25 يوليو 2023

"تجرأ وقل.. أحسِن القول".. الجرأة على القول تبدأ من الإصغاء إلى النفس

أستاذة وباحثة جامعية

يحدث أن نتلقى في حياتنا اليومية كلمات جارحة، أو نواجه أوضاعاً مأزومة أو متوترة، لنجد أنفسنا أمام واحد من خيارين: إما أن نلتزم الصمت أو أن نرد بعنف.

أما هذا الكتاب «تجرأ وقل.. أحسِن القول» ، من تأليف أندريه بيترا، فهو يدلنا على طريق ثالث، ويعلمنا كيف نقول بوضوح ما نريد قوله من دون أن نصيب علاقتنا مع الآخرين بضرر يصعب إصلاحه.

الجرأة على القول

الجرأة على القول أو التعبير، وحسن القول والتعبير، يجب أن يكونا مترافقين على الدوام. قد يبدو بعض الأشخاص أكثر ارتياحاً في جرأة القول ولكن هذا لا يعني أنهم يحسنون القول، فقد تكون ردود فعلهم عدائية وجارحة لتقود إلى نتائج لا تحمد عقباها من توتر في العلاقة ونزاعات وشعور بالذنب وتأنيب ضمير وعزلة...

حسن القول هو أولاً معرفة ماذا نقول. وتكون البداية في وضع رسالة واضحة ومتوازنة ثم التأكد من الحالة النفسية التي يجب أن نوصل بها رسالتنا والتي يجب أن تكون خالية من أي نزعة انتقامية أو عدائية. بهذه الطريقة فقط نتمكن من إقامة علاقة بناءة وصادقة وأصيلة.

خطوات الجرأة

الخطوة الأولى

ضعوا رسالة موجهة إلى الشخص الذي جرحكم، لكنكم لن ترسلوا إليه هذه الرسالة أبداً، لأنه عبارة عن رسالة تمكنكم من استيضاح مشاعركم وأفكاركم إزاء ما حصل وإزاء السلوكيات الجارحة أو الكلمات المؤذية التي تعرضتم لها. وهذه هي المرحلة التحضيرية الأولى التي تكتسبون فيها الجرأة على القول. اكتبوا في الرسالة كل ما لم تتمكنوا يوماً من قوله لهذا الشخص وعبروا فيها عن غضبكم المكبوت. هي في الحقيقة رسالة غضب من كل ما حصل وتفاصيله الدقيقة بالمكان والزمان إن أمكن. والهدف من هذا هو إعادة تذكر الوضعيات الجارحة بشكل دقيق وغير قابل للنفي أو الجدل، على سبيل المثال: «أنا غاضب/ة منك لأنك قلت لي«أنت غبي/ة يوم كذا وأمام فلان وفلان...»

الخطوة الثانية

كتابة رسالة غضب ضد أنفسكم. قد يبدو الأمر غريباً، لكن تدهور أي علاقة يعني أن كل طرف فيها مسؤول بطريقة ما عن تدهورها. لذا عليكم أن تواجهوا مسؤوليتكم، لأن من لا يجرؤ على القول يعاني بشكل مضاعف حين لا يرد فهو يتألم من الجرح الذي أصابه به الآخر ومن عدم جرأته على القول في آن. وهذا ما قد يؤدي به إلى فقدان احترامه لنفسه وثقته بها ما يتسبب بدوره بغضب من الذات. لذا ينبغي إخراج هذا الغضب وهو غضب مفيد لأنه يسمح بالوصول إلى مرحلة نضع فيها حداً لهذه الأوضاع المؤلمة.

الخطوة الثالثة

يجب أن تكون اندفاعاً نحو الجرأة على القول من دون عدائية قد تنجم ربما عن سنوات من الإحباط أو الاضطهاد. وهنا ينبغي كتابة رسالة (لن ترسلوها) عرفان بالجميل تجاه الشخص الذي آلمكم يكون مضمونها رداً على السؤال الآتي: «ما هي الإيجابيات التي تعلمتها من هذا الشخص؟» فكل شيء وكل شخص وكل وضعية في الحياة هي مناسبة للتعلم والتطور والنضج والنمو.

