06 نوفمبر 2023

المتحف البغدادي.. جولة رائعة بين عادات وتقاليد ومهن بغداد القديمة

مترجم عراقي للغتين الفرنسية والإنجليزية، أمضى أكثر من 25 عامًا في ترجمة وإعداد التحقيقات في كافة المجالات

المتحف البغدادي.. جولة رائعة بين عادات وتقاليد ومهن بغداد القديمة

بغداد في الوقت الراهن، مثل جميع مدن العالم، ليست بطبيعة الحال كما كانت منذ عشرات السنين، فالحياة تغيرت وتسارعت شكلاً ومضموناً، لذلك تم تشييد المتحف البغدادي ليكون ذاكرة تروي وتحفظ صور الحياة البغدادية ليطلع عليها كل جيل جديد، ويستمتع بها كل سائح ومحب للعراق.

المتحف البغدادي.. جولة رائعة بين عادات وتقاليد ومهن بغداد القديمة

ما مر بالعاصمة العراقية من أهوال وما عانته وأهلها من خطوب يجعلها تتنهد حسرة. لذلك، كل من يزور بغداد وكل من تتملكه رغبة استعادة ذكريات الماضي لا بد أن يتوجه إلى هذا المكان الذي يعود بالزمن إلى حيث عادات وتقاليد وتراث أهل بغداد وكيف كانت عليها الحياة آنذاك.. إنه المتحف البغدادي، الذي يجعلك بالصوت والصورة تعيش أجواء بغداد وكأنك تمشي في شوارعها وحاراتها وأسواقها.. تتبغدد من مكان إلى آخر.

المتحف البغدادي.. جولة رائعة بين عادات وتقاليد ومهن بغداد القديمة

المتحف البغدادي هو معلم سياحي يمكن أن نصفه بأنه مخصص للتاريخ المحلي الشعبي، تأسس في عام 1940، وهو شبيه بمتاحف الشمع في بعض مدن العالم ولكن بفكرة أخرى وتنوع أشمل.. كما سنستعرض لاحقاً.

المتحف البغدادي.. جولة رائعة بين عادات وتقاليد ومهن بغداد القديمة

يقع المتحف داخل مبنى قديم يقال إنه يعود إلى عام 1869 بالقرب من نهر دجلة في ناحية الرصافة، مقابله شارع النهر العريق وعمارة الرصافي التجارية، وعلى يمينه شارع المتنبي المشهور بالكتب ومتاجر القرطاسية والمكتبات ومقهى شاهبندر التراثي، وعلى بعد خطوات من يسار المبنى هناك تمثال الرصافي وشارع الرشيد بمبانيه وشرفاته وشناشيله القديمة للغاية. إذاً، موقعه بحد ذاته له مغزى وتأثير.

المتحف البغدادي.. جولة رائعة بين عادات وتقاليد ومهن بغداد القديمة

يعد المتحف البغدادي، الواقع في قلب العاصمة العراقية، أكثر من مجرد مكان لاستعراض الحياة البغدادية القديمة، إنه كنز حقيقي لتاريخ المنطقة وثقافتها، وهو مكان يقدم مشاهد رائعة بالصوت والنماذج والمجسمات لما كانت عليه على تقاليد وعادات وأزياء ومهن المجتمع البغدادي قبل عشرات السنين، يعرضها خاصة للأجيال الجديدة التي لم تعرف وجهاً آخر لبغداد سوى ما تراه اليوم.

لذلك فإن هذا المكان هو بالفعل حارس للتراث ونافذة يطل منها الزائر على التاريخ. تعرض المتحف لأضرار بسبب الغزو الأمريكي خلال حرب العراق عام 2003 مما أدى إلى توقف عمله. ولكن أعيد افتتاحه رسمياً في أغسطس 2008.

المتحف البغدادي.. جولة رائعة بين عادات وتقاليد ومهن بغداد القديمة

يضم المتحف البغدادي عشرات المشاهد للحياة اليومية من فترات مختلفة باستخدام مجسمات بالحجم الطبيعي تعرض الحياة في بغداد، وخاصة الحرف الشعبية والمهن والعادات المحلية والحياة في الشوارع والأزقة آنذاك.

