19 مايو 2022

أمهات «أصحاب الهمم» المناضلات.. حكايات مؤثرة وتجارب مـؤلمة

محررة في مجلة كل الأسرة

أمهات «أصحاب الهمم» المناضلات.. حكايات مؤثرة وتجارب مـؤلمة
الأم فداء ذياب مع ابنتها روضة في أحد الأنشطة

تحاول كل أم أن ترتقي بقدرات أبنائها وتعزز مهاراتهم، بيد أن بعض الأمهات يصطدمن بإعاقة الأبناء، ما يضعهن في إرباك بين أمومتهنّ وحلمهنّ بواقع أفضل. فهنّ مناضلات من الدرجة الأولى ومثابرات لا يستسلمن لنظرة المجتمع ويسعين إلى تطوير وضع أبنائهن، مهما كانت التحديات.

بعض الحكايات من الواقع وتجارب خاضتها الأمهات بـ«لحم ودم» للارتقاء بمستوى أبنائهن، ما يشكّل رسالة إلى آباء يتركون أطفالهم من ذوي الإعاقة في المستشفيات أو يتخلون عن زوجاتهم لهذا السبب.

قصة (روضة)، 15 عاماً، مصابة بمتلازمة الأنجلمان

الأم فداء مع ابنتها روضة
الأم فداء مع ابنتها روضة

فداء ذياب، هي رئيسة فريق دعم أهالي أصحاب الهمم في مكتبة" اقرأ واستمتع" وناشطة على مستوى الإمارات والعالم في دعم حقوق أصحاب الهمم وحاصلة على الدكتوراه الفخرية من الأكاديمية الكندية في دعم أصحاب الهمم.

فداء ذياب هي أم لطفلة (روضة)، 15 عاماً، مصابة بمتلازمة الأنجلمان ومن أسبابها الجين المحذوف (أشد أنواع الإعاقات)، ما يؤدي إلى التأخر العقلي من المتوسط إلى الشديد وعدم الكلام نهائياً إلى كونها مصابة بمرض الصرع.

روضة دفعتني إلى الدراسة ومساعدة الناس عبر الانخراط في دورات لتطوير نفسي وكسر الحاجز والحديث عن تجربتي وبكل فخر

تروي فداء ذياب «كانت روضة ثالث أبنائي.عندما كنت أرضعها، كانت تتقيأ الحليب وكان وزنها لا يتجاوز الـ3 كيلوجرامات في عمر الأربعة أشهر، ما دفعني للذهاب بها إلى المستشفى وأجري لها تحليل دم أرسل إلى فرنسا وشخصت إصابتها بالأنجلمان».

قضت فداء ذياب ليلة كاملة تبكي عند علمها بالخبر «لم يستغرق الأمر مني كثيراً. كانت ليلة واحدة لأتخذ قراري بالاطلاع والمعرفة ودرست نحو 160 ساعة في الإعاقة وانتسبت لدورات في الإسعافات الأولية لأعرف التعامل مع ابنتي عند إصابتها بنوبات الصرع وانتسبت إلى جمعية الأنجلمان الفرنسية وعززت تواصلي مع أولياء أمور عرب وأجانب يعانون الحالة نفسها وبدل أن أكون حزينة، بت أدعم الأم».

روضة تمارس السباحة
روضة تمارس السباحة

الكثير من التحديات واجهتها وأبرزها «عدم وجود أطباء متخصصين في هذا المجال وصعوبة التعامل مع طفل لا يحرّك ساكناً أمامك».

لم تستسلم وواجهت الصعوبات بتحد «بعد عشر سنوات من المعاناة والعلاج الوظيفي والطبيعي، بدأت روضة تتطور حيث مشت بعد نحو 4 سنوات وباتت تفهم الكلام الذي نردده وأشركها في مسابقات رياضية وفي الكثير من الأنشطة».

اللافت في مسيرة تلك الأم أن تجربتها أطلّت بها على آفاق من التعلم والتدريب «روضة دفعتني إلى الدراسة ومساعدة الناس عبر الانخراط في دورات لتطوير نفسي وكسر الحاجز والحديث عن تجربتي وبكل فخر. أشكرها لأنها علمتني الصبر والإيجابية وفخورة من قلبي أنها ابنتي»، داعية كل الأمهات إلى تقبل أبنائهن والآباء إلى عدم التخلي عن فلذة أكبادهم وزوجاتهم وتقديم الدعم النفسي والجسدي للطرفين.