رسالة العرفان بالجميل تمكنكم كذلك من النظر بشكل مختلف إلى الشخص المعني باعتباره شخصاً ساعدكم ولو بطريقة مؤذية على النمو والنضج. أنتم بحاجة لهذه النظرة الجديدة حتى تخلو جرأتكم على القول من كل عدائية أو نزعة انتقامية سواء أكان على المستوى النفسي أو الجسدي في النظرة والنبرة وطريقة الكلام.

إن كتابة الرسائل الثلاث المذكورة آنفاً تمكنكم من مقاربة الوضع المؤلم بأسره بطريقة جديدة لأنكم ستدركون أنكم ناقمون على الآخر وعلى أنفسكم كذلك، فمراجعة النفس هي أساس النجاح في كل شيء. ومهما كان الوضع الذي أجد نفسي فيه اليوم، سيكون ناجماً عن كل الخيارات التي قمت بها في السابق. والرسائل الثلاث هي بمثابة «غربال» لكل مآخذكم تجاه الآخر وتجاه أنفسكم، ولن يبقى في النهاية سوى الأهم والذي يجب أن يتم الاحتفاظ به في حسن القول.

حسن القول

الخطوة الأولى

تقضي بالعودة إلى رسالة الغضب الأولى للنظر في مختلف عناصرها وطرح السؤال الآتي على النفس إزاء كل عنصر منها: ما هو الشعور العميق الذي ينتابني إزاء كل عنصر من هذه العناصر؟ يتعين علينا البحث في أعماقنا عن الشعور الذي انتابنا في الحادثة المذكورة، أهو مهانة وذل؟ أم حزن وأسى؟... هي خطوة صعبة لأنها تجبرنا على عيش التجربة من جديد في داخلنا وعيش الآلام التي سببتها لكنها تجبرنا على الإصغاء إلى أنفسنا.

والمهم في الإصغاء إلى مشاعرنا هو أن نعرف أنها على اتصال بالقيم العميقة التي نحملها كالحب والعدالة والاحترام والنزاهة والصدق... وكثيراً ما تكون بعض هذه القيم مداسة ومنتهكة في الوضعيات المؤلمة التي عشناها. وهكذا فإن جملة «أنا غاضب/ة منك لأنك قلت لي «أنت غبي/ة» يوم كذا وأمام فلان وفلان...» يمكن أن تتحول لتصير «شعرت بعدم احترام لي وبظلم حينما قلت لي»: «أنت غبي/ة» يوم كذا وأمام فلان وفلان...».

كثر هم الأشخاص الذين يصعب عليهم التعرف إلى ما يشعرون به حقاً حينما يتألمون وهذا طبيعي لأن الكثيرين منا لا يعرفون كيف يحبون أنفسهم وكيف يصغون إليها. ولمساعدتكم على التعرف إلى مشاعركم في الوضعيات المؤلمة.

نقدم إليكم قائمة بأكثر المشاعر شيوعاً في هذه الوضعيات:

حينما تقول لي ما قلته أشعر أني: مكروه، معزول، غير موجود، موضع خيانة واحتقار وذل، أشعر بحزن وعدم احترام ووحدة وعجز وهجران وخنوع، أشعر أنك تعاملني كطفل وشخص غير ناضج، أشعر أني تحت سيطرتك، أنك تتلاعب بي، تسيء الظن بي، تحط من شأني، تحبطني، تضعفني، تعاملني كغريب، تهينني، تحكم علي ظلماً، تتهمني، تشعرني وكأني عبء عليك، تعزلني، تستغلني... أشعر أني غير مهم، غير محبوب، غير جدير بالثقة، غير محترم، غير مسنود... أشعر بالظلم والحزن والخجل...

