3 يونيو 2024

كيف نعلّم أولادنا مناسك الحج وشعيرة الأضحية؟

محررة في مجلة كل الأسرة

محررة في مجلة كل الأسرة

كيف نعلّم أولادنا مناسك الحج وشعيرة الأضحية؟

يعد تدريب الصغار على فهم الطقوس المرتبطة بالشعائر الدينية ضرورة حتمية، لكونها تساعد على إرساء قواعد الدين الحنيف في نفوسهم. وبما أننا قريبون من أيام عيد الأضحى المبارك، نستعرض في السطور التالية أهمية توعية الصغار بمناسك الحج، وبالأضحية، وثوابها الكبير، ودور المدرسة في ذلك، ونناقش ضوابط ذبح الأضحية أمام الصغار حتى يستوعبون الهدف منها، ولا تترك أثراً غير صحيح في نفوسهم.

فاطمة عمر داخل، معلّمة في مدرسة المتحدة ح 1 العين - أبوظبي، تستعرض دور المدرسة في تعليم الأطفال مناسك الحج، وتشير «لدينا كل عام مهمة نستعد لها قبل قدومها بفترة كافية، إذ نبدأ بتقديم المعلومة المبسطة حول أركان الإسلام، ونركّز على الركن الخامس منها، وما يتعلق به من تفاصيل يجب تعليمها للصغار، ويكون التعليم عن طريق محاكاة ما يقوم به الحجاج، إذ يقوم الطالب بتقمص دور الحاج بعد ارتداء زي الإحرام، ليطوف حول مجسم الكعبة، ثم يقوم برمي الجمرات، وغيرها من التفاصيل التي نجعل الأهل جزءاً منها، إذ نتعاون معهم بعد التنسيق مع الجهات الإدارية، وقسم الأنشطة، كي تخرج تلك المناسبة المحببة لدى الأطفال في أحسن صورة، فجميع الطلبة يشاركون في هذه الاحتفالية الدينية، أما بالنسبة إلى مشهد الذبح فنحاول قدر الإمكان التخفيف في تجسيده والحديث عنه بإبراز الهدف منه».

من جهتها، تبيّن الدكتورة عائشة عبد النور الجناحي، قائدة عالمية في مجال الطفولة ومدرّبة معتمدة في الإمارات، «توعية الصغار بقيمة معتقداتهم الدينية، وما يرتبط بها من طقوس، شيء غاية في الأهمية، وبلا شك للآباء والأمهات دور كبير في ذلك، لكونهم من يعتمد عليهم الأطفال في إرساء المعلومة وتصحيحها، وفلترتها، وبما أننا بصدد تكرار مشاهد الحج أمام الصغار، فيستلزم الحديث معهم عن كل تفصيلة خاصة بهذا النسك، كما نتحدث معهم حول مشاهد ذبح الأضحية، وأهميته، وثوابه، والتي ربما تؤثر سلباً في نفسية بعض الأطفال دون سن 10 أعوام، ممن يعتبرون الحيوانات الأليفة صديقة لهم، ولا يتخيّلون أن يصيبها أي مكروه، ومشاهدتهم لهذا الحيوان يذبح أمامهم من الممكن أن يقلل شعورهم بالأمان، ويتسلل إلى نفوسهم الخوف من فقدان شخص عزيز على قلوبهم، بطريقة قاسية في أي لحظة».

كيف نعلّم أولادنا مناسك الحج وشعيرة الأضحية؟

وبما أن الطفل بطبيعته يحب القصص، فمن الممكن سرد ما يتعلق بعيد الأضحى بطريقة مسليّة، يستوعبها عقله «على الوالدين في البيت، والمعلمين في المدرسة، البدء بتقديم المعلومات المبسطة التي تفسر العلاقة بين سيدنا إبراهيم، وابنه إسماعيل، عليهما السلام، ويفضل أن يكون ذلك من خلال أسلوب السرد، أو التجسيد، أو من خلال مشاهد كرتونية مقسمة إلى مراحل معبّرة يتقبلها ويستوعبها عقل الطفل، بشكل أفضل، ومن المفترض تجنبّه المشاهد التي يمكن أن تؤذيه نفسياً، فحين يتخذ الطفل خروف العيد صديقاً مقرّباً يجري خلفه محاولاً الإمساك به، ويشعر معه بالفرح بتلك المغامرة المسلية، كل ذلك يجعله يرتبط به وجدانياً، ما قد يسبب له صدمة كبيرة ومؤلمة بفقدانه، لذا ينبغي أن تقتصر المعلومة الخاصة بتلك الشعيرة بما يضيف إليه، وتجنّب غيرها في هذه السن، فلا يرى الطفل مشهد ذبح الأضحية قبل أن يصل سن 10 سنوات، عندها يمكنه أن يرى مشهد الذبح، ليعرف الهدف من وراء الفداء والأضحية».

وعن الكيفية التي بها نهيئ الطفل نفسياً لهذا الموقف، ونضمن عدم تأثره به سلباً، تخبرنا د. عائشة الجناحي «التهيئة تكون بسرد تفاصيل الحج، فمن الممكن في صبيحة يوم العيد شرح الهدف الأساسي من الأضحية، وقصة مشروعيتها، وأنها تقرّب إلى الله سبحانه وتعالى، وفداء للإنسان، فقد تكون الصدمة كبيرة عندما يتم ذبح الأضحية أمام عيني الطفل، فضلاً عن رؤية منظر الدم، وطريقة الذبح، والأشد في الأمر عندما لا يكون الطفل في سنّ يمكنه فيها استيعاب كل تلك المعلومات والموقف بحد ذاته».

