فنان الرسوم الجدارية الإيطالي جو بريسانا: جمهور دبي يعشق الفن وتوّاق لكل جديد وحصري
تعكس المساحة المُلهمة للفنان الإيطالي، جو بريسانا، إتقانه للرسومات الجدارية وتصميم الأثاث، فقد استطاع، ببراعة، مزج أنماط الفن التاريخي، بما في ذلك الباروك، والقوطي، والكلاسيكي الجديد، والانطباعية، والحرية، والحداثة، وهو الذي افتتح مؤخراً، أول صالة عرض لتصاميمه الداخلية في الشرق الأوسط، في حي دبي للتصميم، حيث كان لنا معه هذا الحوار عن كل تلك التجارب.
كيف اكتشفت حبّك لعالم التصميم الداخلي، وكيف بدأت رحلتك؟
بدأت رحلتي إلى عالم التصميم الداخلي منذ 25 عاماً. وعلى مرّ السنين، انغمست في الصناعة الفنية، مع التركيز، في الأغلب، على اللوحات الجدارية، وأنا فخور بأن أقول إنها كانت رحلة ناجحة تماماً. لقد عملت مع بعض أبرز الأسماء في قطاع العلامات الفاخرة، بما في ذلك «دولتشي أند غابانا»، و«فندي»، و«روجيه فيفييه»، و«تروساردي»، و«كافالي»، وغيرها، حيث قمت بتصميم مساحات تراوح من المتاجر الدائمة إلى المنصات المؤقتة وأجنحة المعارض التجارية.
ماذا يعني لك تواجدك في دبي؟
افتتحت صالتي الجديدة للعرض في حي دبي للتصميم في أكتوبر 2023. لقد كنت مولعاً دائماً بالشرق الأوسط، بخاصة دبي، بتقاليدها، ورؤيتها المستقبلية المذهلة. لذا، عندما أتيحت لي الفرصة للشروع في هذه المغامرة الجديدة، لم يكن عليّ أن أفكر مرتين. وبينما أتيحت لي العديد من الفرص لتأسيس حضور قوي في جميع أنحاء العالم، فإن دبي تمثل بالنسبة إلي تحدياً حقيقياً. وفي الوقت الحالي، أنا مشغول جداً بإنشاء شبكة جديدة من المعارف، وتعزيز حضوري هنا.
كيف ترى جمهورك هنا في المنطقة، وكيف تجده مختلفاً عن غيره؟
كل شيء يبدو لي جديداً بشكل لا يصدق، هنا في دبي، وأنا الآن بصدد اكتشاف أفضل اتجاه لكي أمضي فيه. أكثر ما يذهلني هو الرغبة الواضحة في اعتناق شيء جديد وحصري، حب حقيقي للفن الذي يتردد صداه بقوة. وهذا، في جوهره، هو سبب وجودي هنا، لأضع شغفي في إنشاء مساحات مملوءة بالجمال والألوان.
أخبرنا أكثر عن فن اللوحات الجدارية و«الحديقة المخفية» على وجه الخصوص؟
المساحة الغامرة «الحديقة المخفية»، هي أول مساحة يتم إنشاؤها هنا في دبي، وقد تم إنشاء أولى مساحاتي الغامرة في إيطاليا لمطعم Le Jardin de Russie بفندق «دي روسي» في روما، ونال تقديراً هائلاً على الفور، في جميع أنحاء العالم. كنت أرغب في إنشاء نوع من الواحة الخضراء المنعشة التي تعيدنا إلى نهاية القرن التاسع عشر، عندما كانت السيدات يتناولن الشاي في حدائقهن الشتوية الحصرية. ومع ذلك، فإن مفهومي أوسع قليلاً، لأنني من أشد المؤيدين للاستدامة البيئية وحماية كوكبنا الحبيب، لذلك كان الأمر بالنسبة إلي مثل القيام برحلة، حيث استعادت الطبيعة السيطرة على مساحتها. لقد كنت لسنوات أدرس التأثيرات العلاجية للطبيعة في النفس البشرية، ومدى أهمية البيئات الطبيعية للحفاظ على الصحة. «الحديقة المخفية» هي جزء من هذا، مساحة للراحة الذهنية والبدنية والجمال، حيث تمتزج العناصر مع قطع التصميم، ما يخلق بيئة مريحة وإبداعية.
هل من الضروري أن يكون مهندس الديكور على اطّلاع جيد بالفن، أم تكتفي الموهبة؟
أعتقد أن المعرفة العميقة بالفن، بكل الفنون، أمر أساسي، ليس كمسألة دراسية، ولكن لأنني مقتنع بأن المعرفة بشكل عام تحرّرك، تجعلك متحرراً في أن تكون قادراً على التعبير عن نفسك، وفي أن تكون قادراً على تحديد نوع التقنية التي تفضل استخدامها، والتجربة للعثور على أسلوبك الخاص. الأمر يشبه الموسيقي قليلاً، يجب عليه أولاً أن يعرف كيفية العزف على الآلات، ثم عليه أن يفهم ما هي الموسيقى التي يعزفها، أليس كذلك؟
ما هي فلسفتك في عالم التصميم؟
فلسفتي بسيطة جداً، تواصل مع قلبك ودعْه يرشدك، أنا مثل طفل، الفضول والإلهام يأتيان بشكل طبيعي، وغير متوقع، وهذا رائع لأن عليك فقط أن تدعه يجذبك، ويطلق العنان لنفسك. هذا كل شيء، بهذه البساطة.
