو المحظور.
3- يجب أن تكون القاعدة ثابتة:
من سِمات القاعدة الأساسية أن تكون قابلة للاستمرار، لا أن تختلف بحسب مزاج الأهل، أو رغبتهم. إزاء وضع معين يجب أن يكون الرد هو ذاته. فإذا ما كان الممنوع في يوم مسموحاً في يوم آخر لأننا في مزاج أفضل، أو منهكين وغير قادرين على تطبيق القاعدة، فإن الطفل لن يضيع وحسب، بل سينزع إلى الحصول على ما يريد بأي ثمن، سواء أكان بواسطة الابتسام والتوسل، أم بواسطة نوبات الغضب.
4- يجب أن تكون القاعدة متماسكة:
الطفل بحاجة إلى تماسك، والقاعدة يجب أن تخضع لمنطق معين، سواء أكان في تسلسلها، (أن نستحم وأن نرتدي ملابس النوم وليس العكس، مثلاً)، أو في علّة وجودها (أُمسك بيدك في الخارج بسبب خطر السيارات وليس في داخل المنزل حيث لا سيارات، مثلاً). ومن المهم كذلك أن يساند كل من الوالدين الآخر في مبادئه التربوية، أمام الطفل على الأقل، وإرجاء النقاش بينهما إلى وقت آخر.
5- يجب أن تحمل القاعدة عواقب:
أي عمل، سواء أكان كلاماً، أم فعلاً، أم الامتناع عن الكلام، أم الفعل، يحمل عاقبته. وهذا يخص كذلك ما يفعله الطفل، أو ما نعلّمه إيّاه، ويطال كذلك سلوك الأهل. فحين نَعِد الطفل بعقاب ولا ننفذه مثلاً، سيكون لهذا العمل عواقبه. ومنها أنكم تخسرون في كل مرة قليلاً من مصداقيتكم، وتزيدون خطر عدم طاعة الطفل للقاعدة التي وضعتموها. لهذا السبب من المهم ألا تهدّدوا بعقاب، وألا تعِدوا بمكافأة، لا تستطيعون تنفيذهما.
علِّموا الطفل قِيماً واضحة
سيكون الطفل أكثر ميلاً إلى عدم تكرار عمله الطائش في حال فهم لماذا يُعتبر هذا العمل مكروهاً. فسِّروا له أن بعض الأعمال تناقض بعض القِيَم، وحين يستوعب هذه القِيم سيكون قادراً على القيام بخيارات أفضل في المستقبل.
القيم التي تلقّنوه إيّاها قد تكون نابعة من مبادئ أخلاقية ودينية، وثمة قيم تخص الطفل مباشرة، وأسرته، وبعضها متصل بالعادات الثقافية والاجتماعية، كالتهذيب مثلاً، وقد تكون مختلفة بين وسط وآخر، وعائلة وأخرى.
وثمة قِيَم تخصّ الطفل وحده، مصلحته، راحته البدنية والنفسية، نموّه وتطوره.. هذه المبادئ التي تأخذ في الاعتبار البيئة التي يتربّى فيها الطفل يمكن ترجمتها بـ«قِيم الصحة، والأمن، والسلامة، والنمو الشخصي، والعلاقة بالآخرين، والعلاقة بالبيئة».. لأن احترام الآخرين واحترام البيئة يسهمان كذلك في حسن نمو الطفل. وهكذا، فإن ترتيب ألعابه ليس مهماً لأسباب تتصل بالنظافة والنظام وحسب، بل لأنه سيجدها بسهولة أكبر كذلك، ولن يدوس عليها ويجرح نفسه، أو يسقط أرضاً. كما أن الطفل لن يكون كريماً وصادقاً لأسباب تتعلق بالأخلاقيات فقط، بل لأن هذا النوع من السلوك يؤمّن كذلك أساس علاقات التبادل الجيدة التي ستمكّنه من إقامة صداقات، واكتساب احترام الآخرين.
فحين يفهم الطفل كيف أن تصرفه الطائش، أو غير السويّ، المناقض لهذه القيم التي تلقنونه إيّاها يمكن أن يضرّ به مباشرة، فإنه سيكون أشدّ ميلاً إلى احترامها.
