باقات زهور عند الموقع الذي سقط فيه شمس الدين
خرج ابن الخامسة عشرة من مدرسته الثانوية ولم يعُد إلى البيت. لم تنتظره عائلته الجزائرية المهاجرة لكي يفطروا ويحتفلوا سوية بليلة القدر. كان هناك شباب ينتظرونه خارج المدرسة الواقعة في بلدة «فيري شاتيون»، القريبة من باريس، وأوسعوه ضرباً حتى الموت.
أثارت الحادثة ضجّة في فرنسا. شمس الدين هو خامس مراهق يعتدي عليه مراهقون في الشارع، عند الخروج من المدرسة. قبل ذلك ببضعة أيام، تعرّضت الطفلة سمارة، 14 عاماً، للضرب الذي أدخلها في الغيبوبة، لأن رفيقة لها غضبت عليها بسبب عدم ارتدائها الحجاب. واستقال مدير المدرسة، خوفاً، بعد أن تلقّى تهديداً بالقتل.
أما شمس الدين فقد كانت «تهمته» تبادل رسائل هاتفية مع شقيقة اثنين من الذين ضربوه حتى لفظ أنفاسه. هل يعقل أن يموت شبّان في عمر الورد بسبب خلافات تافهة في بلد يتصدر الدول المتحضرة؟ تم القبض على ثلاثة من المعتدين، وأحيلوا إلى التحقيق بتهمة «الشروع في محاولة القتل العمد».
ودرب المحاكم في فرنسا أطول من برج إيفل. كما توعّد الرئيس الفرنسي ماكرون بمحاسبة المتّهمين، وذهبت وزيرة التربية لتتفقد المدرسة. قالت ما معناه إنها لن تتردد في إدانة من يريدون تحويل مؤسسات التربية والتعليم إلى ساحات للعنف، والجريمة.
ظهرت حسيبة، والدة سمارة، على شاشة التلفزيون، وقالت إن ابنتها عانت التنمّر طوال سنوات. كلما حدثت مشاجرة في المدرسة صاحوا أن سمارة هي السّبب. والسبب الحقيقي هو أنها كانت صبية تحب أن تعيش عصرها.
تلتزم بالصلاة والصيام لكنها لا تغطي شعرها، لأن الحجاب ممنوع في مدارس فرنسا، ومؤسساتها الرسمية منذ 2004. هل تستحق البنت الموت لأنها صبغت شعرها بالأحمر؟
منذ أيام واسم شمس الدين على كل الشفاه. لماذا يكون اسم الضحية، غالباً، سمارة، أو شمس الدين، أو كريم، أو ياسين؟ هل هي مشكلة صراع ثقافي وتباين في المسلك الاجتماعي؟ لعل أهم ما قالته والدة سمارة هو إنها ترفض أن يستغل أنصار اليمين المتطرف حادثة ابنتها لكي يطالبوا بمنع الهجرة، وطرد المهاجرين.
رفضت تسمية الاعتداء جريمة عنصرية، واعتبرته غيرة بين زميلات دراسة. هذا لا يمنع أن هناك مشكلة كبرى في فرنسا اسمها العنصرية.
تحتل هذه الحوادث عناوين الأخبار لأن المتهمين فيها من المراهقين القاصرين. يتساءلون عن فداحة انتشار العنف بين الشبيبة، ولا يضعون اليد على أصل السبب. وهو سبب تتشارك فيه مجتمعات الغرب مع مجتمعات الشرق.
انظروا إلى الأفلام ومسلسلات التلفزيون وألعاب الفيديو. تابعوا السجالات الانفعالية بين الخصوم السياسيين. إن كل ما تقدمه الشاشات عنف في عنف. سكاكين، ودماء، وعصابات، ومخدّرات، وجرائم، وصفعات، ولكمات تهبط على وجوه النساء قبل الرجال. لنضع كل هذا في كفة، والمقتلة في غزة في كفة.
لا تنفع حفلات الطرب، والرقص، والمهرجانات، في لجم الواقع المؤلم. هناك اختلال في الميزان، والكل يحتاج إلى إعادة تربية. نعود، ونكرّر ما قاله الشاعر العربي: «الأم مدرسة...» فما أعظم المهمّة الملقاة على أكتاف الأمهات.
سيكون حزيناً عيدها... أم الفتى شمس الدين.
اقرأ أيضاً: كيف تكتشف علامات التنمر في المدرسة على طفلك؟