في عام 2017، بدأ العمل على مشروع ترميم ضخم، قاربت تكلفته نحو 200 مليون جنيه مصري واشتركت في العمل عليه وزارة السياحة والآثار المصرية بالتعاون مع الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، لتجديد وتطوير قصر محمد علي باشا بشبرا، لكونه درة معمارية وفنية لن تتكرر.
لهذا، دعونا نأخذكم في جولة شيقة نعرفكم من خلالها على هذه التحفة المعمارية والهندسية التي يتجاوز عمرها المئتي عام، والتي كانت بمثابة أول قصر يقطن به محمد علي باشا بعد مجيئه إلى مصر عام 1805.
لماذا اختار محمد علي باشا حي شبرا؟
في مطلع القرن التاسع عشر، كان حي شبرا عبارة عن مجموعة من الأراضي الزراعية مترامية الأطراف التي تقع بالقرب من نهر النيل في شمال القاهرة. وكان محمد علي باشا معجباً بتلك المنطقة لجمالها وهدوئها وقربها من النيل، لذلك فبعد توليه الحكم بثلاث سنوات، اختار قطعة أرض شاسعة بلغت مساحتها 26 فداناً لبناء قصر فخم على الطراز التركي العثماني الذي تحيط به الحدائق الفسيحة من كل جانب.
استغرق بناء القصر بالكامل 13 عاماً
أوكل محمد علي باشا بناء القصر إلى المهندس المعماري «ذو الفقار كتخدا»، وبالفعل بدأت عملية البناء في عام 1808 على عدة مراحل انتهت آخرها في عام 1821. وقام بالعمل على الزخارف الاستثنائية للقصر مهندس يدعى «يوسف حكيكيان»، بالإضافة إلى عدد من الفنانين الفرنسيين والإيطاليين واليونانيين. وكان محمد علي يريد قصراً فخماً يحاكي قصور إسطنبول الفاخرة المطلة على مضيق البوسفور، فكان له ما أراد في هذا القصر الذي كان مختلفاً اختلافاً جذرياً عن القصور التي كان يألفها المصريون في هذا الوقت.
يضم القصر 3 سرايات مختلفة
كانت القصور التركية في تلك الحقبة لا تتكون من قصر واحد بل من عدة قصور كان يطلق عليها «سرايات»، وكان لكل سرايا طراز معماري خاص بها وفقاً للغرض الذي أنشئت من أجله. لهذا، فقد تم بناء سرايا «الإقامة» أولاً عام 1808، وتم إلحاق عدد من المباني الإدارية بها لموظفي القصر دواوينه المختلفة ومسؤولي الأمن والحراسة، كما تم إنشاء مرسى خاص للمراكب على النيل. تلا ذلك بناء «سرايا الفسقية» – وتعني النافورة – التي صممها آنذاك القنصل الفرنسي «مسيو دروفتيه» وأشرف على تنفيذها المهندس الفرنسي «باسكال كوسيف». وكانت آخر سرايا يتم بناؤها في قصر محمد علي باشا هي سرايا الجبلاية، وسميت بهذا الاسم لبنائها على تل مرتفع يطل على حدائق القصر.
لماذا اشتهر القصر باسم «قصر الفسقية»؟
اشتهر قصر محمد علي باشا بشبرا لسنين عديدة باسم «قصر الفسقية» – وهي كلمة تعني حوضاً مستديراً من الرخام وبه نافورة ماء تزين مداخل القصور أو الحدائق – ويعود السبب في ذلك إلى أنه كان القصر الرئيسي الذي تقام فيه الاحتفالات والمناسبات الرسمية حول نافورة الماء. وقد كانت هذه النافورة من أبعد ما يكون في ذلك الوقت عن النوافير التقليدية، حيث كان عرض الحوض المستطيل المحيط بها يبلغ نحو 61 متراً، بينما كان يبلغ طوله 45.5 متر وعمقه 2.5 متر، وكان الحوض مبطناً بالكامل بالرخام الأبيض. كما كان يزين زوايا حوض النافورة 4 نوافير أصغر حجماً يتوسطها أربعة أسود مصنوعة من الرخام ويخرج الماء من أفواهها، لهذا فهي تعتبر تحفة فنية بكل المقاييس.
قبل بناء القصر لم يكن هناك وجود لشارع شبرا
أثناء فترة حكم محمد علي باشا، والتي بدأت عام 1805، بدأت منطقة شبرا تلفت اهتمام الأثرياء الراغبين في تشييد قصور خاصة بهم، وذلك لأنها كانت منطقة بكر ذات مناظر طبيعية رائعة ومروج خضراء شاسعة مطلة على نهر النيل. لهذا، فقد اهتم محمد علي باشا شخصياً بتلك المنطقة التي أراد هو ذاته بناء قصره الخاص فيها، ولذلك أمر بتمهيد وإنشاء شارع عريض تحفه الأشجار على الجانبين، وهو شارع شبرا الذي أصبح يربط بين القاهرة وبين تلك المنطقة الجديدة.
القاهرة تستعد لافتتاح القصر بعد التجديد قريباً
سيتم افتتاح القصر للسياح والمصريين قريباً في حفل افتتاح وصفته وزارة السياحة والآثار المصرية بأنه سيكون «مذهلاً». كما سيتم ربط القصر بمرسى نيلي على الكورنيش المقابل للقصر من خلال جسر مشاه لتسهيل انتقال السائحين من وإلى القصر.
ويعتبر هذا المشروع واحداً من بين عدة مشاريع قومية تهدف إلى تطوير وترميم العديد من المواقع الأثرية المميزة في أنحاء مصر، من ضمنها المتحف القومي للحضارة المصرية بالفسطاط، وهضبة الأهرامات، وقصر البارون إمبان بالقاهرة، والمتحف اليوناني الروماني والمعبد اليهودي بالإسكندرية.