17 أغسطس 2022

هل الانتقام يرضي حقاً المنتقم ويريحه؟

أستاذة وباحثة جامعية

هل الانتقام يرضي حقاً المنتقم ويريحه؟

على الرغم من القوانين التي تسود المجتمعات حالياً، لا تزال الرغبة في الانتقام تحرك الكثير من الناس رداً على ما يعتبرونه أذى، حقيقياً أو مفترضاً، ألحقه بهم أحدهم ولن يرتاح لهم بال حتى يحصّلوا ما يرونه حقهم ويذيقوا المعتدي ما ذاقوه منه.

ولكن هل الانتقام يرضي حقاً المنتقم ويريحه؟

بداية ينبغي التمييز بين شكلين من الانتقام:

  • الأول ظرفي وشرس ويدفع المنتقم إلى القتل وترجع جذوره إلى الماضي السحيق للجنس البشري
  • والثاني هو عمليات الانتقام الصغيرة التي نصادفها في الحياة اليومية والتي تأتي عقاباً على قلة احترام أو ملاحظة مسيئة وجارحة أو قلة أمانة وخيانة أو موقف متعالٍ.

وإن كان هذا النوع من الانتقام منتشراً بكثرة لكن لا يعني أنه مقبول اجتماعياً ولا حتى دينياً.

فالأديان السماوية تتفق على التنديد بالحس الانتقامي أو أنها على الأقل تضع له حدوداً صارمة، وحتى مقولة «العين بالعين» تدعو إلى الرد بما لا يتعدى الضرر الذي أصيب به المتضرر.

هذا عدا عن أن أعمال الانتقام كثيراً ما تكون مكلفة وحساسة وحتى خطيرة بالنسبة إلى المنتقم نفسه لأن لا شيء يؤكد أن الأمور ستقف عند هذا الحد ولن تنخرط في دوامة من تصفية الحسابات المتبادلة.

وإذا كان منطق الانتقام يستند إلى مقولة عدم ترك المسيء بلا عقاب وإعطائه درساً أخلاقياً حتى يصطلح سلوكه، فلا شيء يضمن أنه سيفعل وأن المنتقم الذي تجشم الصعاب لتحقيق هدفه سيتمكن من بلوغه. وفي هذه الحالة تذهب جهوده أدراج الرياح ولا ينوبه منها سوى التوتر ومزيد من الإحباط.

وقد يعتبر المسيء أن الانتقام الذي طاله تسبب له بألم يفوق الألم الذي تسبب به هو للمنتقم حتى ندخل الدوامة التي جئنا على ذكرها وتولد عداوات داحس والغبراء.

لماذا الانتقام إذاً؟

أهو للإحساس بالراحة والتخلص من المشاعر السلبية المتأتية عن إحساس الضحية والظلم والأذى الذي طالها؟

الحقيقة أن العكس تماماً هو الذي يحدث، والمنتقم الذي يحقق العدالة بيده وبطريقة تؤذي من اعتدى عليه يظل يعيش مراراً وتكراراً ما أصابه وما قام به. وحتى وإن لم ينجم عن عمله أي رد مقابل وأية دوامة من تصفية الحسابات، إلا أنه سيدخل دوّامة أخرى تلك المصنوعة من الذكريات المؤلمة التي لن تبرح مخيلته.

أما من يبتعد عن الذي آذاه ويتجنب لقاءه والتعامل معه، إن لم يستطع مكاشفته وتسوية الأمور معه، فهو سرعان ما سيستعيد سكينته وتوازنه وينسى ما عاشه من أوقات مؤلمة. فنادراً ما نسمع أحداً يقول إن الانتقام «برّد قلبه» بل هو بمثابة الزيت على النار، يزيدها اشتعالاً.