هي «عروس الجبال وعاصمة التاريخ»، هكذا يتم التعريف عنها، لما تحمله محافظة العلا في المملكة العربية السعودية من قيمة استثنائية على الصعيدين الثقافي والسياحي حيث تعانق ذاكرة التواصل مع الطبيعة وتعزّز نبض الحضارات على الصعيد السياحي، الأثري والإنساني.
تقع العلا عند شمال غربي السعودية بين المدينة وتبوك وحائل، وتمتد مساحتها إلى أكثر من 29 ألف كيلومتر مربع، ويتبلور دور الهيئة الملكية لمحافظة العلا في ترسيخها كمنطقة سياحية ثقافية على جدول السياحة العالمية تبعاً لخطة استراتيجية لتطوير المنطقة والحفاظ على إرث العلا ومقوماتها الطبيعية والثقافية والسياحية وتعزيز مكانتها.
تقع فيها منطقة الحِجر.. أول موقع تراث لليونسكو في السعودية
تقدم وجهة العلا قيمة استثنائية من الجهتين الثقافية والسياحية. فهي موطن لعدة مواقع تاريخية وأثرية مهمة، وبينها منطقة الحِجر التي كانت عاصمة الأنباط سابقاً وهي أول موقع تراث لليونسكو في السعودية، كما تحتضن جبل عكمة الذي يحتوي على مئات النقوش المحفورة والتي تمثل مكتبة مفتوحة صنعها سكان الحضارتين الدادانية واللحيانية (ما قبل الميلاد). ومن المعالم التاريخية الأخرى مدافن الأسود المحفورة داخل الجبال في دادان، وبلدة العلا القديمة التي يرجع تاريخها إلى القرن العاشر، وخط حديد الحجاز الذي امتد من دمشق إلى المدينة المنورة والذي توقف بناؤه نتيجة للحرب العالمية الأولى.
تحاكي العلا بطبيعتها الخلابة عشاق السفر للتمتع بمناطق بيئية مذهلة تتوزع في أرجاء وديانها وجبالها كمرتفعات الصخور البازلتية وتدفقات الحمم البركانية وأخاديد تشكلّت بفعل انجراف الرمال إلى الواحات الوارفة حيث تستثمر العلا تلك الجماليات لإحياء حفلات غنائية مبهرة لفنانين من حول العالم تحت ضوء القمر.
الهيئة شرعت في تنفيذ خطة طويلة الأمد لتطوير المحافظة وتعزيز مكانتها كإحدى الوجهات الأثرية والثقافية المهمة تماشياً مع أهداف رؤية 2030
200 ألف عام من التاريخ غير المكتشف!
يقول فيليب جونز، رئيس تنفيذي للتسويق وإدارة الوجهة السياحية في الهيئة الملكية لمحافظة العلا «تعمل الهيئة مع خبراء محليين ودوليين في حماية وصون المواقع الأثرية والتراثية و الطبيعية بهدف تحقيق التحول المنشود لمحافظة العلا مع الحفاظ على مقوماتها البيئية والتاريخية» فهناك الكثير من المواقع التراثية والعجائب الطبيعية التي يمكن أن تقود الزائر في رحلة مغامراتية استثنائية من 200 ألف سنة من التاريخ البشري غير المكتشف. وكان جونز جزءاً من فريق الهيئة الملكية لمحافظة العلا الذي أطلق عجائب الجزيرة العربية في العلا، وهو أول معرض كبير لعرض طبيعة العلا والكنوز الأثرية والتراث الثقافي في معهد العالم العربي في باريس.
فالعلا، وهي نقطة التقاء ثلاث قارات وبوابة شبه الجزيرة العربيّة إلى الشرق والغرب، بنيت نتيجة تعاقب الحضارات والشعوب المتتالية، حتى أصبحت اليوم متحفاً مفتوحاً حياً.
ويضيف "أبرز المواقع الأثرية في العلا هي منطقة الحِجر، وجبل عكمة، وبلدة العلا القديمة، ودادان. أما العجائب الطبيعية فأبرزها جبل الفيل، ثم متاهات التكوينات الصخرية الدرامية والكثبان الرملية المتدحرجة، والوادي المغطى بأشجار النخيل والحمضيات، والقرائن التي تعود إلى آلاف السنين في تدفقات الحمم البازلتية.
بين الطبيعة والآثار والإنسان والمغامرة، وهي عناصر الجذب في العلا، وقد جذبت العلا الحجاج والمسافرين الذين جاؤوا للاستفادة من الموارد الوفيرة التي تقدمها الواحات الخصبة. ولطالما عرف أهل العلا بحسن ضيافتهم، وأشاد بهم المستكشفون المشهورون في الماضي لحفاوتهم وأصالتهم. وبوصفها نقطة التقاء حيوية على طول طرق تجارة البخور الشهيرة الممتدة من جنوب شبه الجزيرة العربية شمالاً إلى مصر وما ورائها.
مواقع تاريخية ومعالم أثرية
تروي العلا قصة عالم أسطوري غامض، عبرته الحضارات الإنسانية على مر العصور وتركت بصماتها فيه، كما يلفت جونز واصفاً العلا بـ«متحف نابض بالحياة منذ آلاف السنين يقوم على كوكبة من العجائب الطبيعية والبشرية التي تنتشر عبر أرجائه، والسفر في رحلة عبر الزمن للتعرف إلى المواقع التاريخية التي حُفظت على مرّ القرون، والاستمتاع بمشاهد تشكيلات الصخور الرملية والمساكن القديمة والمعالم الأثرية التي نحتتها يد الطبيعة وصنعتها إرادة الإنسان. تلك المعالم التي تزخر بإرث بشري يعود إلى 200 ألف عام لم يستكشف معظمه بعد، فإذا كانت المملكة العربية السعودية تشكلّ ملتقى للحضارات القديمة، فإن العلا هي نبع تلك الحضارات وهي، الآن، تفتح أبوابها للاستكشاف».
تجربة استثنائية للزائرين
وفي هذا السياق، أعادت العلا فتح أبوابها أواخر أكتوبر الماضي بخطط مستقبلية مدرجة على جدول تنشيط وتنمية محافظة العلا حيث تسعى الهيئة إلى تطوير المنتجعات وزيادة عدد الغرف مع إقامة منتجعات جديدة تتناسب مع مفهوم الرفاهية، بالتعاون مع مجموعات عالمية للفنادق، مع افتتاح موقع بلدة العلا القديمة للجمهور لأول مرة اعتباراً من ديسمبر 2020. كما تم تطوير مطار العلا وزيادة سعته الاستيعابية من المسافرين سنوياً، ليستقبل رحلات دولية، مع توفير خيارات نقل مريحة وحديثة في المحافظة وتقديم تجربة مميزة للزائرين، بالتزامن مع تطبيق الإجراءات الاحترازية للوقاية.