المتحف البغدادي.. جولة رائعة بين عادات وتقاليد ومهن بغداد القديمة

يوثق المتحف فترة زمنية تاريخية من تاريخ بغداد وينقل تفاصيل من حياة البغداديين في تلك الفترة. ولهذا الغرض، يحتوي المتحف على 385 مجسماً تمثالياً موزعة في غرف هذا المبنى، لكل غرفة مشهدها الخاص من داخل أو خارج البيوت البغدادية القديمة، مصحوبة بمواد فنية من إضاءة وصوت وأكسسوارات من العصور القديمة، وتعمل جميعها على ضمان أن يعيش الزائر أجواء تلك الفترات التاريخية وكأنه موجود فعلاً في داخلها، وكأن عقارب الزمن عادت إلى الوراء لتصطحب الزوار والسياح معها في جولة على أيام بغداد قديماً.

المتحف البغدادي.. جولة رائعة بين عادات وتقاليد ومهن بغداد القديمة

تستعيد المشاهد الساكنة والواقعية بساطة الحياة في بغداد والروابط العائلية والمجتمعية التي كانت سائدة آنذاك، وتظهر كيف كانت العوائل البغدادية تمارس العديد من الطقوس والتقاليد والعادات الشعبية بصحبة ما كانت تستخدمه من أدوات داخل وخارج البيت، ثم تجول بنا على المهن التي كانت رائجة واختفى غالبيتها اليوم.

المتحف البغدادي.. جولة رائعة بين عادات وتقاليد ومهن بغداد القديمة

لذلك فإن هذا المتحف يساعد في الحفاظ على التراث الغني ويضمن نقل تفاصيله الواقعية إلى الأجيال الجديدة وليس فقط ضيوف بغداد من الخارج، كما أنه يسلط الضوء على جانب مهم للغاية من الفولكلور الشعبي ونمط الحياة التقليدي للبغداديين القدماء حتى تطلع الأجيال على ماضيها البديع.

المتحف البغدادي.. جولة رائعة بين عادات وتقاليد ومهن بغداد القديمة

على سبيل المثال، يصور أحد المشاهد الأم «أم إبراهيم» وهي تعاتب ابنها «إبراهيم» المتزوج حديثاً على الاهتمام بعروسته الجديدة ونسيان أمه التي ربته وتعبت عليه، وهذا المشهد يذهب بنا إلى عاطفة الأمومة المصحوب بالغيرة وعلاقة الأم بكنتها، وكذلك يظهر تعلق الأمهات بأبنائهن وهو أمر شائع في العديد من المجتمعات الشرقية.

مشهد آخر يعرض حفل الزفاف «الزفة» ببساطته الشديدة، حيث كان سائداً في بغداد آنذاك أن يتوجه العريس برفقة الأهل والأقارب والأصدقاء مشياً على الأقدام في الحارات وهم يصفقون ويغنون والزغاريد تنطلق من كل بيت يمرون أمامه، ويحملون بعض تجهيزات العروسين، ليصلوا إلى بيت العروس وهناك تنطلق جولة صاخبة من الأغاني الشعبية والرقص المحتشم داخل غرفة النساء، قبل أن يصطحب العريس عروسته إلى منزلهما أو، على الأغلب، غرفتهما في بيت أهله.

المتحف البغدادي.. جولة رائعة بين عادات وتقاليد ومهن بغداد القديمة

وهناك مشاهد أخرى، مثل الحمام الشعبي في السوق، و«الزورخانة»، كلمة تركية الأصل، وهو بمثابة الصالة الرياضية اليوم ولكن بشكل بسيط للغاية وداخل الحمام الشعبي، و«الحفافة»، المرأة المتخصصة في إزالة الشعر، والكتاتيب التي يتعلم فيها الأطفال قراءة وحفظ القرآن.. وغيرها الكثير.

المتحف البغدادي.. جولة رائعة بين عادات وتقاليد ومهن بغداد القديمة

وهناك مشاهد أخرى رائعة تروي سيناريوهات الحياة الواقعية في بغداد قديماً، بما في ذلك مغني المقام التقليدي والموسيقيون العراقيون، طقوس الختان، تجمعات الشاي بعد الظهر، المقهى الشعبي، مصارعة الديكة.. وأكثر من ذلك بكثير، علاوة على المهن التي كانت تملأ شوارع بغداد مثل الإسكافي، وبائع المخللات «الطرشي»، وحداد السكاكين، والعطار، وبائع الأقمشة.. وغيرها، بحيث تذكرنا بمشاهد من ألف ليلة وليلة. وفي النهاية مكان مخصص لصور فوتوغرافية تاريخية لما كانت عليه الحياة والشوارع والناس في بغداد قبل عشرات السنين.