10 نوفمبر 2020

د. هدى محيو تكتب: نظرتان مختلفتان

أستاذة وباحثة جامعية

د. هدى محيو تكتب: نظرتان مختلفتان

في أوقات الضغط والتوتر، قد نلجأ إلى الحبوب المهدئة لكن الكثيرين يفرون منها، على حق، ويلوذون بعلاجات بديلة كالرياضة والتأمل والاسترخاء واليوغا. وفي ما خص هذا الأخير كثرت نوادي اليوغا وكثر مرتادوها أو من يمارس هذا الفن وهم يسعون عموماً وراء الهدوء والصمت والاسترخاء، ولكن بعد بضعة أسابيع أو أشهر، يدرك كثير منهم أنهم لم يبلغوا السكينة التي ينشدونها، وحققوا فقط ذاك الهدوء الداخلي الذي يدوم عشر دقائق على الأكثر بعد الجلسة. وعلى الرغم من كل جهودهم لا يتمكنون من تحقيق المزيد لتتدهور أحياناً حالتهم الذهنية إلى ما هو أسوأ من ذي قبل بسبب إحساسهم بالفشل.

هؤلاء الناس قد نسوا «تفصيلاً» جوهرياً وهو أن اليوغا، قبل أن تكون رياضة بدنية هي رياضة روحية مبنية على نظرة معينة إلى العالم تناقض النظرة الغربية التي تشبعت بها مجتمعاتنا في العقود الأخيرة. ولهذا السبب تختلف نتائج اليوغا بحسب مختلف ممارسيها. تعتبر الحضارة الغربية أن دماغنا يلتقط بواسطة حواسنا معلومات حول العالم ويعالجها كما يفعل الحاسوب بطريقة منطقية وعقلانية. وعلى المرء ألا يتصرف بدافع من عواطفه وأحاسيسه وإلا اعتبر قليل الإرادة وانهزامياً.

قد تكون هذه النظرة على حق في ما يختص بالفعالية والإنتاج لأنها حملت معها التقدم التقني والعلمي والثروة المادية. إنما كل ما يتعلق باللاوعي والبعد الروحي مكبوت ومكبوح ومضغوط ويوضع في أفضل الأحوال في خانة الغرابة أو الإزعاج. ربما بدت هذه النظرة إلى الحياة طبيعية لكنها تتضمن مخاطر شديدة. فهي تحملنا إلى التعامل مع أنفسنا كسيد يتعامل مع عبده، نفرض أهدافاً ينبغي تحقيقها وفي حال فشلنا نعاقب أنفسنا بازدرائها. وتكون النتيجة انعكاسات صحية عديدة من مشكلات هضمية وجلدية وارتفاع ضغط الدم وأرق واكتئاب وحتى سرطان.

أما النظرة الشرقية إلى العالم فهي تستبطن البعد الروحي وتؤمن بالقدر ومشيئته، فحين تصيب المرء سعادة أو تعاسة لا يعتبر أنه هو المسؤول بالضرورة عنها بل هي مشيئة القدر، ولا يشعر أنه وحيد ومسحوق في عالم بارد لا متناهٍ ولامبالٍ بل ثمة قوة عليا تهتم بأمره. ولا يبدو له المرض والموت مقلقين إلى حد الرهاب لأنه لا يشك في وجود حياة بعد الموت أفضل من الحياة على الأرض. وإذ يؤمن المرء بقوة القدر ومشيئته يصير أكثر رأفة مع نفسه ولا يحتقرها ولا ينفق طاقة ثمينة في إسكات حالات جزع وخوف لا يستطيع إخمادها.
وإذا عدنا إلى رياضة اليوغا، فلا يمكن للمرء المتشبع بمفاهيم الحضارة الغربية أن ينجح في ممارستها ويستمر إلا إذا أعاد وصل ما قطعه الغرب بينه وبين لاوعيه ومشاعره وبينه وبين بعده الروحي.