12 مارس 2022

د. حسن مدن يكتب: حبّ الوظيفة أو كرهها

كاتب بحريني، يكتب زاوية يومية في جريدة "الخليج" الإماراتية بعنوان "شيْ ما"، صدرت له مجموعة من الكتب بينها: "ترميم الذاكرة"، "الكتابة بحبر أسود"، "للأشياء أوانها"، &a

د. حسن مدن يكتب: حبّ الوظيفة أو كرهها

من قرأوا رواية «الهدنة» للكاتب ماريو بينيديتي ربما يتذكرون فيها ما يشبه المنولوج بين بطل الرواية ونفسه، فالرجل الذي كان موظفاً حكومياً بسيطاً بدا على قلق من قرب بلوغه سن التقاعد، التي سيترتب عليها مغادرته لوظيفته، وكان يسأل نفسه: ماذا سأفعل بعد التقاعد، كيف سأقضي وقتي؟

قد يبدو الأمر للكثيرين منا باعثاً على شيء من الاستغراب، ففي الغالب تتمنى الناس أن تبلغ سن التقاعد هذه، وتتحرر من أعباء الوظيفة، وتنصرف إلى ممارسة أمور تحبّها وتجلب لها المتعة، والاسترخاء، فيما صاحبنا كان يجد متعته في أن يظل على وظيفته.

سنكتشف طبعاً أن السبب لا يعود إلى تعلقه بهذه الوظيفة، وإنما لأن البطل، الذي كان رجلاً كهلاً، وقع في حب زميلة له في العمل تصغره بكثير، وكانت هي سبب قلقه من التقاعد، لأنه لن يعود بوسعه أن يراها كل يوم، كما هي الحال وهو على رأس عمله، لدرجة أنه كان يضيق ذرعاً بعطلة نهاية الأسبوع، التي ينتظرها كل العاملين بفارغ الصبر، لأن تلك الإجازة، بدورها، تحرمه من رؤية الحبيبة، فتمر ساعات الإجازة بطيئة، ثقيلة على قلبه.

لا علاقة لحديثنا هنا بموضوع التقاعد ولا الإجازة الأسبوعية، وإنما بعلاقتنا بمكان وبيئة العمل، فليس مطلوباً من الناس أن يقعوا في حب أحد ممن يزاملهم في العمل، كي يجدوا المكان جاذباً، وأنفسهم مشدودة إلى بيئته، فهذه العلاقة مع مكان العمل معقدة، وتواجه العاملين جميعاً بنسب متفاوتة، حيث إن الكثير من الناس يجدون أنفسهم محمولين على العمل في أماكن لا تروق لهم بالضرورة، وبرواتب أدنى من تلك التي يستحقونها أو يجدون أنهم يستحقونها، ولكن لا خيار أمامهم سوى قبول ذلك، على مضض بالطبع، فليس بوسعهم الاستغناء عن مصدر رزقهم الآتي من هذه الوظيفة التي لا يحبونها وفي مكان لا يجذبهم.

أسباب مختلفة تشدّ الناس إلى مكان العمل وبيئته، والعكس صحيح أيضاً، أي تُنفرهم منهما، وقد لا يكون الراتب وحده هو السبب، فيمكن أن يكون هذا الأخير مقبولاً، لكن بيئة العمل غير جاذبة، والعلاقة مع من يزاملوننا في الوظيفة، أو مع المسؤولين عنا، ليست كما نرغب، أو أن طبيعة المهام الموكلة إلينا لا تناسبنا، حين نشعر أننا نمتلك مهارات أعلى من تلك التي تتطلبها أعمالنا، أو بالعكس فإنها تتطلب مهارات لا نملكها، مما يُصعب علينا العمل.

مستشار مهني، اسمه راغنيلد شتراوس، يُحذّر رغم ذلك، من التالي «في حال قام الشخص المحبط من وظيفته بتركها في وقت سابق لأوانه، فإنه يخاطر بأن يشعر بعدم الرضا في مكان عمله الجديد أيضاً».