أين ستسافر هذا الصيف؟.. للراحة والاستجمام أم لاستكشاف وخوض المغامرات؟
بين السفر التقليدي وسفر المغامرات، تتقاطع الآراء، وتختلف التوجهات. فالبعض يفضّل السفر التقليدي من باب الاسترخاء، والاستمتاع بأنشطة سياحية تقليدية سبق ومارسوها، في حين ينحو البعض الآخر باتجاه الاستكشاف وتغيير وجهات السفر دورياً، بحثاً عن أماكن ومعالم جديدة، والتّماس مع ثقافات مختلفة، وخوض مغامرات واختراق مناطق غير معروفة في بعض الأحيان.
فما هي دوافع السفر؟ ولماذا يفضل البعض تكرار التجربة نفسها بتفاصيلها، في وقت يتجه آخرون إلى معانقة المجهول والانغماس في مغامرات جريئة؟
مغامرة وتجربة مذاقات جديدة
تهوى دينا عويس النمطين من الأسفار، التقليدي و«خارج المألوف»، وتقول «السفر المغامراتي يهدف إلى الاستكشاف، وتغيير الجو، والتحرر من الروتين، وهذا شغفي الدائم، في وقت أفضّل السفر التقليدي في حال كنت أرغب في زيارة أهلي وأقاربي في عمّان والقدس، أو حتى تكرار الرحلة إلى مكان أعشقه، مثل روما وسويسرا».
في السفر الذي يواكب أنفاساً تجديدية، تبحث عويس دوماً عن الأطباق المحلية التقليدية لتجربة مذاقات جديدة، وعن مغامرات، وبعض وجهات للاستكشاف، في حين تخصص وجهات أخرى للاسترخاء والاستجمام.
الاستكشاف يغلب على معظم أسفاري
سبق أن سافرت فوزية الحمودي إلى وجهات عدّة، وهي تبحث في كل مرة عن الجديد والمغامرة، تبيّن «لا أحب التكرار، أو السفر إلى الأماكن نفسها. أبحث دوماً عن مكان جديد، حتى أني زرت أوروبا بأكملها، وأحاول دوماً استكشاف مناطق جديدة لم يسبق أن زرتها».
الاستكشاف لا يرتكز، بحسب فوزية، على المكان فقط «فالطبيعة، والطقس، والطعام، ورصد سلوكات الناس، والغوص عميقاً في ثقافة البلد، واستكشافه، كلها عوامل تساعدنا على فهم طبيعة البلد، وثقافته، وعيش تجربة جديرة لا تغادر الذاكرة».
وفي محاولة قطف ثمار أي سفر، تصف فوزية الحمودي حتى السفر التقليدي بالطابع المغامراتي «في حال كانت الوجهة جديدة، أو سبق وكررتها، فإني أعايش كل تفاصيل اللحظة، وأمارس الهايكينغ، والغوص، والقفز بالمظلات، وتكون المحطة متنفساً لتجربة كل شيء جديد، كما أركز دوماً في أسفاري على استكشاف متاحف جديدة».
دول أزورها مراراً ولا أشعر بالملل
يقول مينا كمال، صاحب مكتب سفريات «أنا أحجز الأسفار للناس، وأسافر في الوقت نفسه، وأصادف الكثير من الأفراد التقليديين الذين دأبوا على زيارة الأماكن نفسها، لأسباب عدّة، سواء تتعلق بالعائلة، أو شخصية الفرد التي لا تحب التجدد، أو التغيير».
وعلى صعيده الشخصي، يزاوج مينا بين توجّهين «أحب الاستكشاف والسفر إلى أماكن جديدة، وفي الوقت نفسه أسافر إلى أماكن سبق وزرتها من باب التّماس العاطفي معها، كدول مثل لبنان، وسويسرا، وماليزيا، وهي دول أكرر زيارتها لمرات عدّة، وبالأخص مع أسرتي، في حين أنحو باتجاه الاستكشاف في حال كنت مسافراً بمفردي».
