02 سبتمبر 2024

د. حسن مدن يكتب: اضحكوا كلّ يوم

كاتب بحريني، يكتب زاوية يومية في جريدة "الخليج" الإماراتية بعنوان "شيْ ما"، صدرت له مجموعة من الكتب بينها: "ترميم الذاكرة"، "الكتابة بحبر أسود"، "للأشياء أوانها"، &a

د. حسن مدن يكتب: اضحكوا كلّ يوم

«اضحكوا كل يوم».. هذه ليست نصيحة نُوجهها لكم، على جري ما يفعل مدرّبو الصحة النفسية وما يعرف بالتنمية الذاتية وما إليهما، وإنما هي أمر. نعم؛ أمرٌ أصدرته محافظة في اليابان تدعى «ياماغاتا»، تُعد جزءاً من جنوب منطقة توهوكو، وفق تشريع أقرّه البرلمان هناك..

ينصّ على ضرورة أن يضحك السكّان مرةً واحدة على الأقل يومياً، وأن يحاولوا قدر الإمكان خلق بيئات عمل مليئة بالضحك، وعززت المحافظة ذلك بأن جعلت من الثامن من كل شهر يوماً لتعزيز الصحة من خلال الضحك.

في تفسيرها لضرورة هذا التشريع قالت المحافظة: إنه يهدف إلى تعزيز الصحة البدنية والنفسية للأهالي، واستعان من قدّموا المشروع قبل إقراره بأبحاث علمية أجرتها كلية الطب بجامعة ياماغاتا، أشارت إلى أن الضحك يمكن أن يسهم في تقليل معدلات الوفيات الناتجة عن مختلف الأمراض، بما في ذلك أمراض القلب والأوعية الدموية..

فضلاً عن فوائد صحية أخرى متعددة للضحك المنتظم، ليست هذه الدراسة الوحيدة التي أظهرت منافع الضحك، بل ثمّة دراسة أخرى أجريت سنة 2020، وجد القائمون عليها أن الأشخاص الذين لا يضحكون كثيراً ولا يضحكون أبداً يعانون من معدلات وفيات عالية، بالإضافة إلى ذلك..

يمكن للضحك أن يقوي جهاز المناعة ويُحسن من العلاقات الاجتماعية، وحسب دراسات علمية سابقة، فإن منطقة في الدماغ مسؤولة عن الضحك، ما يرجح أن الضحك العفوي يأتي حين يشعر الناس بالفرح، في ما الضحك بحدّ ذاته، لا يؤدي إلى الفرح، فهناك أيضاً «ضحك كالبكاء»، إذا ما استعرنا قول أبي الطيب المتنبي.

قرار المحافظة اليابانية بحمل الناس على الضحك، وإن انطلق من نيّة طيبة، بتعويد الناس على أن يضحكوا ويفرحوا ويحبّوا الحياة، وألا يستسلموا للحزن أو الشعور بالخيبة والإحباط، لم يكن من شأنه أن يمرّ بدون معارضة..

فالضحك لا يفتعل أو يفرض بقرارات عليا وأوامر من السلطة، إنه تعبير عفوي عن مشاعر بهجة نحسّ بها جرّاء بواعث مختلفة، لذا يأتي الضحك من تلقاء نفسه دون إملاء من أحد، حتى من الضاحك نفسه، الذي يجد نفسه محمولاً على الضحك أحياناً من مشهد ما أو واقعة ما أو سلوك ما، حتى لو حاول كتم ضحكه لأي اعتبار كان..

لذا كأننا بلسان حال من عارضوا هذا التشريع نقول: «دعونا في حال سبيلنا، لا تحددوا لنا متى وكيف نضحك، سنضحك وقت شعورنا بالحاجة للضحك، لا في الوقت الذي تريدوننا أنتم أن نضحك فيه».

وفق هذا الفهم اعتبر الأمر الياباني بالضحك يومياً تعديّاً على الحريات الشخصية للمواطنين، وهذا ما ذهبت إليه أحزاب يسارية وليبرالية في البرلمان رأى من يمثلها من النوّاب أن الضحك أو عدمه هو من الحقوق الأساسية التي يكفلها الدستور الياباني..

كما عبّر البعض عن قلقهم من أن القانون قد يكون تمييزياً ضد الأشخاص الذين يواجهون صعوبة في الضحك بسبب أمراض أو ظروف صحية أو حالات نفسية، وهي اعتراضات حملت الداعمين للقانون على القول بأن الهدف منه ليس إجبار الناس على الضحك، وإنما تشجيعهم عليه، خاصة وأنه لا ينص على عقوبات تفرض على من لا يلتزمون به.