22 أغسطس 2021

د. هدى محيو تكتب: العمل من بُعد أم من قرب؟

أستاذة وباحثة جامعية

د. هدى محيو تكتب: العمل من بُعد أم من قرب؟

هل قتلت جائحة «كورونا» الطريقة التقليدية للعمل بالنسبة إلى موظفي المكاتب، وهي على وشك أن تستعيض عنها بطريقة أخرى؟ وكيف سيختلف مستقبل العمل في المكاتب أو من بُعد عمّا كان عليه قبل الجائحة؟

في بداية جائحة «كورونا» وخلال فترات الحجر الممتدة، كانت أغلب الأعمال المكتبية تنجز من بُعد، من المنازل، بواسطة الإنترنت أكثر مما كانت تنجز في المكاتب نفسها. ومع العودة إلى المكاتب في البلدان التي صار فيها الحجر خلفها، بقيت نسبة العمل من بُعد أكبر بكثير مما كانت عليه قبل الجائحة، وثمة من يعتقد أن الأمور لن تعود إلى ما كانت عليه لأسباب عدة.
أولها أن العمل من المنزل لم يعد يرتدي وصمة الكسل التي كان يصمه بها بعض المسؤولين.

وثانيها أن جزءاً لا بأس به من الموظفين الذين عملوا من منازلهم خلال الجائحة يفضلون عدم العودة إلى هذا النمط من العمل، ويعبرون عن رغبتهم في التواجد مع زملائهم في مكان واحد، وهم في أغلبهم من الشباب دون الخامسة والعشرين من العمر، ولا يملكون مساحة خاصة في منازلهم للعمل فيها. وفي المقابل فإن الجزء الأكبر من الموظفين يفضل العمل من بُعد بحسب تقرير لشركة «مايكروسوفت» حتى أنهم مستعدون لخفض رواتبهم بعض الشيء حتى يتمكنوا من العمل يومين أو ثلاثة في الأسبوع من منازلهم.

أما السبب الثالث فهو أن أرباب العمل يريدون عودة الموظفين إلى المكاتب، لكنهم يعلمون في الوقت ذاته أن عليهم أن يجترحوا حلاً وسطاً. فما هو هذا الحل؟ يتوقع بعض الخبراء أن يسود العمل المكتبي نموذج هجين هو مزيج من العمل من بُعد لفترة من الأسبوع، والعمل في المكتب لفترة أخرى. ويقدر الباحثون في جامعة شيكاغو أن حصة العمل من بُعد سترسو على نحو عشرين في المئة من إجمالي ساعات العمل بعد انتهاء إجراءات الجائحة بالكامل، أي نصف ما يحدث الآن، ولكنها مع هذا ستكون أربعة أضعاف ما كان يحدث قبل الجائحة. ويقدر هؤلاء الخبراء بأنه لن يكون محصوراً بين إما أن يمضي الموظف ثماني ساعات يومياً في موقع العمل، وإما أن يعمل بائساً ووحيداً في منزله، بل سيذهب يوماً أو يومين أو ثلاثة إلى مقر عمله، بحسب احتياجات الوظيفة، بينما يعمل من بُعد فيما تبقى من الأسبوع. لكن المسألة ليست بهذه السهولة، وهي تعد بقيام مشكلات عديدة، فمن يعرف كيف يعمل من بُعد ويعرف في الوقت نفسه كيف يعمل في المكتب لا يعرف بالضرورة كيف يجمع بين الاثنين. والنتيجة أن الصورة لا تزال ضبابية، وإذا كان من المؤكد أن «كورونا» لم تقتل الطريقة التقليدية للعمل في المكاتب، إلا أنه من المؤكد أيضاً أنها قد أصابتها بجرح بليغ.