تربية الأبناء أمر دقيق وغير سهل على الإطلاق ويعتبر مسؤولية جسيمة ، خاصة أن الأسرة لها دور كبير في صناعة الشخصية القيادية للطفل، فرغم أن هناك أطفالاً لهم شخصية قيادية بالفطرة لكننا كآباء وأمهات باستطاعتنا أيضاً أن نجعل من أبنائنا وبناتنا قادة وقادرين على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، والقدرة على إدارة الضغوط والأزمات والتصرف، فكلها مهارات قيادية تدل على أن الطفل مؤهل لكي يصير قائداً بالفطرة.
ولأن الهدف الأساسي لكل أب وأم هو كيف يصنعان من أولادهما أشخاصاً ناجحين في المستقبل.سألت «كل الأسرة» عدداً من خبراء التربية والطب النفسي واستشاريو العلاقات الأسرية حول الأسلوب المناسب في تربية الشخصية القيادية، وكيف نعزز من شخصية الطفل ليصبح ناجحاً وقادراً على اتخاذ القرارات الصحيحة في الحياة.
لماذا يجب أن يتعلم الطفل القيادية؟
في البداية، يؤكد الدكتور أيمن البارودي، أستاذ علم الاجتماع التربوي بكلية الآداب بجامعة بني سويف، ضرورة تربية الطفل على أن يكون صاحب شخصية قيادية واثقاً في نفسه، فصفة القيادية هذه مهمة جداً لأنها تكسب الطفل صفة الثبات والاتزان وتجعله يبتعد عن أن يكون مجرد شخص تابع، ويقول «القيادة من أهم الصفات والمهارات التي من الضروري أن يتقنها الطفل، وهي من أكثر السمات التي تميز فئة قليلة من الأشخاص ولكنها تعتبر مؤشراً قوياً للثقة بالنفس والمثابرة والقدرة على تحمل المسؤولية وعدم الخضوع لأي فكر مهما كان إلا بعد التفكير بشكل جيد ودراسة كافة النواحي الخاصة به».
ويضيف «وبلا شك فإن الأسرة هي السبب الفعال والمهم في تربية الطفل وزرع تلك الصفة المميزة بداخله، فدور الأسرة لا يقتصر على رغبتها في ذلك وإنما عليها أن تبذل جهدها في دعم الطفل منذ الصغر وضرورة مساعدته في ممارسة القيادة وحثه على التفكير وإنتاج أفكار حتى وإن كانت في اللعب».
التدرب على القيادية حسب السن
يرى د. البارودي أنه من المهم أيضاً تشجيع الأطفال على الاعتماد على أنفسهم كل حسب فئته العمرية، من خلال هذه الطرق:
- تعليم الطفل تحضير الفطور بمفرده
- تشجيعه على الألعاب المستقلة مثل ألعاب التركيبات والرسم والتلوين بدلاً من الجلوس أمام التلفاز
- ضرورة أن تختار الأم لطفلها الألعاب التفاعلية والألعاب التي تنمي الخيال
- عندما يعبر الطفل عن شعوره بالملل فالأفضل ترك الطفل يبتكر الأفكار والألعاب بدلاً من تقديم الأفكار إليه لأن هذا من شأنه تنمية مهاراته التخيلية والإبداعية.
ويحذر أستاذ التربية من استخدام أسلوب القسوة مع الطفل وانتقاده باستمرار وعدم معاملته بحنان واحتواء كاف لأنه يؤثر في شخصيته ويصبح أمراً صعباً فلا يصبح شخصاً متوازناً وقيادياً ناجحاً.
أخطاء تربوية شائعة يجب تجنبها ليصبح الطفل قيادياً
- التسرع بإصلاح الأمور للطفل
يرى الدكتور محمد المهدي، أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر، في أنه عندما يبدي الأطفال الرغبة في صنع شيء ما بأنفسهم، فيجب إعطاؤهم الفرصة حتى لو كانت النتائج غير مرضية فيكفي شرف المحاولة، فهذه المحاولة أكثر أهمية من النتيجة، وهذا ينطبق على أي شيء تقريباً، من إعداد جدول لتنظيف غرفة النوم إلى اختيار طريقة للمذاكرة، وغير ذلك، ويجب إظهار الرضا بالنتائج ومقاومة الأم رغبتها في إصلاح هذه الأمور بنفسها، حتى لا يصاب الأطفال بالإحباط.
