مجلة كل الأسرة
01 أبريل 2021

قصص بطولات أمهات كافحن لأجل أطفالهن المتوحدين

محررة في مجلة كل الأسرة

قصص بطولات أمهات كافحن لأجل أطفالهن المتوحدين

لا يمكن إلا أن نقف في اليوم العالمي للتوعية بالتوحد، الذي يصادف في الثاني من إبريل سنوياً، إجلالاً لأمهات وآباء يناضلون للارتقاء بأوضاع أطفالهم المتوحدين.

فالتوحد، وفق التعريف العلمي، هو اضطراب نمو عصبي يتصف بضعف التفاعل الاجتماعي والتواصل اللفظي وغير اللفظي وبأنماط سلوكية مقيدة ومكرّرة وتظهر أعراضه في أول عامين من عمر الطفل.

في هذا التحقيق، نواكب قصص كفاح لأمهات عشن بعضهن حالة الإنكار لواقع إصابة أطفالهنّ بالتوحد وسرعان ما أمسكن بزمام الأمور وبدأن معهم رحلة طويلة من العلاج والتأهيل وتعزيز التفاعل سواء معهم أو مع محيطهم.

حمدة بو شواب مع ابنتها حصة علي
حمدة بو شواب مع ابنتها حصة علي

حلمي أن تدمج ابنتي مجتمعياً وتتعزز سلوكياتها الإيجابية ومهاراتها

اكتشفت حمدة عتيق بو شواب، والدة حصة علي (3 سنوات)، إصابة طفلتها بالتوحد في عمر العام ونصف العام، تروي «كانت طفلتي تقصد الحضانة ولوحظ عدم قدرتها على السمع وكنت أشك بذلك مسبقاً. أخضعتها لفحص سمع في مستشفى دبي وكانت النتيجة سليمة وتمّ تحويلنا إلى دكتور التخاطب في دبي ليشخّص إصابتها ببعض سمات التوحد».

لم تكن الأم حمدة تتوقع الأمر ولكنها أسلمت أمرها لله وباشرت في التدخل المبكر حيث أدخلتها جلسات العلاج الوظيفي مع متابعة حالتها من قبل طبيب نفسي.

كان الأمر تحدياً «لم أكن أرغب بالتوقف عن فعل أي شيء لتطوير مهاراتها حيث كنت أصطحبها من الحضانة لحضور الجلسات وأبقى معها ثم أعيدها إلى الحضانة وأعود لدوامي».

ترتبت عليها الكثير من المسؤوليات «كورونا أثرّت سلباً في طفلتي إثر توقف الجلسات، مع ظروف حملي والدوام عن بعد، لأعمد إلى تسجيلها في مركز خاص وكانت تحتاج إلى نحو 40 إلى 60 ساعة شهرياً، ما يرتب علينا تكاليف كثيرة، ما اضطرنا إلى تقليص الساعات».

حمدة بو شواب تشارك طفلتها حصة بعض الأنشطة
حمدة بو شواب تشارك طفلتها حصة بعض الأنشطة

توزّع الأم حمدة مسؤولياتها بين العمل والبيت وتوفر لحصة الرعاية المتكاملة وتدعم هواياتها «حلمي أن تدمج مجتمعياً وتتعزز سلوكياتها الإيجابية ومهاراتها، فهي تهوى السباحة وتقصد النادي لممارسة هوايتها كما تمتلك مهارة إعادة تركيب أي لعبة».
تأمل أن تكون ابنتها بخير «أسعى إلى توفير العلاجات المناسبة التي تحسّن حالتها وآمل أن تردّد كلمة ماما وبابا لأشعر بثمار تعبي».

ملك تقوم ببعض الأشغال اليدوية
ملك تقوم ببعض الأشغال اليدوية

عند ما شُخصت ابنتي بالتوحد، شعرت أني فقدتها إذ لم أكن أعرف أي معلومة عن المرض وكيفية التعامل معه وعمدت عائلتي إلى تهدئتي

تمتّد رحلة مها السيد محمد، أم ملك، على مدى 10 أعوام وخمسة أشهر تحديداً عندما أنجبت توأماً لتكتشف أن إحداهما مصابة بالتوحد.هي رحلة معاناة وتحد وبحث عن واقع أفضل لابنتها تروي فصولها «في طفولتها، كانت ملك تعاني مغصاً شديداً ليلاً وتمتنع عن تناول الحليب وكنت أصطحبها للطبيب ليؤكد أنها لا تعاني أي مشكلة».