كيف تستطيع المزج بين أنماط الفن التاريخية وأخرى أكثر حداثة وتطوراً؟
في البداية كان الأمر صعباً بالنسبة إلي، وهو نوع من الرفض التام لما نسميه الحديث والمعاصر. ثم أدركت ببطء أنه لا يوجد شيء معاصر، بل هناك رؤية حديثة لما نحب. فالفن والتصميم والأزياء والموسيقى، على سبيل المثال، تتكيّف مع ذوق العصر الذي نعيش فيه، لذا فهي دائماً معاصرة. لنأخذ السيارة الأولى التي دخلت حيز الإنتاج في ذلك الوقت، كان يُنظر إليها تماماً على أنها مستقبلية وحديثة، أما اليوم بالنسبة لتصورنا فهي عتيقة وقديمة الطراز مقارنة بالذوق الذي نشعر به.. أليس كذلك؟ ولهذا السبب أقول إنه لا يوجد فن، أو أي شيء آخر يمكن تعريفه بأنه معاصر، أو حديث.
تناولت عدداً من المشاريع المهمة والمعروفة من الفنادق والقصور، ما هو المشروع الأكثر أهمية بالنسبة إليك في مسيرتك؟
قدمت أعمالاً في أماكن جميلة حقاً، مثل فندق L'Hotel Eden في روما التابع لـ«دورتشيستر كوليكشن»، وL'Hotel De Russie في روما، وأنا الآن أعمل على مشروع لفندق L'Hotel Belmond Splendido في بورتوفينو، وغيرها الكثير. لقد كانت جميعها مهمة جداً في مسيرتي المهنية، لكني أعتقد أن أهمها لم يأت بعد.
الأمر الجميل هو ابتكار قطع تجمع بين الجماليات، والعملية، والراحة
إلى أي مدى تستطيع تحقيق التوازن بين جمال التصميم الداخلي وجوانبه العملية؟
لا أساوم في هذا الجانب؛ يجب أن تكون قادراً على إنشاء قطع تصاميم مجنونة، لكنها مناسبة للتعايش مع البشر. في بعض الأحيان يكون الأمر صعباً، لكنه الأساس، كما أن إنشاء قطع غير مريحة وغير قابلة للاستخدام ليس جيداً أيضاً، لأنه يجعلك تدرك أنك لا تملك الأساس الفني حقاً. بالنسبة إلي، الأمر الجميل هو ابتكار قطع تجمع بين الجماليات، والعملية، والراحة. خذ الأريكة، على سبيل المثال، يمكن أن تكون مذهلة بصرياً وتثير حسد الكثيرين، ولكن إذا تركتك تعاني آلاماً شديدة في الظهر، أو تنقلب عندما تجلس، فإنها تفقد جاذبيتها. تحقيق التوازن الصحيح هو الأساس. كما أؤكد أهمية استخدام المواد الطبيعية، إلى جانب الألوان السامة، لأن بشرتنا تمتصها، ولأننا مهمّون، والكوكب مهم.
إلى أي درجة تستعين بالحرفية الإيطالية في تصاميمك وتعتمد عليها؟
لا أركز كثيراً على الحرفية الإيطالية، نعم أعلم أن الأمر قد يبدو غريباً لأنني إيطالي، في الوقت الحاضر يمكننا أن نرى أن الدول الأخرى تقوم بمهارة حرفية رائعة، ممتازة حقاً، وذات جودة رائعة. مما لا شك فيه، كوني إيطالياً، فمن الأسهل بالنسبة إلي أن أتابع أعمال زميل فنان في إيطاليا. ومع ذلك، لا أستبعد إمكانية التعاون الجديد خارج إيطاليا. أجد الفكرة مثيرة للاهتمام، وأنا منفتح على استكشاف شراكات جديدة، حتى لو امتدت إلى ما وراء حدود بلدي الأصلي. وسنرى إلى أين قد تقودنا هذه الفرص.
أعمالك الفنية طالت الأقمشة، الجدران والأثاث.. أيها الأقرب إليك، ولماذا؟
اللوحات الجدارية بالتأكيد هي حبي الأول. يقولون إنك لن تنسى أبداً حبك الأول، وهذا صحيح. لقد بدأت عندما كنت طفلاً، وهذا هو الشيء الذي منحني أكبر قدر من السعادة حتى يومنا هذا، بالطبع أحب التجربة، وسأفعل ذلك دائماً، إنه الإبداع.
تصمّم قطعاً غير مكررة مصممة خصيصاً للعميل، ما هي خطوات تنفيذ كل قطعة، وكم من الوقت تستغرق عادة؟
أتواصل مع العميل وأفهم ذوقه وفكرته ومشروعه، ثم أبدأ بإعداد الرسومات والمفاهيم المقترحة. بعد ذلك، أبدأ العمل على التفاصيل: الأشكال والألوان والمواد. يتم بعد ذلك أخذ النماذج، وعندما تتم الموافقة عليها يبدأ الإنتاج، وهو ما أتابعه شخصياً في كل خطوة، وجانب. لقد تم إعداد قطعي بتفاصيل دقيقة، وأنا متطلب للغاية. يجب أن يحصل عملائي دائماً على الأفضل. قد تختلف المواعيد تبعاً لتعقيدات المشروع.
تعاونت مع العديد من العلامات الشهيرة، كيف تأثرت بتلك التجربة وكيف أثّرت فيها؟
كانت تجارب مهمة جداً، ومؤثرة بالنسبة إلي. كان علي، خاصة في البداية، أن أكسر حدودي، وأطور نفسي في كل مرة. يمكنني حقاً أن أشكر هذه الأعمال التعاونية لأنها جلبت الهيبة إلى مسيرتي المهنية، وجعلتني أكثر نضجاً في رحلتي الفنية.