ديالا نسيبة: معرض فن أبوظبي 2022.. وجهة للاستكشاف الفنون المتنوعة
كان لنشأتها وسط عائلة متذوقة للفن تهوى جمع الأعمال الفريدة الأثر في عشقها لهذا المجال، حصلت على شهادة الماجستير في الفنون المعاصرة في جامعة غلاسكو بالمملكة المتحدة، وشغلت على مدار 10 سنوات عدة مناصب إدارية عليا في مؤسسات فنية خارج الدولة.
هي ديالا نسيبة، مديرة معرض «فن أبوظبي»، التقيناها لتكشف لنا الستار عن تفاصيله وتستعرض جانباً من حياتها الخاصة:
ديالا نسيبة مع فريق عملها في معرض «فن أبوظبي»
درستِ الأنثروبولوجيا وهو علم مختص بطرق التفكير، هل وجدتِ رابطاً بينه وبين الفن؟
نعم بالتأكيد، فالأنثروبولوجيا تعنى بدراسة التنوع وفهمه من حيث طرق التفكير المختلفة والكينونة في العالم، والفن يقدم المنحى ذاته ويسير في نفس المجال، كما حصلت على ماجستير في الفنون المعاصرة في جامعة غلاسكو بالمملكة المتحدة ضمن اهتمامي بالتعليم الأكاديمي، الذي يتماهى مع مجال عملي.
حدثينا عن دورك ومسؤولياتك في إدارة والإشراف على إحدى أكبر وأهم التظاهرات الفنية في الإمارات «فن أبوظبي»؟
بصفتي مديرة معرض «فن أبوظبي»، أعمل عن كثب مع فريق متكامل لتنظيم هذا الحدث وتقديمه في أفضل صورة كل عام، إذ يحتضن «فن أبوظبي» 80 من صالات العرض من 25 دولة حول العالم، ويقدم أعمالاً لفنانين ناشئين ومخضرمين، إلى جانب صالات العرض التي تتيح لعشاق الفن شراء الأعمال الفنية. كذلك ننظم عدداً من المعارض والبرامج التكليفية للفنانين، ويتمثل دوري في اختيار محتوى المعرض والأعمال الفنية المشاركة فيه، بما في ذلك اختيار القيمين الفنيين والفنانين المشاركين، مروراً بالمعارض وأقسامها، وصولاً إلى تصاميم صالات العرض واختيار الفنانين الناشئين المشاركين في برنامجنا السنوي «آفاق: الفنانون الناشئون»، وأحرص في كل عام على أن يكون المعرض وجهة للاستكشاف والتعرف إلى الأنماط الفنية المتنوعة من حول العالم.
تفاعل الزوار مع الأعمال المشاركة في معرض «فن أبوظبي»
ما جديد النسخة الـ 14 من معرض «فن أبوظبي»؟
تركز صالات العرض خلال نسخة العام الحالي على فنون منطقة المغرب العربي تحت إشراف القيمة الفنية ومؤرخة الفنون وأستاذة الفلسفة التونسية رشيدة التريكي، كما دعا «فن أبوظبي» كلاً من مديرة صالات العرض جايد يشيم تورانلي والصحفية الفنية ريكاردا ماندريني للقيام بمهام القيمتين الفنيتين لأقسام أخرى من المعرض، إذ ستركز جايد على عرض أعمال من صالات عرض ولفنانين من تركيا، وستستقطب ريكاردا صالات عرض متنوعة من مختلف دول العالم، بينما تضم أقسام معرض فن أبوظبي معرض «حياتي في الميتافيرس»، تحت إشراف وتنسيق الدكتور عمر خليف، ومعرضاً خاصاً يتألف من 57 كتاباً فنياً بتكليف من دار دونغولا للنشر لفنانين من جميع أنحاء المنطقة، كما ستحتضن نسخة 2022 من المعرض أعمالاً تكليفية جديدة لعدد من الفنانين ستعرض في مواقع تاريخية في مدينة العين.. وللطهي فنون أيضاً، فلدينا تجربة خاصة في هذا المجال ستبهر زوار المعرض.
ما المعايير التي وضعتموها أثناء اختيار القيّمين الفنيين لنسخة العام الحالي من المعرض؟
نعتمد عادة على اختيار القيّمين الفنيين بناء على خبراتهم وتجاربهم في موضوع المعرض، ووقع اختيارنا هذا العام على من لديهم خبرة في المجالات التي أردنا سبر أغوارها في نسخة المعرض الجديدة مثل الكتب الفنية، وعالم الميتافيرس، وفن الطهي، وتم اختيار القيّمين الفنيين لصالات العرض وفقاً لخبراتهم في نطاقات جغرافية محددة، فمثلاً التركيز على فنون المغرب العربي وتركيا تطلّب اختيار خبيرتين من هاتين المنطقتين.
الفنان إذا انشغل بأموره الحياتية يعيش وهناك شيء ينقصه ولا يجد نفسه سوى بابتكار عمل فني يشعره بوجوده ويحقق له السعادة التي ينشدها
هل تحرصين على اقتناء أعمال فنية متميزة في كل مرة يتم فيها تنظيم «فن أبوظبي» وضمها إلى مجموعتك؟
بالتأكيد، فمن الصعب أن تنظّم معرضاً فنياً وأن تشاهد كل هذا الإبداع الفني عن كثب من دون أن تشتري أحد الأعمال الفنية المعروضة، وهذا ما أقوم به كل عام.
