17 مايو 2022

د. باسمة يونس تكتب: بين الأمومة والوظيفة

كاتبة إماراتية، دكتوراه في القيادة التربوية. أصدرت (10) مجموعة قصصية، (4) روايات،(12) نص مسرحي وعدة أعمال درامية وإذاعية .حاصلة على أكثر من( 22 ) جائزة في مجالات الرواية والقصة والمسرحية

د. باسمة يونس تكتب: بين الأمومة والوظيفة

عندما سمعوا بأن جارتهم في المنزل المجاور قد حصلت على ترقية في عملها وتسلمت زمام منصب إداري عال، امتعضت الأم التي رأت ارتفاع حاجبي زوجها معلناً بذلك إعجابه، وسمعت تصريح ابنتها عن إعجابها بجارتهم وأمنيتها بأن تصبح مثلها في المستقبل.

في الليلة ذاتها انسحبت الأم بهدوء لتواجه نفسها في المرآة تعاتبها وتلومها على التنازل عن مستقبلها العملي بعد تخرجها في الجامعة بغية بناء عائلة جديدة مع من ارتضت حياتها في كنفه.

نفرت من عين الأم دمعة ألمها كسياط تأنيب الضمير على ضياع ظنته يوماً نجاحاً في صنع عائلة وأبناء وصلوا مراحل متقدمة في الجامعة. كان عالمها يتهاوى مثل قصر من الرمال عائداً تراباً بلا ملامح، وكل ما خالته حلماً يتحقق يتطاير كأغبرة تعمي عيونها وتسد حلقها المزروع بالأسى.

وقفت أمام نافذتها تحدق في دار جارتها وتتخيل فرحتها بالنجاح ولم تتمكن ليلتها من النوم وطارت من وسادتها فراشات الفرح فكأن السعادة فتحت قلبها وفرت منه لترقد في بيت جارتها لأن ما ظنته نجاحا لم يكن سوى أوهام.

وفي نفس الليلة، واجهت الجارة الموظفة مرآتها تسألها لم ارتضت التنازل عن بناء عائلة لتصبح مديرة مرموقة في عملها تتفوق على جميع الإناث في عائلتها.

ونفرت من عينها دمعة سخينة لخوفها من الوحدة بعد الاحتفال بنجاحها مع زملائها وأفراد عائلتها والهجوع في حجرة خالية إلا من الأثاث وأصوات مسجلة تبثها الأجهزة التي تنقل لها الأخبار وقصص العوالم الأخرى.

ووقفت ليلتها أمام نافذتها تحدق في دار الأم المضيئة، وتلمح في كل حجرة فيها واحداً من أفراد العائلة التي كبرت أمام عينيها وصار لكل من كان طفلاً عالم وحياة يخصانه وما زالوا يلتقون معاً في منزل واحد ويهرعون إلى حضن أم تفتح لهم ذراعيها لتضم فيهم أحلامها التي حققتها في كل منهم.

وربما تتكرر هذه الحكاية يومياً، لكن الواقع يقول بأن الأم هي الأخرى امرأة عاملة تحمل مسؤولية الأمومة على عاتقها لكنها لا تمتلك خيارات الحصول على إجازة كالتي تملكها المرأة العاملة في وظيفة خارج المنزل وليست لديها فرصة الشعور بالأمن الوظيفي الذي تمتلكه تلك وقد يكون لدى الأم العاملة المحظوظة القدرة على تحقيق التوازن بين منزلها وعملها فتتمتع بالتحفيز الذي توفره الوظيفة وتتمكن من تربية عضو مفيد في المجتمع وفي نفس الوقت تحصل على الاستقلال المالي.

وتبقى الاختلافات في وجهات النظر حول العمل والزواج وأنماط الحياة مدهشة. بعضها لا مفر منها بالنظر إلى أنها نشأت في مناطق اجتماعية مختلفة فالنساء في هذا الجيل يدركن ما يجب عليهن فعله لتحقيق المستقبل المتصور لأنفسهن.

إنهن لا يسعين إلى أن يصبحن نساء عاملات كاملات، لكنهن لا يردن كذلك أن يصبحن ربات بيوت. نظرًا لأنهن يقدرن العمل والحياة الخاصة على قدم المساواة «كجزء من الحياة»، ويحاولن بشكل استراتيجي اختيار أفضل ما في كليهما حتى يتمكن الاستمتاع بأنفسهن قدر الإمكان.

والآن كل ما على الناس من حولهن إدراك قيمة كل امرأة في موقعها، فالأم عاملة ناجحة هي الأخرى في مصنع الأجيال، والموظفة أم تحث أفراد مجتمعها على النجاح والتفاني لدعم وطنها وبناء مجتمع متقدم.