30 مارس 2021

د. حسن مدن يكتب: «وحيدون جداً»

كاتب بحريني، يكتب زاوية يومية في جريدة "الخليج" الإماراتية بعنوان "شيْ ما"

كاتب بحريني، يكتب زاوية يومية في جريدة "الخليج" الإماراتية بعنوان "شيْ ما"، صدرت له مجموعة من الكتب بينها: "ترميم الذاكرة"، "الكتابة بحبر أسود"، "للأشياء أوانها"، "يوميات التلصص".

د. حسن مدن  يكتب: «وحيدون جداً»

لم تكتف دولة متطورة، هي اليابان، بأن تكون لديها أجهزة حكومية معنيّة ببرامج الترفيه التي تروح عن نفوس الناس من ضغوط الحياة ومتاعبها، وهي البلد التي عرف شعبها بالتزامه بالانضباط في العمل، حتى أن البعض وصف اليابانيين بالمدمنين على العمل، وهذا ما يقلص، لديهم، أوقات الراحة والترفيه.

لم تكتف اليابان أيضاً بتطوير العيادات المعنية بتقديم المساعدة النفسية للمواطنين الذين يعانون المتاعب النفسية، حيث يشكو البلد من ارتفاع أعداد المصابين بالكآبة والإحباط، وما يجرّه ذلك من تداعيات، بينها ارتفاع نسبة حالات الانتحار.

ذهبت اليابان إلى خطوة غير مسبوقة في أي بلد آخر، بتعيين وزير لـ«الوحدة»، وليس المقصود بالوحدة هنا، توحيد الناس حول هدف، ولا تعزيز التآخي والمحبة فيما بينهم، وإنما الشعور بالوحدة، التي يمكن أن نصفها بالوحشة، حين يجد الكثير من الناس، رجالاً ونساء، أنفسهم «وحيدون جداً»، فلا يعودون يتحملون العيش طويلاً بهذه الحال فيختارون إنهاء حياتهم بالانتحار، الذي ازداد بسبب جائحة «كورونا»، على الرغم من نجاح اليابان بمواجهة الجائحة، حتى أن عدد المنتحرين بلغ 2153 حالة في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وهو أعلى عدد شهري منذ أكثر من خمس سنوات، مع زيادة أكبر بين النساء، فيما كان الرجال قد شكّلوا ما نسبته 70% من حالات الانتحار البالغة 20169 حالة، العام الماضي.

الوزير الذي تمّ اختياره لهذه المهمة، واسمه تيتسوشي ساكاموتو، هو، بالفعل، وزير مسؤول عن رفع معدلات المواليد المنخفضة وتنشيط الاقتصادات الإقليمية في اليابان، ولكن الحكومة ارتأت أن تضيف معالجة الوحدة إلى مهامه، أملاً في الحدّ من تفاقم الحالة، ولنا أن نتخيّل حجم العبء الذي سيكون على عاتق الوزير وفريقه، فالوحدة لا تنحصر في حال أولئك الذين يجدون أنفسهم يعيشون وحيدين بدون شريك أو أبناء، فهي قد تكون محض شعور داخلي عند الإنسان، يشعر به وحده؛ إذ يمكن له أن يكون في قلب الضجيج، ومحاطاً بالبشر من حوله، لكنه، على الرغم من ذلك، يحسّ بالوحدة، فلا أحد ممن هم حوله قادر على كسر الشعور بها، الذي ينتابه.

طبعاً يمكن أن يحدث العكس تماماً، فقد يكون المرء في حالٍ من العزلة عن الآخرين، دون أن ينتابه الشعور بأنه وحيد، أو أنه مدفوع برغبة في كسر عزلته، حتى يكون قريباً من الآخرين، ويجد، في عزلته، متعة قد لا تتحقق لو وجد نفسه محاطاً بالناس، وهذه الفئة لن يجد أفرادها ما يحملهم على الشعور بالكآبة أو حتى الضجر.

 

مقالات ذات صلة