قصة شام عبدالسلام دغينو

شام دغينويدي
شام دغينويدي

لا عائق يقف أمام شام عبدالسلام دغينو، التي ولدت بعيب خلقي بثلاثة أصابع في اليد اليمنى تستخدمها بكل فخر. هي قصة فتاة ملهمة لا يتجاوز عمرها الثماني سنوات، سورية من أم مصرية أولت طفلتها كل أوجه الرعاية لترتقي بأحلامها نحو آفاق غير معهودة حيث تستثمر مواهبها في الإلقاء والخطابة والتمثيل والكتابة والعزف وغيرها من الهوايات.
تدرك شام ما يدور حولها وينمّ حديثها عن وعي عميق بنظرة الآخر ولكن كل هذا لا يعيقها عن استكمال حياتها بقوة لتحقيق حلمها أن «أكون طبيبة أطفال لأني أحب الأطفال وأحب مساعدة الناس».

قصدت مع والدتي أحد الأطباء وأكد لي إمكانية تجميل يدي بحيث يجعل شكلها طبيعياً ولكن تفقد أصابعي الباقية وظيفتها، رفضت الأمر

تمارس شام الكثير من الرياضات وأهمها «السباحة والجمباز والجوجيستو» وترى نفسها فتاة جميلة ورقيقة «جمالي لا ينبع من الشكل، بل أستقيه من أخلاقي».

تقول بقوة «أحب يدي وأعتبرها مميزة ولا أستغني عنها كونها تساعدني على الرسم والتلوين. قصدت مع والدتي أحد الأطباء وأكد لي إمكانية تجميلها بحيث يجعل شكلها طبيعياً ولكن تفقد أصابعي الباقية وظيفتها. رفضت الأمر لأني لا أعتمد على الجمال بل على الموهبة وأتقبل أن الله سيعطيني خيراً لأني طيبة ولأن قلبي «أبيض» وأؤدي واجباتي الدينية، وفي يوم الحساب سأكون بشكل أفضل».

ساعدتها والدتها كما والدها، رحمه الله، على تقبل الأمر «عندما يسألني أحدهم عن يدي أو يشعر بنظرات خوف،لا أنفر بل أعمد إلى وضع يدي في يده وأطمئنه وأعلمه أن هذا عطاء من ربنا وحتى أصدقائي في المدرسة أجيبهم: هذه حكمة وربي رسمني بهذا الشكل وهناك مقولة «لو كان خيراً لبقى». فلو كان هذان الإصبعان موجودين، لما عوضني ربي بالكثير».

والدة شام دغينو مروة عبد المنعم
والدة شام دغينو مروة عبد المنعم

تروي والدة شام مروة عبد المنعم «شام أول فرحتي. لم أتقبل الأمر بسهولة، وبالدعم النفسي من الزوج والأهل تجاوزت الأمر واشتغلت على نفسي كثيراً انطلاقاً من سؤال وجهته لنفسي: إذا كنت كأم وصلت إلى هذه الحالة من عدم التقبل والرضا، فكيف لابنتي أن تتكيف مع مشكلتها وتتقبلها وخاصة أن أطفالنا يتماهون مع مشاعرنا الداخلية؟».

وصلت إلى مرحلة قناعة وسلام نفسي عندما كانت شام في شهورها الأولى «بعد أن كنت أرفض أن أنظر ليدها، صرت أمسكها بكل أريحية وأقبلها وأرصد حالات أكثر صعوبة من شام إلى جانب التقرب من ربنا مع إيمان ويقين بما أنعم به علينا وأحببتها كما هي لأبدأ بالتفكير بآليات دعمها عملياً وفي أولى سنواتها، لم أحاول بتاتاً أن أوجهها لاستخدام يدها اليسرى المكتملة وتعززت قوة يدها اليمنى مع الدعم والتدريب والمتابعة وتبعتها مرحلة دعم عضلات اليد في عمر أكبر».

أعقبت تلك السنوات مرحلة الاختلاط مع الآخرين «كأسرة، كنا نردد أن يدها أجمل يد في الدنيا والثناء عليها بشكل غير مبالغ فيه وكنت أتعمد دمجها ضمن تجمعات وإشراكها في نشاطات رياضية مختلفة وبدأت ترى إعاقات أصعب وتميزت وحققت إنجازات، ما ولّد مخزوناً معرفياً لديها».

