عن السعادة يقول محمود درويش في إحدى قصائده: «قليلٌ من اللون في زهرة اللوز يحمي/السماوات من حجَّة الَوثنَيَّ الأخيرة/ مهما اختلفنا سَندْرِكُ أَنَّ السعادةَ/ ممكنةٌ مثل هَزَّةِ أرضٍ».
هل السعادة ممكنة بالفعل، نأخذها باليدين كما نأخذ أي شيء آخر يعجبنا، أم أن دونها صعاب ومشقات؟
هل تأتينا السعادة من تلقاء نفسها، كأي مصادفة جميلة في الحياة لم نسع إليها أو نخطط، أم أنه يتعين علينا العمل الدؤوب في سبيل بلوغها؟
هل السعادة كانت فيما عشناه بالفعل أو حتى ما زلنا نعيشه دون أن نعي أن ما نحن فيه هو السعادة بعينها؟ أم أن السعادة تظل هدفاً بعيد المنال لن تطاله أيدينا مهما سعينا، مثل أشياء كثيرة في الحياة نرغب في نيلها لكن دون جدوى؟
من أجل اختبار مقدار الشعور بالسعادة، فإن فريق بحث علمي اختار ثلاث مجموعات من الطلبة لفحص مستويات السعادة لدى كل مجموعة؛ حيث طلب من المجموعة الأولى تعريف وتحديد أكثر الأحداث التي أوصلت إلى أقوى لحظات السعادة خلال الشهر السابق للتجربة، وطُلب من المجموعة الثانية الطلب نفسه، لكن خلال الأسبوع الأخير السابق للسؤال، أما المجموعة الثالثة فقد طلب منها تحديد أسوأ وأتعس حادث مرّوا به خلال الفصل الدراسي، وفي المحصلة وجد فريق البحث أن النتائج المستخلصة من المجموعات الثلاث كانت متشابهة إلى حدٍ ما.
وقال معظم الطلاب الذين أجريت عليهم التجارب إن قضية الشعور بنقص الأمان وقلة الطمأنينة هي ما تؤثر بالدرجة الأولى في استقرارهم النفسي، وعلى الرغم من أن البعض تحدث عن ضعف الثقة بالنفس كعامل من عوامل الشعور بالاكتئاب والتعاسة، إلا أن هذا الميل للتركيز على الشعور بالطمأنينة والاستقرار بوصفه عاملاً حاسماً في الشعور بالسعادة، يشير إلى أن بيت السعادة في دواخلنا، نشعر بها تأخذنا نحو عوالمها المدهشة حين تكون هذه الدواخل هادئة، مطمئنة.
والشعور بالطمأنينة لا يأتي هكذا عفو الخاطر، فاختياراتنا في الحياة هي ما تحققه، ويشمل ذلك أموراً كثيرة بينها اختيار من نحب أوبمن نقترن، وما هي دائرة الأصدقاء من حولنا، وما هي الهوايات والاهتمامات والوظائف التي نجدها مناسبة أكثر لمهاراتنا وميولنا. لا يمكن لأحدنا أن يكون سعيداً ومطمئناً حين تكون اختياراته في الحياة خاطئة أو نقيضة لهوى نفسه.
والأرجح أنه لا توجد سعادة دائمة إلا فيما ندر، حيوات البشر هي تعاقب متحرك تغلب فيه السعادة حيناً، وتتراجع حيناً آخر، ولا يتوقف ذلك على صحة أو خطأ الخيارات فقط، وإنما لأن للمحيط الذي فيه نعيش دوره الكبير، فالشعور بالسعادة لا يأتي إن لم يكن المكان أو الوطن الذي فيه نعيش مستقراً وآمناً.