يمكن أن نقول عن مبنى ما أو مكتب، وحتى منزل، بأنه كئيب المنظر، حين يكون سيئ التصميم، أو أن تكون الألوان التي اختيرت لدهنه غير موفقة، أو يكون بلا إطلالة تفتح النفس وتسرّ الخاطر.. الخ، وحسب معاجم اللغة يمكن القول: «اكتأب وجه الأرض، أي تغيرّ وضرب إلى السواد».
وعليه فإنه بوسعنا أيضاً أن نصف الجو في بعض الأيام بالكئيب، أو الباعث على الكآبة، وحسب بعض الدراسات ففي البلدان التي تعيش شهوراً أو حتى فصولاً دون أن يرى أهلها الشمس، يمكن لهذا الجو «القاتم» أن يُولد في النفوس درجات من الكآبة، تصل في حالات كثيرة إلى زيادة عدد حالات الانتحار، فما يعيشه الناس من حياة «كأباء» يحملهم على ذلك.
ليس الجو القاتم وحده مصدراً لكآبة الشعوب والجماعات. يمكن للحروب والفتن والاقتتال والمجاعات وتراكم منغصات العيش أن تجلب من الكآبة مقادير هائلة لا تكاد تلك الناجمة عن سوء الأحوال الجوية تذكر بالمقارنة معها.
المشتغلون في الطب النفسي يتعاملون مع المصابين بالاكتئاب كمرضى يتعين معالجتهم بالأدوية، حيث تكتظ العيادات النفسية بحالات كثيرة من هؤلاء، وفق اعتقاد طبي شائع فحواه أن سبب الاكتئاب ناجم عن انخفاض مستويات «هرمون السعادة» المعروف باسم «السيروتونين»، وبالتالي يتعين منحهم من الأدوية ما يحفز هذا الهرمون أو زيادة جرعاته في أجسادهم.
الادعاءات المضللة حول الأدوية المضادة للاكتئاب
لكن دراسة طبية حديثة تذهب إلى نفي هذا الاعتقاد الشائع، مثيرة أسئلة كبيرة حول ما وصفت بـ«الادعاءات المضللة حول الأدوية المضادة للاكتئاب»، والتي يزيد الكثير منها من نسبة «السيروتونين» في الجسم، ومع أن الدراسة لم تذهب إلى القول إن هذه الأدوية ليست فعالة، لكنها، مع ذلك، أثارت تساؤلات حول نظرتنا للأمراض النفسية وأسبابها.
حسب الدراسة فإن الأشخاص المصابين بالاكتئاب لا يبدو أن لديهم مستويات مختلفة من السيروتونين في أدمغتهم مقارنة بالأشخاص الذين لا يعانون الاكتئاب، وقد دفع هذا القول بظهور آراء تقول: علينا أن نفتش عن أسباب الاكتئاب في عوامل أخرى غير نقص هرمون السعادة في الجسم، وبطبيعة الحال فإن الأنظار تنصرف نحو الأوضاع المحيطة التي يعيش فيها البشر، وتسبب للكثيرين منهم حالات من الإحباط والخيبة التي تتحول مع الوقت إلى اكتئاب مزمن.
هذه الأقوال بدورها لم تنج من النقد، حيث ينسب تقرير تناول هذا الأمر إلى امرأة، تعيش في جنوب شرقي أستراليا وتعاني الاكتئاب الشديد والذهان، قولها في إعادة وصف الاكتئاب بأنه «محنة» من شأنها أن تختفي إذا «قمنا فقط بإصلاح جميع المشاكل الاجتماعية»، تبسيط شديد للأمور، وتغاضٍ عن معاناة المكتئبين.