في الكثير من المواقف، كانوا يسألونها عن يدها «كنت أترك لها حرية الرد والمواجهة وأتدخل لاحقاً لعدم أذيتهاً نفسياً وفي مرحلة أكبر في المدرسة توجهت للمختصين وبينهم شهيرة سامي مديرة مركز «أنا وطفلي» التي كان لها دور فعال في تعزيز ثقتها بنفسها ومواجهة المواقف حيث ترى نفسها متميزة أكثر من غيرها وتقوي نقاط ضعفها عبر وسائل مختصة».

لم تهدأ الأم «أشركها في أي مجال أراه متميزاً وأذلل العقبات أمام أي نشاط تجده مستحيلاً، وكانت ترى عائقاً في العزف فاشتريت لها غيتاراً، وقفزنا فوق المستحيل وتدربنا عبر النت كما خاضت مجال الرسم والتلوين والتمثيل وأثبتت مهاراتها في تقمص الشخصيات كما أشركتها في دورة علاج بالسيكودراما لعلاج أي آثار نفسية عبر التمثيل ودورات في الحساب الذهني وتميزت في كل المجالات. كنت أريد أن أؤكد لها أن إعاقتها تميزها، ومقابل النقصان في الأصابع ربنا رزقها بأشياء أفضل».

قصة نضال الأم فاطمة محمد عيسى مع ابنتها لمياء

الطفلة لمياء
الطفلة لمياء

تعيش الأم فاطمة محمد عيسى بلوشي معركتها الخاصة لمساعدة ابنتها لمياء التي تعاني متلازمة إيكاردي، وهي متلازمة جينية تسبب تشوها وضموراً جزئياً أو كلياً في جزء من دماغ الإنسان حيث تمّ تشخيص حالتها في لندن في شهرها الخامس.

تروي الأم «بدأت رحلتي مع ابنتي منذ تلك اللحظة. أرسلتها إلى مركز للتدخل المبكر منذ عمر 9 أشهر إلى أربع سنوات وبعدها اصطحبتها إلى مركز راشد لنحو سنتين ومذاك الحين لليوم، منذ عمر 6 سنوات، وهي متواجدة في مركز «المشاعر الإنسانية» في دبي وتبلغ اليوم 16 عاماً من العمر».

عادة ما تترافق تلك المتلازمة مع نوبات متكررة وتشنج الأطراف، وفي هذا الصدد كانت الأم تبحث عن أفضل الخدمات لابنتها وتلمس التقدم الذي طرأ على حالة ابنتها «هي لا تستطيع المشي كونها تعاني ضموراً في العضلات ولكن تحرّك يدها اليمنى، وحتى أن الأطباء أشاروا لي أنها لن تستطيع تحريك اليسرى ولكن بعد جهد ومتابعة حثيثة بدأت تحركها ولو قليلاً».

تعبت بلوشي وجاهدت لعلاج التشنجات التي كانت تصيب ابنتها وتمنعها في الكثير من الأحيان من تطوير قدراتها «بدأت بالنطق ومناداة أسماء أخوتها ولكن التشنجات كانت تنسيها كل ما تعلمته».

أمهات «أصحاب الهمم» المناضلات.. حكايات مؤثرة وتجارب مـؤلمة
لمياء

تعيش لمياء حياة طبيعية «تستيقظ من النوم على راحتها، وخلال أيام الدراسة تستيقظ مبكراً صباحاً وتعود لنتناول الغداء سوياً وتلعب مع بنات شقيقتها وترافقنا في أي مكان نتواجد فيه».

رغم كل ما تقوم به من مجهود، تشعر تلك الأم أنها مقصرة، تقول وتكاد تدمع «هذا النوع من الحالات يتطلّب رعاية خاصة. كنت آمل أن أفرش لها الأرض ألعاباً ووروداً لأراها تسير على قدميها. ما يحزّ في نفسي هو عدم قدرتها على التعبير عما تريده وعما تشعر به. أتمنى أن تنطق لأعرف ما الذي يؤلمها. ربي أعطاني نعمة ومنحني الكثير من القوة والصبر».

اقرأ أيضًا: قصص بطولات أمهات كافحن لأجل أطفالهن المتوحدين