قبل سنوات وقفت، في أحد مقالاتي، عما كتبه جبران خليل جبران عن الموسيقى. قلت يومها ما معناه، إن لم تخن الذاكرة، إن جبران لم يكتب بحثاً في تقنيات الموسيقى وأصولها، ولم يضمن كتابه عنها، صغير الحجم بالمناسبة، رسوم النوتات الموسيقية، وإنما اختار أن يكتب عن الموسيقى كحالٍ تعاش.
إن التعريفات التي يعطيها جبران للموسيقى ليست من النوع العلمي أو المحدد أو القاطع، إنه كعهده في كتاباته الأخرى، وفي رسائله أميل إلى الاستطراد الوصفي، لكننا على الرغم من ذلك لا نشعر بملل أو رتابة في الوصف، ونحن نقرأ ما يقوله عن الموسيقى، التي هي حسب تعبيراته «لغة النفوس»، والألحان، بالنسبة له، هي «نسيمات لطيفة تهز أوتار العواطف، هي أنامل رقيقة تستحضر على صفحات المخيلة ذكرى ساعات الأسى والحزن، إذا كانت محزنة أو ذكرى أوقات الصفاء والأفراح إذا كانت مفرحة».
ينقل عن الفنانة الكبيرة عفاف راضي، التي هي أيضاً أكاديمية حصلت على درجة الدكتوراه في الموسيقى، قولها في معرض حديث لها عن الموسيقى، «إنها، أي الموسيقى، تخاطب حالة من يستمع إليها وتتجاوب معه»، ويتيح لنا قول راضي هذا، أن نتصور أنه إذا كان المرء سعيداً لحظة سماعه موسيقى جميلة يحبها، أو تروق له، فإنها تزيد من سعادته، وإن كان مهموماً فإنها تخفف من همّه، وإن كان حزيناً فإنها تمتص الكثير من هذا الحزن، وتبث في نفس سامعها بهجة يحتاجها.
بل إن الموسيقى باتت في الكثير من الحالات وسيلة من وسائل العلاج، لما ينجم عن سماعها من استرخاء في الجسد، والتخفيف مما يعانيه المرضى من توتر، بما يساعدهم على التجاوب بفاعلية أكبر مع خطط علاجهم، ويعجل من شفائهم.
وينقل عن دراسة أجريت، مؤخراً، في تايوان، أن الاستماع إلى الموسيقى الهادئة بالذات، قبل النوم، يجعل من نومنا مريحاً، بل إن ذلك يساعد من يشتكون من صعوبة في النوم، خاصة لمن هم كبار في السن الأكثر عرضة للأرق، في أن يخلدوا لنوم هادئ، وينصح واضعو هذه الدراسة هؤلاء بأن يُعوّدوا أنفسهم على الاستماع إلى الموسيقى الهادئة قبل الذهاب إلى الفراش، بحيث لا تقل مدة الاستماع عن ثلاثين دقيقة على الأقل، ولمدة تزيد على أربعة أسابيع، فما أجري من تجارب لوضع هذه الدراسة يشير إلى أن من استمعوا إلى الموسيقى الهادئة بمعدل 60 إلى 80 نبضة في الدقيقة، كانوا ينامون بشكل أفضل من أولئك الذين سمحوا لأنفسهم بسماع الإيقاعات السريعة.