من منا بوسعه نسيان ما قاله الشاعر بدر شاكر السيّاب في مديح العيون الجميلة، حيث كتب وهو يناجي المرأة التي أحبّ «عيناكِ غابتا نخيلٍ ساعةَ السحَرْ/ أو شُرفتان راح ينأى عنهما القمر/ عيناك حين تبسمان تورق الكرومْ/ وترقص الأضواء... كالأقمار في نهَرْ/ يرجّه المجذاف وهْناً ساعة السَّحَر/ كأنما تنبض في غوريهما، النّجوم/ وتغرقان في ضبابٍ من أسىً شفيفْ/ كالبحر سرَّح اليدين فوقه المساء/ دفء الشتاء فيه وارتعاشة الخريف».
العيون هنا كون بكامله. أقمار ونجوم وأضواء وأنهار وبحار وفصول السنة.
كيف يمكن للحيز الصغير للعينين أن يختزن كل هذا الكون؟
الشعر يفعل ذلك، خاصة إذا كان الشاعر من وزن بدر شاكر السياب، وإذا كانت العين هي عين الحبيب أو الحبيبة.
حديثنا لن يكون عن عيون من نحبّ، وإنما عن العيون عامة، ومن وجهة نظر باحث أجنبي يدعى ج. ك. مارتان فأن تنظر إلى شخص معناه أن تبدي اهتمامك به، فالنظرة مثيرة للانتباه حين تكون القناة البصرية مفتوحة وتعمل كمحرض. ويقول هذا الباحث «إن حركة شعرة في العين (الحاجبان) تفعل ما لا تستطيع فعله ريشة فنان، فالوجه منطقة تواصل أساسية».
وفي تفصيل أكثر، فإن النظر في العينين يعني النظر إلى الآخر في عمق أعماق روحه، وتغدو النظرة حينئذ علامة على الانجذاب أو الودّ والتعاطف، ويسرد الباحث بعض الأقوال المأثورة التي تؤكد أهمية النظر، بينها «كان ذلك ظاهراً للعيان»، و«بينما كان يشيح بنظراته في جهة أخرى»، و«في لمح البصر أحس»، و«بعيد عن العين بعيد عن القلب».
يقال إننا ننفق أكثر من 60 % من الوقت في مشاهدة شخص غريب صادفناه، لكن زمن النظرات المتبادلة في هذا اللقاء لا يزيد على 30 % من إجمالي الوقت الذي يستغرقه اللقاء، وعندما يتحدث شخص إلى آخر فإنه يصغي أكثر.
نظرات العرب أكثر حدة
السامع أو الذات المخاطبة تميل أثناء وجودها أمام مخاطب أعلى مقاماً إلى السمع أكثر مما تنظر إليه عند الكلام، وبالمقابل فإن الأعلى مقاماً ينظر أكثر عندما يتحدث مما ينظر عندما يسمع.
وليست النظرة التي ننظر بها إلى الآخر عند اللقاء متشابهة عند أهل الثقافات المختلفة، يقال إننا، نحن العرب ومعنا سكان أمريكا الجنوبية وكذلك سكان جنوب أوروبا: اليونان وتركيا وإسبانيا وإيطاليا إلى حد ما، نميل إلى نظرات أكثر حدة بالقياس لنظرات الهنود والآسيويين عامة، وكذلك سكان أوروبا الشمالية.
يبقى أنه كلما كنا في الدائرة الأقرب من الأحبة والأصدقاء ومن نكنّ لهم مشاعر الودّ والدفء، اضطلعت نظرة العين المصوبة نحو نظر من نحدثه بدور تعبيري لا تقوى عليه أبلغ التعبيرات.