ويلفت مينا إلى تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في خيارات البعض في السفر لجهة «تشجيعهم على التجديد، والبحث عن خيارات جديدة، فالتجديد يفتح الأفق أمام مغامرات شتى في السفر. فأنا شخصياً أستمتع بأجواء التخييم في الطبيعة، والنوم في أعالي الجبال، كما الاستمتاع بالطبيعة، ولكن بعيداً عن مستوى المخاطرة العالية، كما الخروج من المدن إلى الآفاق الرحبة للطبيعة».
لؤي الشوم خلال أحد أسفاره
يفضل لؤي الشوم السفر الاستكشافي، لأنه يطّل على الكثير من المغامرات، والأماكن الجديدة، والتجارب الجديدة، في حين أن السفر التقليدي يجسد نوعاً من «العادة» على الذهاب لدولة بعينها كل مرة، وإعادة سيناريو السفرة الأولى، بعيداً عن الخروج عن المألوف.
ويوضح، أن السفر الاستكشافي هو شغفه «هذا النوع من السفر هو الأكثر إقبالاً عليه من قبل الشباب، أو لمن يرغب في قضاء شهر العسل، أو من قِبل المتزوجين لتجديد حياتهم».
قصد هذا الشاب الصين «عشت في الصين مغامرات «غريبة عجيبة»، واطّلعت على الثقافة الصينية، بما تحمله من غنى وتنوّع. كانت تجربة أشبه برحلة إلى «كوكب جديد»، حيث التعرف إلى أنماط ثقافية جديدة، ومدى التأثير العميق للفلسفة، والديانات، واحترام التقاليد، وتقدير كل أنواع الفنون».
وينصح الشوم الأشخاص بعدم تكرار التجربة نفسها في السفر، لما تحمله التجربة من مشاق، ووقت للتحضير، والأفضل استثماره في تجربة استثنائية، مؤكداً أن السفر هو «من أفضل وأجمل الهوايات بالنسبة إلي حيث يتعلّم المرء تجارب لا يمكن تعلّمها في أي مجال آخر».
التّماس مع تفاصيل البلد متعة حقيقية
من جهتها، تقارن سميرة قسام بين السفر الذي لا يخرج عن نطاق تغيير الوجهة والانتقال إلى مكان آخر للتجديد، وبين نمط السفر المتجه نحو معايشة حقيقية للمغامرات، توضح «شخصياً، أحب السفر المغامراتي، لما تشكله التجربة من تماس مع طبيعة البلد الذي أزوره، ثقافته، أطباقه التقليدية، وحتى الشعب نفسه». تشرح سميرة أبعاد السفر «المتعة الحقيقية للسفر ليس الإقامة في فندق فاخر، بل التماس الحقيقي مع تفاصيل البلد الذي نسافر إليه، وعاداته، وتقاليده».
سبق وسافرت سميرة إلى تنزانيا، كينيا، أوروبا، اليونان، والسعودية، ودول أخرى، وعلى لائحتها المستقبلية مخطط للسفر إلى إندونيسيا، سيريلانكا، واكتشاف العديد من دول الشرق الأوسط.
خيارات السفر ترتبط بشخصية الفرد ولكن كيف يمكن استثمار فوائد هذين النمطين من السفر؟ وما هي الدوافع إلى اختيار البقاء في منطقة الراحة، أو الخروج إلى أفق مغامراتي في أسفارنا؟
ترصد خولة المطروشي، إرشاد أسري، النموذجين من محبّي السفر «هناك محبّو السفر التقليديون، ومحبّو التنوع والتجديد من خلال الأسفار، وهذا التوجه يعتمد على شخصية الفرد، حيث هناك فئة تتسم بتقدير عال للذات، وبالتالي نراها أكثر توجهاً للمجهول، والمغامرة، والتنويع على صعيد الأسفار، والدول، والمطاعم، بحيث تعشق المغامرة وتستمتع بالخروج من منطقة الراحة".
