20 أبريل 2022

د. هدى محيو تكتب: الشرود والتركيز

أستاذة وباحثة جامعية

د. هدى محيو تكتب: الشرود والتركيز

حين سُئِلت سيرينا وليامز، لاعبة كرة المضرب الشهيرة، عن معنى التركيز قالت «التركيز هو أن تتمكن من مواصلة اللعب في حين أن أحدهم يطلق النار في الشارع المحاذي للملعب». والحقيقة أن سيرينا وليامز تعلمت كرة المضرب في ضاحية من ضواحي كاليفورنيا تتسم بالعنف اليومي.

ولحسن الحظ أن الجميع لا يعيشون في بيئة مشابهة لبيئة سيرينا، لكنها في كلامها هذا لفتت سيرينا، إلى جانب أساسي من جوانب التركيز وهو تثبيت الانتباه على عمل معيّـن وعدم السماح له بالانحراف نحو اهتمامات أخرى.

ماذا نفعل حقيقة حين نركز؟ أولاً، نحدد هدفاً، كقراءة كتاب مثلاً، ثانياً، نولي اهتمامنا لبعض ما تدركه حواسنا، كالحروف على الصفحة، ونهمل كل ما يبلغ حواسنا أو فكرنا من مصادر أخرى، كصوت السيارات أو رائحة القهوة... فنقيم حاجزاً بين ما يهمّنا وبين باقي العالم، وأخيراً نتفاعل مع التبدلات التي تطرأ على محط انتباهنا، فحين نركز على القراءة وتقع عينانا على جملة جديدة ننخرط في عملية فهم وحفظ لهذه الجملة في الذاكرة العملية.

وماذا نفعل حين لا نركز؟ الجواب بسيط وهو الشرود الذهني، ليقفز ذهننا من صورة إلى أخرى ومن فكرة إلى أخرى. فالذهن يعمل بحسب نظامين هما إما التركيز وإما الشرود، لكن الكثيرين منا، إن لم نقل الغالبية العظمى، لا يحب الشرود الذي يثير لديه إحساساً بالملل.

فماذا يفعل حين ينتهي من التركيز على عمله وواجباته حتى يملأ أوقات الفراغ وقد أطلق عليها هذا الاسم ربما لأنها تترافق مع إحساس مزعج بالفراغ؟

الحل بسيط أيضاً في أيامنا هذه: يلجأ المرء إلى الإنترنت الذي صار بمتناول يده على هاتفه. وهنا تتوالى الفيديوهات والنقرات والمحفزات الضوئية التي يمكن تغييرها وتبديلها بسرعة وإلى ما لا نهاية لنحصل على الأخبار والتغريدات والصور ترافقنا حتى يغلب النعاس أجفاننا، إن تمكّن النعاس من التغلب على كل ما سبق. وكل هذا من أجل أن نتجنب الشرود الذهني المزعج ونركز ذهننا من جديد.

ولكن لماذا لا نعمد إلى التركيز على كتاب مثلاً؟ لأننا لم نعد قادرين على التركيز على كتاب. فقد اعتاد ذهننا أن يركز على المحفزات السريعة والأفلام الملونة ذات الإيقاع السريع والتي تتجدد كل عشر ثوانٍ تقريباً فلا يعود قادراً على صب انتباهه على كلمات بسيطة أو جمل طويلة.

لهذا السبب يفقد أولادنا حب القراءة وقدرتهم على التركيز في دراستهم أو على متابعة شرح طويل تقدمه المدرّسة، ولهذا السبب يُنصح الأهل بعدم السماح لأولادهم بالبقاء على الإنترنت لمدة طويلة، لكن عليهم أن يبدأوا بأنفسهم أولاً.