أحب المجلات التي تخصص زاوية لشرح بعض الحقائق العلمية البسيطة أو عادات الشعوب. يستقبل المحرر مختلف أنواع الأسئلة من القراء ويرد عليها بأسلوب واضح ومشوّق. وقد قرأت فيها، قبل أيام، مقالاً يجيب كاتبه على سؤال «لماذا نرفع يدنا ونغطي فمنا عندما نتثاءب؟».
قبل أن أقرأ الجواب، خطر ببالي أنني كنت، حتى وقت قريب، أغطي فمي بيدي عندما أضحك. ولدى التفكير بالأمر واستعراض وجوه صديقاتي، وجدت أنهن جميعاً، باستثناء واحدة، يغطين ضحكاتهن. وهي عادة نسائية تكاد تكون عامة.
والصديقة الوحيدة التي تضحك بالمليان كاشفة عن فمها، هي تلك التي دفعت مبلغاً باهظاً لتقويم أسنانها والحصول على ابتسامة نجمات السينما «هوليوود سمايل».
لماذا الاستحياء من كشف الأسنان؟ أهو الخجل من إظهار البهجة؟ هناك عائلات تربي بناتها على الرزانة والرصانة، وفي عرفها أن التعبير العفوي عن المشاعر ليس مستحباً للنساء. كما أن الضحك قد يعني الخفة، والخفة تعني الطيش، والطيش من أشكال الاستهتار، والاستهتار من قلة الأدب.
أذكر أننا حين كنا طالبات في بغداد، نعبر جسر الجمهورية ونحن نغادر الدوام عائدات إلى البيوت مشياً على الأقدام. ويحدث أن تمرّ طائرات عسكرية في الجو، صوتها رهيب يغطي على كل صوت آخر. عندها، كنا ننتهز اللحظة ونضحك بأعلى أصواتنا. تلك فرصتنا للتمرد على الانضباط.
وعودة إلى التثاؤب، يقول محرر المجلة أن تغطية الفم نوع من اللياقة لأنها تجنّب الآخرين رؤية ما هو موجود في عمق الفم. وهي ممارسة ذات أصل ديني تعود للعصور الوسطى.
وكان هناك من يعتقد بأن التثاؤب من عمل الشيطان، وهو ينتهز فرصة فتح الفم لكي يسحب روح المتثائب إلى صفّه. والحقيقة هي أن التثاؤب في الكنيسة يصيب بالعدوى. فإذا تثاءب أحدهم أثناء الموعظة فإن باقي المصلين يتثاءبون أيضاً وكأن الموعظة طالت وما عادوا قادرين على متابعتها.
من اللياقات الفرنسية، أيضاً، إسدال منديل رقيق على الوجه أثناء تناول الطيور المطبوخة التي تؤكل باليدين، لا بالشوكة والسكين. إن من غير اللائق أن يرى جارك في المائدة فمك الملوث بدهون «الحمام المحشي»، مثلاً. وهناك حادثة شهيرة تروى عن الرئيس الفرنسي الأسبق ميتران الذي طلب، وهو مريض يودّع الحياة، أن يأكل للمرة الأخيرة وجبة الطيور تلك. وقال الذين كانوا معه إنه حجب وجهه بمنديل والتهم طيرين كبيرين.