تعرفوا إلى مركز "القطارة للفنون" في العين.. جماليات الفن وسط الطبيعة والتاريخ
يواكب مركز «القطارة للفنون» في العين جماليات مشهد آسر يزاوج بين دوره المميز في المشهد الفني والثقافي وبين احتضانه لمنظومة متكاملة من الأدوات التي تساهم في صناعة الأعمال الفنية بمختلف أنواعها. هنا، في مركز القطارة، لا يكتسب المكان اسمه من طبيعته الوظيفية والنوعية فحسب، بل من كل ما يحيط به من عناصر المكان والأحداث والتاريخ، فالتاريخ هنا حاضرٌ بقوة، تاريخُ الإنسان ولوذهِ إلى الفن والطبيعة، والتحامه ببيئته.
تأسس المركز في عام 2011 باعتباره حاضنةً ثقافيةً للأعمال الفنية والمعارض وإنتاج الفنانين الإماراتيين والمقيمين، ولكن تمتّد جذوره إلى أبعد من ذلك، إلى العصر الحديدي، حيثُ اكتشفت قطعٌ تراثيةٌ ولقي منذ تاريخ عام 1000- 600 قبل الميلاد. من هنا، لم يكن الفن طارئاً على المكان، وإنما قديمٌ ومتأصلٌ فيه، وهو الفن الذي تعزز حضوره في المركز الذي يعد مقصداً للزائرين المحبين لمشاهدة الأعمال الفنية، التي تتكامل بدورها بين الموسيقى والحرف اليدوية والرسم والتلوين وفنون الفخاريات والخط العربي.
يؤكد الفنان ياسر النيادي، اختصاصي برامح دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي، الأبعاد الثقافية والمجتمعية لـ«القطارة للفنون»، قائلاً «يحقق توازناً في مجموعة المواقع الثقافية التابعة لدائرة الثقافة والسياحة في أبو ظبي وفي العين بشكل خاص، ويشكّل منارة للفنون وبالأخص للراغبين بتعلم الفنون باختلافها وممارستها، حيث وجود مركز فني يساعد على أن يكون المجتمع جزءاً من الحركة الفنية في إطار الممارسة والتعليم والورش عبر استقطاب الناس المتمكنين على المستوى الأكاديمي والخبراتي».
لم يكتف المركز بالعملية التعليمية واستقطاب فنانين يقدمون دورات فنية للجمهور، بل يركز على جوانب أخرى تدعم الفنانين أنفسهم عبر بعض المعارض الفنية التكليفية، ما يجسد قدرة المركز على استقطاب مدارس مختلفة من الفنون والاهتمامات.
وجود مركز فني بالقرب من الواحة الحاضرة يعطي قوة وبعداً تاريخياً للمكان
لا يكتفي المركز بهذا البعد وفق النيادي «وجود مفهوم الاستوديو الفني متعدد الاستعمالات، إذ بالإمكان العمل على المشروع الفني من الناحية النظرية والتعلم في الاستوديو سواء التعلم الموسيقي والحرف اليدوية التي تحتاج إلى مكان مجهز لعدة استخدامات. كما أن وجود مركز فني بالقرب من الإلهام العضوي في المدينة، وهي الواحة الحاضرة (واحة الهيلي وواحة القطارة وواحة الجيمي)، يعطي قوة وبعداً تاريخياً للمكان، ولا بد لهذا الجمال أن يكون حاضراً في انعكاسه على المكان في الداخل».
وبالفعل، ينعكس هذا الجمال على روح المكان. فتصميم وبناء مركز القطارة للفنون في حد ذاته إشارةٌ وعلامةٌ ذاتيةٌ على التمسك بالأصالة وترسيخ الهوية، فالبيت المُنشأ من الطوب اللبِن صُممَ على الطراز المعماري المحلي، في تناسقٍ واضحٍ مع البيئة المحيطة، وكان من الطبيعي أن يُلحق به «مركز القطارة للآثار» والذي يعرض القطع الأثرية المكتشفة بالمنطقة، والدالة على توافد الحضارات عليها. كسرات فخارية من العصر الإسلامي المبكر، وبينها كسرة فخارية من العراق وإيران خلال فترة الخلافة العباسية وكسرة فخارية من الصين، تدل على نمو التجارة في المحيط الهندي (تبعاً للشرح في اللوحة) إلى كسرات فخارية من عصر ما قبل الإسلام (300 قبل الميلاد إلى 300 ميلادي) بالإضافة إلى فخاريات محلية تعود للعصر الحديدي الثالث (600 إلى 300 قبل الميلاد).