تعترف أم ملك أنها تركت طفلتيها طويلاً أمام شاشة التلفاز «ولدت التوأم يوم وفاة والدي ما أثر فيّ نفسياً وبالأخص أن زوجي كان مسافراً. فكنت أضطر لتركهما أمام التلفاز لتوفير احتياجات المنزل والقيام بمتطلبات عائلتي». بعد جملة مراجعات، أخضعتها إلى عملية تصحيح لسمعها وتواصلت مع أخصائي تخاطب أكدّ إصابتها بالتوحد «عند تشخيصها بالتوحد، شعرت أني فقدت ابنتي إذ لم أكن أعرف أي معلومة عن المرض وكيفية التعامل معه وعمدت عائلتي إلى تهدئتي وعمدت بدوري إلى قراءة القرآن وتسليم أمري لله سبحانه وتعالى».

كانت تجربة شابها عدم المعرفة «اكتشف زوجي أن دور أخصائي التخاطب الذي كان يداوم مع ابنتنا لمدّة عامين يندرج في سياق «النصب» وإهدار المال ليس إلا وهي المحطة التي شكلّت النقلة النوعية لي كأم لمضاعفة الجهد مع ملك».

بدأت أم ملك بتعليم طفلتها والاهتمام بتفاصيلها الصغيرة «علمتها عادات وأصول النظافة ولمس الأشياء وتعلم وتعديل بعض السلوكيات حيث بدأت تتحسن وتصبح أكثر هدوءاً وأخضعتها لجلسات تكامل سمعي، حجامة ونيروفيدباك بمعنى استرجاع عصبي لتحفيز المؤثرات العصبية في الدماغ لزيادة التركيز».

تعمد ملك إلى مساعدة والدتها بالمطبخ وتقلدها في كل شيء وتعد بعض الأطباق وتعشق الرسم وتميل إلى الأشياء الحسية كالصلصال والمعجون، وهي تداوم اليوم في مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية.

تحلم الأم بالسفر للخارج لعلاج طفلتها «أشعر بالفشل في بعض مناحي تطورها وأحلم بالسفر بها إلى ألمانيا لإخضاعها لكل العلاجات التي تتطلبها حالتها.أعرف أنها رحلة كفاح وابتلاء ولكن لا بد للتعب أن يزول».

الطفل جيمس في ورشة تدريب
الطفل جيمس في ورشة تدريب

كيف يمكن أن أساعد ابني ولا أمتلك الموارد المالية اللازمة؟ لا أريد أن أكون غنية ولكن أتمنى أن أمتلك المال الكافي لأستكمل علاج ابني

عاشت جيني نجم قسيس أياماً عصيبة بعد تشخيص مبدئي لابنها جيمس (3 سنوات ونصف) بالتوحد «بدأت الحكاية عندما بلغ العام والنصف حيث لاحظت عليه سلوكيات غير طبيعية. في البداية، اعتقدت أن ثمة تأخراً في التطور واصطحبته إلى الطبيب الذي أشار لي بأن التشخيص بالتوحد يكون بين عمر السنتين إلى ثلاث سنوات».

نسفت جائحة «كوفيد 19» أحلامها في متابعة حالة ابنها «تكلفة علاجات التوحد جداً غالية وشركات التأمين هنا لا تتكفل بأي أعباء حيث أجد نفسي مضطرة للعودة إلى أمريكا لإخضاعه لكل الفحوص الضرورية والتواصل مع أخصائيين».

فظلال «كورونا» وما استتبعه من حجر دفعاها إلى تسجيله في مركز مختص، حيث تلفت جيني إلى أنها عاجزة عن تلبية تكاليفه في ظل الوضع الاقتصادي القائم وبعد أن تركت عملها للتفرغ له. 

الطفل جيمس
الطفل جيمس

تقول «جيمس غيّر حياتنا كعائلة حيث واجهتنا صعوبات في التعامل معه وعدم الإصغاء من قبله، وهو أمر جداً قاس عليّ كأم». تستغرق كل وقتها معه وتصطحبه إلى جلسات العلاج وتتحاور معه وتطلعه على بعض الأنشطة «تلمست تحسناً في العلاج، إلا أنني منهكة نفسياً وأثر ذلك في صحتي حيث أشعر بعوارض مرضية جرّاء الضغط الشديد والتفكير المستمر بمستقبله».

تطرح جيسي سؤالها الأمومي الأشمل «كيف يمكن أن أساعد ابني ولا أمتلك الموارد المالية اللازمة؟ وهذا يؤثر فيّ سلباً. لا أريد أن أكون غنية ولكن أتمنى أن أمتلك المال الكافي لأستكمل علاج ابني وأقوم بواجبي تجاهه ليستطيع مشاركتي الحوار ويتصرف بطبيعية كما باقي الأطفال».