الخطوة الثانية

في حسن القول تقضي بصياغة جملة تبدأ بـ«أنا» وليس بـ«أنت». من المهم أن نتذكر أنه باستطاعتنا أن نتكلم فقط عن أنفسنا فحين نقول «أنت» نحكم على الآخر ونفسر تصرفاته على طريقتنا. مثلاً: إذا قالت زوجة لزوجها «حين ترمي نعالك في وسط غرفة الجلوس، أنت لا تحترمني»، يحمل قولها حكماً على زوجها وفي أغلب الأحيان تكون أحكامنا مغلوطة. كما أن قولها هذا سيدخلها في جدال عقيم مع زوجها الذي سيرد عليها قائلاً: «بلى، أنا أحترمك»، لترد عليه بالقول: «كلا، أنت لا تحترمني»، ويمكن أن نتخيل ما يحدث بعدها من شجار لا طائل من ورائه.

في سبيل تنظيم مشاعركم وإيصال فكرتكم بالطريقة الأكثر فاعلية، سأقترح عليكم جملة نموذجية، أطلب منكم حفظها واستخدامها بالشكل المذكور. صحيح أني لا أحب عموماً القواعد الجامدة ولكن في هذه الحالة أظن أنه من الضروري تطبيق القاعدة التي أنادي بها في ما يتعلق بحسن القول. لا أدعي أنها القاعدة الوحيدة لحسن القول ولكني أؤكد أنها طريقة ناجحة وتقود إلى نتائج ممتازة.

الجملة النموذجية التي أدعوكم إلى حفظها بطريقة منهجية تبدأ أولاً بتسجيل ما حصل: «حين ترمي نعالك في وسط غرفة الجلوس أشعر أني لست موضع احترام» ثم إلحاق تسجيل الحادثة والشعور المرافق لها بالتشديد على ما يلي: «أنا لا أقول أنك لا تحترمني، أقول فقط بأني أشعر أني لست موضع احترام».

هذه جملة ذات تركيبة مهمة شبيهة بموجة لا عدائية فيها ويجب أن تتضمن تفاصيل دقيقة قمتم بتدوينها في الخطوة الأولى من «جرأة القول» لأنها تضمن سماع شكواكم وتضمن عدم انطلاقكم من عموميات مبهمة تمكن الآخر من الاستخفاف بما تقولون والتعاطي معه على سبيل التجني عليه.

الخطوة الثالثة

التعبير عن النية العميقة من وراء القول. وهكذا فإن رسالتكم الأخيرة ستتخذ شكل قائمة مؤلفة من عدد من الجمل النموذجية المتفقة مع الشعور الذي يختلج في نفسكم كما يجب أن تحمل النية من وراء الحديث. فأنتم لا تدخلون في المواجهة من أجل تصفية الحسابات أو الدخول في نزاع، بل إن هدفكم أهم بكثير وهو بناء علاقة أفضل مع الشخص المعني وتحسين الأجواء في العمل أو في الأسرة أو بين صديقين من خلال تثبيتها عبر قيم مشتركة بين الطرفين. فالزوجة يمكن أن تبدأ حديثها بالقول: «هدفي أن نكون زوجين سعيدين وأن يكون بيتنا مكاناً نسكن إليه».

ستمكنكم هذه المقدمة من تخطي كل عدائية منذ اللحظات الأولى من الجرأة على القول. قد يصاب الطرف الآخر بالدهشة إزاء طريقتكم في الكلام فهو لم يعتد سماعكم التحدث بهذه الطريقة. ومن الممكن كذلك أن ينتابكم شك بهذا الخصوص: «إذا ما تكلمت بهذه الطريقة وعبرت عما أشعر به بعمق قد يرى الآخر نقاط ضعفي ويستفيد منها». لكن هل من الضعف أن نعبر عما نشعر به؟ كلا، لأن التعرف إلى ما تعتبرونه نقاط ضعف هو بالتحديد ما يجعلنا نصير أكثر قوة. والتعبير عما تشعرون به هو القبول بكل ما تحمله الحياة لنا والإفصاح عما تكتمونه في أعماقكم منذ زمن طويل.