كيف نعلّم أولادنا مناسك الحج وشعيرة الأضحية؟

أما الدكتور حسين مبارك، حاصل على البورد النمساوي في الطب النفسي والأعصاب، فلا يرى مبرراً لرؤية الطفل مشاهد الذبح، ويكفي التعريف بها من دون حتى تجسيد مشهدها «تترسخ التجربة الفعلية في عقل الطفل بسرعة، ويظل يتذكر تفاصيلها لمجرد محاكاته لظروفها، وتعليم الصغار مناسك الحج شيء جميل، يجعلهم يرتبطون بدينهم ويفهمون المقصود من كل نسك يؤديه الحاج، أما في ما يتعلق بمشاهد الأضحية فلا يفضل اصطحاب الأطفال في الأماكن المخصصة لذلك، بل يجب تجنب نشوء علاقة تقارب مع الأضحية، لأن عملية الذبح، أو حتى اختفاء الأضحية من أمامه يمكن أن يؤدي إلى صدمة نفسية للطفل، حتى إذا لم يحضر الذبح، لأن ذلك يمكن أن يرسخ لدى الطفل الممارسات العدوانية عند الأبوين، وأنهما قادران على تدمير العلاقات مع أفراد العائلة بسهولة، بل واستعمال العنف والدماء في إنهاء هذه العلاقة، فضلاً عن امتناع البعض منهم عن أكل لحوم الأضحية، ربما لسنوات مقبلة، ولنترك له استيعاب تلك الممارسات الاجتماعية والتدريب عليها في فترة المراهقة، التي يسهل فيها فهم كثير من الأمور بسهولة».

ويرى الدكتور محمد عيادة الكبيسي، كبير مفتين في دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري، بدبي، أن «من واجب الأسرة أن ترعى أطفالها، وترشدهم إلى ما فيه صلاحهم في دينهم ودنياهم، ومن أهم هذه الأمور أن تعلّمهم أحكام دينهم، وتساعدهم على فهم شعائر الإسلام ومقاصدها، وكيفية تطبيقها مثل الحج، وشعيرة الأضحية، وتاريخها، وحكمها الشرعي، والحكمة منها، والحقيقة أنه لا يوجد تحديد فاصل لسن الطفل التي تسمح له بمشاهدة عملية الذبح، فطبيعة الأطفال ونفسياتهم تختلف كثيراً، كما أن الذي نشأ في مزرعة، أو في مكان تربية حيوانات، أو دواجن، يختلف عن نظيره الذي نشأ في مدينة، وكذا يختلف الطفل الذي شاهد برامج حياة الحيوان والصيد واعتاد عليها، عن الذي لم يشاهد عملية ذبح حيوانات، أو مرضها وموتها».

قرار مشاهدة الطفل لعملية ذبح الأضحية يعتمد على طبيعة الولد ونفسيته

ثمة إشارة تتعلق بسنّ السعي الذي ذكره القرآن الكريم، ويتعلق برؤية مشهد الذبح والدماء، يوضحها د. الكبيسي «هناك من يستأنس بأن السّن المناسبة لذلك هي سنّ السعي التي أشار إليها القرآن الكريم في قصة الذبيح عليه السلام، وهناك خلاف في تحديد هذه السّن، هل هي سنّ المقدرة على المشي، أو سنّ المقدرة على الكسب، والأقرب أن تكون السنّ بين السابعة والثالثة عشرة، أو البلوغ، وعموماً، لا مانع من الاستئناس بهذا المعنى، إلا أنه ليس دليلاً قطعياً، ولا حداً فاصلاً، ولا ينبغي تعميمه، وفي جميع الأحوال، وننبه إلى أمر مهم، وهو احتمال تعلق الطفل بهذا الحيوان، والأفضل ألا يسمح للطفل في مثل هذه الحال بأن يشاهد عملية الذبح، بل يكون في مكان آخر، حتى لا تحصل عنده ردة فعل سلبية، أو صدمة نفسية، أو عاطفية».

كيف نعلّم أولادنا مناسك الحج وشعيرة الأضحية؟

وبناء على كل ما سبق «إن قرار مشاهدة الطفل لعملية الذبح يعتمد على طبيعة الولد، ونفسيته، وتجاربه المحدودة، وعلى مقدرة الأب على مجاراته والإجابة عن استفساراته، فإذا كان كذلك فلا مانع من السماح للطفل بمشاهدة عملية الذبح، مع بيان الحكم الشرعي، والحكمة من خلق الله لهذه الأنعام، ويوضح له حرمة قتل الحيوان، أو إزهاق روحه، إلا لغرض جائز شرعاً، فالله تعالى هو الذي خلقها، وهو الذي أباح لنا ذبحها، والانتفاع بها، ولهذا فإننا نذكر اسم الله تعالى عليها، عند ذبحها وعند الأكل منها، وكذلك على الأب أن يبين لأولاده أن هذه الأنعام تفرح بأن جعلها الله تعالى قربة، وإحدى شعائر الدين، يتقرب بها الصالحون إلى الله تعالى، وفيها خير ومنافع كثيرة للناس، وطعام ومساعدة للفقراء، أما إذا لم يكن الولد واعياً، أو كان ضعيف الشخصية، أو حساساً لرؤية الدم، أو ممن تغلب عليه العاطفة، فلا ينبغي السماح للطفل بمشاهدة عملية الذبح، ويكتفي الأب بأن يشرح له الحكم الشرعي، والحكم والفوائد المرتبطة بالأضحية، من دون أن يسمح له بمشاهدة عملية الذبح».

 

مقالات ذات صلة