التحديات التي يواجها أصحاب الهمم تلهمنا قصصاً إبداعية تدعو للتأمل والفخر، فهم جزء لا يتجزأ من المجتمع، لكنهم الفئة الأكثر بساطة وعفوية، بل قد يكونون الأكثر إبداعاً كما نرى في قصة العازفة الإماراتية الشابة علياء علي عبد القادر، فهي فتاة صماء لا تعزف على البيانو الذي روضته بأناملها الصغيرة فحسب، بل ترتقي مع الموسيقا لتنقل مستمعيها إلى حالة روحانية رائعة.
لقد أبهرت علياء معلميها وجمهورها بعزفها «غلوريا» لفيفالدي و«جوبيتر» لموزارت و«السيمفونية السابعة» لبيتهوفن، لتكون بذلك من أبرع عازفي البيانو، وتحصد لقب «بيتهوفن الإمارات»، بعد أن تغلبت بموهبتها الفنية على حالة الصمت التي تعيشها، مقدمة بذلك نموذجاً حيًا على أن الإعاقة لا تقف حجر عثرة في طريق تحقيق الأحلام مهما كانت المعوقات، وقد سطع نجمها كعازفة إماراتية منذ بداية إصرارها على التعلم والعزف في العام 2016، وتكشف علياء خلال لقائها مع «كل الأسرة» عن تغلبها على الإعاقة السمعية بالعزف متبعة نهج العازف العالمي بيتهوفن صاحب الإعاقة نفسها، والذي خلد ألحاناً يقف الجميع عاجزاً أمام إبداعها.
*تصوير: السيد رمضان
تقول علياء «التحقت بمركز الفن للجميع- فلج، حيث صقلت موهبتي في عزف البيانو، بعد أن اكتشفتها في حصة الموسيقا المدرسية، وبعد تشجيع من حولي حرصت على تكثيف التدريب في المركز، وذلك على الرغم من الاهتمام بدراستي كطالبة في الصف الثاني عشر، فتعلم العزف لم يمنعني من التفوق في دراستي الأكاديمية، بل وفي تنمية هوايتي الأخرى وهي الرسم الذي أحب أن أطوره بمتابعة فيديوهات لرسومات متنوعة».
أتمتع بقدرات خاصة على الحفظ السريع لكل ما تراه عيناي
وعن كيفية إبداعها في العزف وهي من ذوي الهمم بإعاقة سمعية، تشرح علياء «أتمتع بقدرات خاصة على الحفظ السريع لكل ما تراه عيناي، ولدي رغبة مستمرة في تعلم كل شيء، الأمر الذي مكنني من العزف على آلة البيانو بسلاسة بعد ظهور موهبتي خلال حصة الموسيقا في المدرسة، إذ لاحظت إحدى معلماتي في مدرسة الأمل للصم في الشارقة قدرتي المذهلة في حفظ المقطوعات وعزفها، بمجرد رؤيتي لحركة أصابعها، وسرعان ما تطورت تلك المهارة، وأصبحت قادرة على إنشاء مقطوعات موسيقية وعزفها على البيانو بنفسي».
وحول الأسلوب الذي تتبعه علياء في العزف لتتجاوز إعاقتها السمعية، تقول «لا أتوقف عن التعلم، حتى أصبحت قادرة على أداء مقطوعات موسيقية كاملة، فأنا أركز على حركة الأصابع والشفاه، وأضع يديَّ على لوحة المفاتيح حتى أشعر بالإيقاع وأعزفه بإتقان بعد تخطي بعض الصعوبات في البداية، ولكن مرة تلو الأخرى صرت أشعر باللحن أكثر، خصوصاً إذا كان من مقطوعات بيتهوفن العالمية، فأنا أشعر معها بالراحة والاسترخاء. لذلك تغمرني سعادة وفخر عندما يطلقون علي لقب «بيتهوفن الإمارات».
علياء أثناء مشاركتها في إحدى الحفلات الموسيقية
تكمل علياء «أحب أن أشارك في الحفلات الموسيقية، وذلك نظراً للثقة الكبيرة التي تمنحها لي عائلتي والمعلمون في المدرسة وكذلك المدربون في مركز الفن للجميع، كما أن والدتي ترافقني في الفعاليات والمناسبات الفنية كافة، وتدعمي كثيراً في هذا المجال، فأنا أريد أن أمارس هوايتي في مكانها الصحيح، والحفلات تزيد من رغبتي في تطوير موهبتي ووضع بصمة إماراتية من خلال مقطوعات خاصة بي، أحلم أن أتمكن من تأليفها وإهدائها لدولتي الغالية. أما على الصعيد العام فلا أتردد في المشاركة بفني في الفعاليات الفنية، فأنا أتذكر مشاركتي في العيد الوطني السعودي، حينما طلب مني المعلم هاتفياً تعلم عزف النشيد الوطني السعودي، وتفاجأ بي عندما عزفته في اليوم التالي بإتقان أبهرت به الجميع، وهكذا هي الحال بالنسبة لمشاركتي في الفعاليات الفنية الأخرى التي أتمنى أن تكون عالمية في الفترة المقبلة إن شاء الله».
*تصوير: السيد رمضان
"أحلم بأن أمثل دولتي كعازفة بيانو إماراتية في المحافل العالمية"
إلى جانب طموحها بتحقيق مزيد من الانتشار فنياً، تشير علياء إلى أحلامها وخططها المستقبلية، «من المعروف عني أنني أحب الاستمرار في حصد العلم والمعرفة في كافة مجالات حياتي العلمية والعملية والفنية، وقد تعلمت مهارات كثيرة بالفعل، سواء فنية أم رياضية، لذلك أتمنى أن أنقل هذه التجارب والخبرات للآخرين، خاصة الأطفال والشباب من ذوي الهمم، وممن يعانون صعوبات في السمع والنطق، وأن أجعل من تجربتي محفزاً لهم لممارسة هواياتهم المفضلة، بل وتعلم هوايات ومهارات جديدة. أما على الصعيد الشخصي، فأنا أحلم بأن أمثل دولتي كعازفة بيانو إماراتية في المحافل العالمية، وأن استكمل رحلتي الفنية الأكاديمية وألا أتوقف عن ممارسة الفن الذي أحبه».