مركز القطارة للفنون، تأسس على قلعةٍ هي قلعة القطارة/ وحصنٍ قديمٍ «الدراميكي»، كانا شاهدينِ على تاريخٍ لم يعبر، إنما استمرّ قائماً في حياة الناس في «سوق القطارة» حيثُ تستمر تجربة إعداد الطعام الإماراتي ورقصة العيالة والحربية، والفنون الشعبية، والوجوه التي لم تتغير ملامحها على مدى مئات السنين، بالقرب من واحةٍ ظلّت على تكوينها منذ كانت، شاهدةً على المكان، وعامرةً بالبشر، حيث يعمل المركز، وفق النيادي، لـ«يكون الفن قريباً من الناس وقابلاً للاستكشاف عن قرب وغير معزول ويكون الإضافة الجمالية للحياة إلى جانب الحالة العامة المحيطة بالمكان وهي الداعم التاريخي والطبيعي لجغرافيا المكان».
هذا المكان يترجم صيغة الشخصية الإماراتية
يضيف النيادي «مركز القطارة للفنون يتسم بميزة خاصة وهو ارتباطه بالفن، وأنا أرتبط بالفن في مجال الفنون الأدائية والسينما، وهذا المكان يترجم صيغة الشخصية الإماراتية، إذ عند دخول القطارة نجد المبنى القديم المشيّد بالطين ويتداخل معه المبنى الحديث ببحثه عن الجانب المعاصر وهذا المذاق المختلط لخطين يسيران بالتوازي ما هو إلا انعكاس للشخصية الإماراتية».
يأخذك المركز إلى عالم آسر من المذاقات الفنية المختلفة، جمال ما يصطادك عبر اللون، الخط، الموسيقى وغيره، ثمة عمل يتوسط ساحة المركز للفنان جلال لقمان يشعرك بحالة من السلام ويتماهى مع طبيعة العين، هواء ينبعث من الواحة ويصطدم بالأجزاء المعدنية للعمل حيث الصورة تتكامل وتصبح أكثر بهاء مع فصل الشتاء ومنظر المطر والظلال المتغيرة والريح والنخلة وأشعة الشمس المتسللة من جنبات العمل تكسر رتابة العمل وتبرز حضوره.
معرض "الفيديو آرت"
في المعرض الجماعي للفيديو آرت، تجسد روح المكان عبر استحضار أمكنة ما زالت تشكل امتداداً لأرواحنا من محل تسجيلات يعود إلى عام 1976 ومتحف «شواهد في حب زايد» لمؤسسه عبدالله الكعبي، وغيرها من قصص عن قصة الممثل والمنتج الإماراتي سلطان النيادي ورحلته في صناعة الأفلام إلى افتتاحه المسرح الأول في مدينة العين، وحكاية مطعم حسام الأشهر في العين والذي يقدم الحمص والفلافل والفول.
سينما القطارة و"السويعية"
تعتبر زيارة مركز القطارة للفنون تجربة مختلفة تطّل بك على عوالم مختلفة عن بقية المواقع الثقافية وبينها البرامج المميزة، ومنها «سينما القطارة» وهو أول برنامج لعرض الأفلام في الهواء الطلق مع تبني السينما المستقلة والفنية، وبرنامج«السويعية» الذي يتزامن مع مهرجان الحرف والصناعات اليدوية وتستند فكرته على استقطاب مجموعة من المهارات والقدرات المتميزة عند المرأة الإماراتية في الزمن القديم والحاضر وتقديمها في سلسلة ورش يتكامل فيها الجانبان النظري والعملي، إلى برنامج مسرح القطارة، وبرنامج «مخاوير» الذي يولي اهتماماً بخطوط الأزياء ويحاول دفع المصممين إلى مناطق إبداعية.
يتكامل حضور التراث مع الفن والثقافة المعاصرة والبعد التاريخي العميق ليشكّل مركز «القطارة للفنون» في مساحة خاصة تتمتع بالفرادة وعناصر الإلهام.يواكب مركز «القطارة للفنون» في العين جماليات مشهد آسر يزاوج بين دوره المميز في المشهد الفني والثقافي وبين احتضانه لمنظومة متكاملة من الأدوات التي تساهم في صناعة الأعمال الفنية بمختلف أنواعها. هنا، في مركز القطارة، لا يكتسب المكان اسمه من طبيعته الوظيفية والنوعية فحسب، بل من كل ما يحيط به من عناصر المكان والأحداث والتاريخ، فالتاريخ هنا حاضرٌ بقوة، تاريخُ الإنسان ولوذهِ إلى الفن والطبيعة، والتحامه ببيئته.
* تصوير: السيد رمضان