إن أهمية ربط القواعد بمفهوم القِيم يسمح باتخاذ الموقف الصحيح إزاء وضعيات يبدو طابعها المسموح به، أو الممنوع، خاضعاً للتبدُّل والتغيير بحسب السياق. فالركض في الحديقة أو في الطبيعة خلال نزهة ما، يسمح بإطلاق الطاقة والتريُّض، وهو بالتالي متصل بقيمة «الصحة» الإيجابية وينبغي تشجيعه، في حين أنه ينبغي منعه على الطريق، أو على أرض منزلقة في حمام السباحة، لأن المخاطر التي يحملها متصلة بقيمة «السلامة».
وسيفهم الطفل أنه من المفضل أن يقول الحقيقة، ليس لأن الكذب «سيئ» وحسب، بل وبالأخص لأن الكذب يحمل معه عواقب على علاقته بالآخرين، وبأهله الذين لن يستطيعوا معرفة متى يمكنهم أن يثقوا به.
راجعوا الحدود التي تضعونها للطفل
من أجل أن يطيع الطفل أهله، من المهم أن يعرفوا ماذا بوسعهم أن يتوقعوا منه بحسب سنّه، وطباعه. والقاعدة الأولى في هذا المجال هو ألّا يطلب الأهل المستحيل، فالطفل بحسب سنّه لن يفهم تعليمات الأهل، وطريقة تفكيره بالطريقة ذاتها. فبعض الأفعال «الطائشة» قد تكون ناجمة عن أن الطفل لا يعرف، أو لا ينجح في التنفيذ، كالمحافظة على الهدوء في المطعم لساعات طويلة، واحترام قواعد التهذيب، وحمل آنية من دون كسرها، والتحكم في الإحباط، أو الغضب.
وبدل أن نغضب منه، وأن نعاقبه بلا فائدة، من الأفضل أن نساهم في تعليمه قدرات جديدة، كأن نكون نموذجاً أمامه، أو أن نجعله يكرر، بمساعدتنا، ما لم ينجح في القيام به. ومن الطبيعي تجنّب الأماكن التي لا تناسبه، كالذهاب برفقة طفل لم يدخل المدرسة بعد إلى زيارة متحف.
تربية الطفل.. نعم للسلطة، كلّا للقسوة
من أجل الحصول على طاعة الطفل، قد يكون من المغري بث الخوف في قلبه، على طريقة الحيوانات التي تزأر، أو تكشّر عن أنيابها. بيد أن هذه الاستراتيجيات ليست هي الأكثر فعالية مع الأطفال.
العناصر الأساسية في السلطة الفعالة هي التالية: الثقة بأنفسنا كأولياء أمور، شرعية القواعد التي نضعها والقيود التي نفرضها، والثقة بأننا سنحصل على الطاعة المطلوبة. تترجم السلطة بالأفعال على وجه الخصوص. لا فائدة من أن نضيع في شروحات طويلة سرعان ما ستتحول إلى مفاوضات. حين يتم إصدار أمر معيّن، من المهم فقط أن يتم تنفيذه. وهذا سيكون أسهل في حال كان الأمر مُعبَّراً عنه بطريقة واضحة، وهادئة، حتى مع استخدام مختلف الاستراتيجيات، على سبيل المثال: «هيا سنفعله معاً»، تحويل الطلب إلى لعبة، استخدام طريقة العد 1، 2، 3..
العنف الكلامي، من صراخ وإهانات وتهديدات، أو البدني، ليس سوى تعبير عن سوء إدارة السلطة التي نملكها. والسبب الأساسي هو الخوف من ألا تُسمع كلمتنا، والقناعة بأن الخوف أكثر فعالية من العقل، وتنمية حس المسؤولية. قد يكون الصراخ مسموحاً به، لكن من الأفضل ألا نعطي الطفل المثال السيئ. فسرعان ما سينحو إلى تقليدكم ليحصل على ما يريد. كما أن الاستعانة الحصرية بطرائق تعبير عنيفة ستجعل الطفل في حالة تبعية لشحنة الأدرينالين الناجمة عن هذه الطرائق. ولن يستجيب بعدها للتعليمات إلا عندما يُعبَّر عنها بهذه الطريقة.
اقرأ أيضاً: كيف تربين طفلاً قيادياً؟