- ربط النجاح في المستقبل بالتفوق الدراسي
ويشير الدكتور المهدي إلى حقيقة مهمة يخطئ في فهمها كثير من الأهل حيث يعتقدون أن الطفل ذا الذكاء العالي يجب أن يكون من ذوي الدرجات العالية في الدراسة، ولكن في الحقيقة هذا الأمر غير صائب فصحيح أن هناك علاقة بين الذكاء العقلي والتحصيل الدراسي لكنهما لا يصنعان من الشخص إنساناً ناجحاً وقائداً ولكن الذكاء العاطفي والوجداني يصنع منه القائد وهو أقوى من الذكاء العقلي، ومثال على ذلك عباقرة البشرية مثل اينشتاين ودافنشي واديسون طردوا من المدرسة وقيل عنهم أغبياء ولكنهم كانوا عباقرة في حياتهم وأصبحوا من القادة.
كثير من الأهل يعتقدون أن الطفل ذا الذكاء العالي يجب أن يكون متفوقاً في الدراسة، ولكن في الحقيقة هذا الأمر غير صائب
ويوضح «يجب على الآباء احتواء أطفالهم وتشجيعهم وتنمية قدراتهم العقلية والجسمانية والإبداعية والنفسية من خلال التعامل معهم كشخص بالغ يدرك ويفهم ولديه وعي ومشاعر وأحاسيس واحترام مشاعر ورأي والعمل على تشجيع الطفل ومساهمته في اتخاذ القرارات البسيطة وتحمل المسؤولية ووضعه في مواقف مختلفة لملاحظة طريقة تفكيره وكيفية تصرفه في مختلف المواقف».
ما المهارات التي تجعل الطفل قيادياً؟
ينصح الدكتور محمد المهدي، استشاري الطب النفسي، الأمهات بضرورة التركيز على تنمية مهارات الاتصال، فالقائد الناجح يستطيع التواصل مع الآخرين بمهارة، ويمكن تنمية هذه المهارات من خلال الاهتمام بالقراءة وفن المحادثة والاستماع، إذا كان الأطفال صغاراً ولا يستطيعون القراءة فعلى الأم تنمية مهارات الاستماع من خلال قراءة القصص للأطفال ثم تطلب منهم إعادة القصة عليها مرة أخرى وكذلك مناقشتهم في الكتب بطرح الأسئلة المختلفة.
ويشدد أستاذ الطب النفسي على أن الشخصية القيادية لا تنمو وتنشأ في يوم وليلة لنجد بعدها الطفل قد أصبح يمتلك صفات القيادة والتميز، فهذا الأمر يحتاج تكاتف الأسرة في مساندة الطفل ودعمه وتشجيعه لبناء شخصية الطفل القيادية ومن ثم يمكننا التنبؤ بحال هذا الطفل عندما يصبح شاباً حيث سنرى فيه الشجاعة والإقدام في أمور الحياة والتوصل إلى حلول إيجابية تفيد الطفل ومن حوله سواء في أسرته أو عمله، وسيتحلى أيضاً بروح القيادة في وظيفته ويمكن أن يكون قائداً قادراً على إدارة وتوجيه الآخرين بفضل تربيته منذ طفولته على القيادة.
التحدث مع الطفل عن شخصيات حقيقية بطولية
من جانبها، تشير الدكتورة منى رضا، أستاذة الطب النفسي بجامعة عين شمس، إلى أن تربية الطفل على القيادة تتطلب تدريبه على أن يكون صاحب همة وهدف يرغب في تحقيقه ولا ينسحب بمجرد ظهور عقبة في طريقه، وعلى أسرته أن تريه كيف تكون الهمة، وما معنى الطموح وأهميته، ودوره الفعال في تحقيق الهدف المراد الوصول إليه مهما بدا الطريق صعباً، إذ يجب أن يرى ويلمس الطفل تلك الأمور على صعيد أسرته، فالأطفال أكثر تأثراً بأفعال الكبار من الحديث.
وتشرح قائلة «من أكثر الأمور التي قد يغفل عنها العديد من الآباء هي التحدث مع الطفل عن شخصيات حقيقية بطولية، استطاعت على مدار حياتها أن تقدم الكثير والكثير من البطولات التي تركت الأثر النافع الفعال للبشرية حتى الآن، عليك أن تبني داخل الطفل تصويراً لقادة حقيقيين وليس أبطالاً وهميين كما نرى في الوقت الحالي مثل الشخصيات الكرتونية المبنية بطولاتها على تصميمات الجرافيك وتحريكها كما يشاء المخرج مثل سوبر مان وغيره العديد من تلك الشخصيات الوهمية. كما يجب تربية الطفل على معرفة ومفهوم القيادة في التاريخ الإسلامي الغني بعدد لا محدود من شخصيات قيادية وأبطال حقيقيين نعيش نتيجة أثرهم النافع حتى الآن».