ترتبط بعض خيارات السفر بـالاضطرابات لدى الفرد من توتر، وخوف، وعدم شعور بالأمان وهذا النمط سائد لدى كبار السن
وترهن المطروشي توجه كل فئة ببيئة الفرد، وتكوينه الشخصي «الفئة الأولى التي تنحو باتجاه السفر المغامراتي تتسم بالثقة بالنفس، وبمهارات عالية، ولا يؤثر فيها حتى مجرد الفشل في السفر، أو بمعنى إذا كانت الرحلة دون توقعاتها، فتحاول أن تستفيد من التجربة إلى أقصى حد، وتستكمل رحلتها بسلاسة".
فئة أخرى لا تخرج عن نطاق الأسفار نفسها بالوجهات والمعالم والمطاعم، لكونها لا ترغب في الخروج من منطقة الراحة أو المجازفة:"ثمة عوامل تدفع البعض إلى الاكتفاء بالمسار التقليدي للسفر، ومنها فشل سابق نتيجة اختيار غير موفق للوجهة، أسباب مادية بحيث لا يرغب المرء في تحمّل مصاريف كبيرة، وعدم المجازفة في دولة غير معلومة بالنسبة إليه، فيعمد إلى تكرار السفر إلى دول سبق وزارها وشعر فيها بالراحة ,يختارون وجهة سبق وجرّبوها منعاً لأي مفاجآت، بحيث يعرفون الفندق، والمرشد السياحي، والمقاهي، والمطاعم، والشوارع، ومراكز التسوق، ولا يرغبون في بذل جهد، أو استكشاف دول أخرى».
ويستعيد البعض من محبّي السفر المغامراتي، عبر هذا النوع من السفر، مرحلة الشباب، وما تتسم به من مغامرة «تكون أشبه بتجديد حياته، ولكن يبقى الاختيار رهن التكوين النفسي للفرد. فالشخصية التي تفتقد الثقة بالنفس، وتعاني اضطرابات التوتر، والقلق، والخوف من المجهول، لا تعمد إلى المجازفة، كما أن المبلغ المادي قد يقف عائقاً أمام خيارات المغامرة، فضلاً عن التماهي مع تجارب الآخرين».
السفر يعزز علاقاتنا الأسرية
تهوى ليلى الموسى، استشارية أسرية، السفر كثيراً «أحب السفر، وأجد أن استكشاف الأماكن والترفيه يجدّد النفسية. فالأماكن الريفية والطبيعة، هما ملاذي أكثر من المدن، والسفر مع الأسرة هو الأولوية، ومن دونها لا أعتبره سفراً، لأن سعادتي مرتبطة بسعادة أسرتي».
من هذا المنطلق، يبدو من الطبيعي تلمّس فوائد السفر المغامراتي غير التقليدي، كما ثمار السفر الأسري التقليدي «فالسفر مع الأسرة يعتبر تجربة مميزة لأفراد الأسرة في تعزيز تواصلهم، وروابطهم العائلية. عدا عن ذلك، فإن السفر الذي يحتوي على أنشطة مغامراتية استكشافية يتيح للأسرة وأفرادها مشاركة التجارب والذكريات، وبالتالي إعادة بلورة علاقة أسرية، وزوجية يعززها الارتباط، والسعادة، ومهارات الحياة المكتسبة من خلال التواصل مع شعوب وثقافات أخرى، كما مهارات التعامل مع أي مواقف جديدة قد تواجهها».
وتخلص الموسى «من شأن السفر، مهما كان نمطه، أن يعزز التواصل والتعاون بين أفراد الأسرة، أو مع الأصدقاء، وكذلك توسيع مدارك الأفراد في ظل الاطلاع على ثقافات جديدة، وبناء الذكريات معاً، والاستمتاع معاً بعيداً عن الروتين اليومي».