الدكتورة منى يسري تتابع حالة جيمس
الدكتورة منى يسري تتابع حالة جيمس

بعض الأمهات عمدن إلى دراسة تدريب التحليل السلوكي ليكنّ قادرات على إعطاء جلسات لأطفالهن حيث حوّلن حياتهن لخدمة وتدريس أبنائهن

ترصد الدكتورة منى يسري، المديرة الإكلينيكية لمركز «حياتي» الصحي وأخصائية نفسية، أهمية الدعم النفسي لولي الأمر الذي لديه طفل توحدي، بالموازاة مع عدم وضع الطفل في خانة «أنه لا يفهم ولا يسمع»، ما يقوده للاكتئاب والمعاناة نفسياً، مع صعوبة التعبير عن شعوره. توضح «عند تشخيص الطفل بالتوحد، يدخل بعض أولياء الأمور في حالة إنكار ويتأخرون في إخضاعه للجلسات العلاجية حيث التدخل المبكر هو المحور الأساس، في حين يعيش آخرون حالة اكتئاب ومرحلة لوم الذات، علماً أن التوحد هو اضطراب نمو عصبي لا علاقة للأهل به ولم تتكشّف لليوم أسباب هذا الاضطراب».

 تعايش د. يسري نماذج لأمهات تخطين حالة الإنكار وشرعن بالعمل مع أبنائهن,فيما تعثرت أخريات ولم يستطعن المضي قدماً «هي قصص بطولة جميلة لأمهات يمتلكن الإرادة للارتقاء بوضع أطفالهن وحتى نجدهن في أروقة المركز ينتظرن وقتاً طويلاً لإنهاء أطفالهن للجلسات، كما أن بعض أولياء الأمور يحاولون إنجاز أعمالهم وهم ينتظرون».

هي قصص كفاح لا تقف عند حد «بعض الأمهات عمدن إلى دراسة تدريب التحليل السلوكي ليكنّ قادرات على إعطاء جلسات لأطفالهن حيث حوّلن حياتهن لخدمة وتدريس أبنائهن، وهي قصص تتكرّر كثيراً».

أدوات وألعاب لتنمية مهارات الأطفال في مركز حياتي
أدوات وألعاب لتنمية مهارات الأطفال في مركز حياتي

خطوات التعامل مع طفل التوحد

تلفت أميرة عبدالله، مستشار نفسي وسلوكي واختصاصي علم النفس التربوي واختصاصي تعديل سلوك ومهارات وصعوبات تعلم للأطفال، إلى أن التوحد يظهر من عمر يوم حتى الثلاث سنوات وبالتالي «المراحل الأولى من عمر الطفل جداً مهمة و يجب أن تحرص الأم على عدم إبقائه وحيداً أو تركه مع الخدم لفترة طويلة وملاحظة سلوكياته البصرية، الوظيفية، الإدراكية والتعليمية».

 توصي عبدالله بجملة خطوات تبدأها الأم من منطلق أنها «أم قوية وشجاعة وتستطع إيصال ابنها إلى مرحلة متقدمة من التفوق»:

  • تقبلي طفلك كما هو ومساعدته، كون التوحد هو اضطراب يصيب الطفل في مراحل العمر الأولى وتقل أعراضه في حال التعامل معه بالطرق الصحيحة.
  • وجود لغة حوار وإظهار مشاعر الحب والاهتمام والثقة بالنفس لطفلك والصبر عند متابعته في النواحي التأهيلية.  
  • تزويده بأدوات تنمية المهارات (بازل خشبي مثلاً)، ما يساعد على الإدراك والتواصل.
  • إشراكه في ناد رياضي ومشاركته بعض الأنشطة حيث تكون الأم شريكة له وملمّة بكيفية التفاعل واللعب معه.
  • أهمية مشاركة الأهل لمركز الرعاية والتأهيل في تنفيذ البرامج المناسبة لحالة طفلهم.
  • الاستعانة ببطاقات تعريفية للتخاطب تتضمن صور الفواكه والخضار، أسماء الحيوانات والألوان وغيرها، ما يشكّل حصيلة لغوية للطفل.
  • حاولي الإثبات للمجتمع أن الطفل التوحدي ليس وصمة عار.
  • إشعار الطفل التوحدي بأهميته ومساعدته على تحقيق أهدافه والتطور بشكل أفضل بصبر وحكمة.

* تصوير: السيد رمضان

اقرأ أيضًآ: هل طفلي مصاب بالتوحد؟ وما العلامات والأعراض المبكرة؟