عملتِ على مدار 10 سنوات في العديد من المؤسسات الفنية العالمية، هل يمكنكِ أن تخبرينا عن بعض المهارات التي اكتسبتها وطورتها طوال الأعوام الماضية؟
بدأت مسيرتي المهنية في المجمع الثقافي بأبوظبي، ثم عملت بعدها في كل من روما وإسطنبول ولندن، وكان الهدف الرئيسي من كل وظيفة على اختلاف المناصب التي شغلتها لمدة 10 سنوات، هو بيع شيء ما، سواء كان ذلك من خلال العلاقات العامة القائمة على فن تسويق الصورة الذهنية وبيعها أو بيع الأعمال الفنية عبر معرض فني أو بيع الكتب في مؤسسة ما، فمعظم الوظائف التي عملت بها تتضمن البيع والتجارة بطريقة أو بأخرى، فكيف لو كان ذلك في شيء أحبه؟فبالطبع يكون الشغف أكثر والعمل بحب أكبر.
من أعمال فرح القاسمي، فنانة الحملة البصرية في معرض فن أبوظبي 2022
أخذتم على عاتقكم تمكين المواهب الشابة ودعمها، فما أهم المبادرات التي أطلقتموها لدعم الفنانين الشباب؟
يعد «آفاق: الفنانون الناشئون» هو المفضل لدي، وهو برنامج سنوي يتم من خلاله تكليف 3 فنانين ناشئين من الإمارات لتقديم أعمال فنية جديدة، إذ تُعرض الأعمال الإبداعية خلال نفس العام ثم على المستوى الدولي في العام الذي يليه، وفي عام 2021 تم إطلاق «أصدقاء فن أبوظبي»، وهي مبادرة تدعم المشهد الفني الحيوي في الدولة، من خلال تقديم نموذج للعمل الخيري الموجه للقطاع الثقافي والفنون، فبلا شك تمكين المواهب الشابة خطوة تهدف إلى تشجيع أفراد المجتمع للنشاط الإبداعي المستقل بما يخدم الفن المحلي.
تُقام مجموعة من المعارض الفنية في الوقت الراهن افتراضياً، كيف تقيمين فرص نجاحها، وهل يمكن أن تحل بديلاً عن المعارض الحية؟
بالطبع حققت المعارض الفنية الافتراضية خلال فترة تفشي جائحة «كورونا» نجاحاً كبيراً، لأن مرتادي المعارض اضطروا إلى التكيف مع الحظر والتغلب على التحديات، وعلى الرغم من أن العديد من الممارسات التي ظهرت أثناء الجائحة مثل مشاهدة الأعمال الفنية عبر الإنترنت، والشفافية حول أسعار الأعمال، وغيرها، لا تزال تُطبق إلى اليوم، إلا أنها لا يمكنها أن تحل محل تجربة مشاهدة الأعمال الفنية مباشرة.
ما أول عمل فني اقتنيته وأكثر شيء أعجبكِ فيه؟
هو عمل ليثوغرافي (طباعة حجرية) لأحد أعمال بيكاسو تعود لتاجر الفن أمبرواز فولارد، اشتريته من معرض فني صغير عندما كنت طالبة ما زلت أدرس في فينيسيا، إذ كنت أطمح في ذلك الوقت بأن أصبح وسيطاً فنياً وأن أعمل مع فنانين. أما أول عمل اشتريته من الأعمال الفنية التي عُرضت في «فن أبوظبي»، فكان للفنان محمد أحمد إبراهيم في عام 2016 في صالة عرض كوادرو، والذي تتركز اهتماماته الرئيسة على العمل مع المواد الطبيعية وابتكار فن الأرض، وقد اختار الجناح الوطني لدولة الإمارات في بينالي البندقية هذا الفنان لتمثيله في نسخة العام الحالي من المعرض.
كل فنان يحتاج إلى صالة عرض تهتم بإبراز إبداعاته، وملاحظات نقدية ومناقشة فنيه مع أشخاص آخرين من أجل تطويره، وهنا يأتي دور مدير صالة العرض
ما الدور الذي أدّته عائلتك في تنمية شغفك بالفنون؟
كان لوالدي دور كبير في حبي للفن، فهو من عشاقه ويمتلك مجموعة فنية متميزة على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وجنوب آسيا تعكس التاريخ الفني الغني والعريق للمنطقة على مدار العقود الماضية وصولاً إلى اليوم، كما يعود الفضل في عشقي للفنون كذلك إلى عمّتي منيرة نسيبة، وهي فنانة موهوبة على الرغم من توقفها عن مزاولة الفن لفترة من الزمن، وما زلت أحاول أن أضيف أحد أعمالها الفنية لمجموعتي الآن.
هل حياة الفنان مختلفة عن غيره؟ وما الذي يحتاجه ليكون قادراً على الإبداع وإظهار شغفه بالفن؟
بالطبع مختلفة، فالفنان إذا انشغل بأموره الحياتية يعيش وهناك شيء ينقصه ولا يجد نفسه سوى بابتكار عمل فني يشعره بوجوده ويحقق له السعادة التي ينشدها من هذه الحياة، فمثلاً زوجي يحب الرسم ويحن إليه إذا ما ابتعد عنه لفترة طويلة، ويشعر بالسعادة عند الانتهاء من عمل بدأه.
أما ما يحتاج إليه الفنان هو وجود صالة عرض تهتم بإبراز إبداعاته، كما يحتاج أيضاً إلى ملاحظات نقدية ومناقشة فنيه مع أشخاص آخرين من أجل تطويره، وهنا يأتي دور مدير صالة العرض، الذي يمكنه توفير ذلك ويقدم نقداً بناء له، وأتذكر في إحدى المرات قالت لي إحدى صديقاتي وهي فنانة، أن اختيار صالة العرض أشبه بارتباط عقلين، وهو ما أراه وصفاً جميلاً لهذه العلاقة المهمة في حياة الفنان.
* تصوير: محمد السماني