23 سبتمبر 2024

حوريات "كنز قارون".. أساطير بحيرة موريس المسحورة في مصر

محرر متعاون - مكتب القاهرة

حوريات

تعانق مياه بحيرة قارون رمال الصحراء في تناغم فريد، ليضفي على البحيرة، التي تمتد على مساحة تزيد على ثلاثمائة كيلو متر مربع من الناحية الشمالية لمدينة الفيوم المصرية، مزيداً من الجمال والغموض في آن..

إذ ظلت تلك البحيرة التي يرجع تاريخ تشكلها إلى عصور ما قبل التاريخ، مهداً للعديد من الحكايات والأساطير، التي لا تزال حية في الذاكرة الشعبية حتى اليوم، وتتناقلها الأجيال على مر العصور.

حوريات

تجذب البحيرة بأجوائها الساحرة، وما يحيط بها من غموض، آلافاً من المغامرين وعشاق السياحة والاستجمام على حد سواء، بما توفره لزوارها من راحة وهدوء، إذ لا يتوقف الاستمتاع بأجوائها الفريدة بطبيعتها الساحرة التي تجمع بين الماء والخضرة وغموض الصحراء، وإنما يمتد أيضا إلى ما تضمه من كنوز أثرية وحكايات تضرب بجذورها في عمق التاريخ المصري القديم.

حوريات

حوريات

ترجع كثير من الدراسات الجيولوجية تاريخ تشكل تلك البحيرة إلى القرن الخامس قبل الميلاد، حيث كانت تصل مساحتها الكلية إلى ما يزيد عن 2500 كيلومتر مربع، قبل أن تنحسر عنها المياه، لتخلف مع مرور الزمن هذه البحيرة المملوءة بالألغاز والأساطير..

ومن أبرزها تلك الأسطورة التي يعتقد فيها كثير من الصيادين المحليين في المنطقة، والتي تقول: إن كنوز قارون الذي ورد ذكره في القرآن الكريم، في عهد نبي الله موسى عليه السلام، ما تزال قابعة في قاع البحيرة، تنتظر من يخرجها إلى النور.

حوريات

تبعد بحيرة قارون عن مدينة الفيوم المصرية بنحو سبعة وعشرين كيلومترا غرب نهر النيل، الذي لا تفصله عن البحيرة سوى مسافة خمسين كيلومترا، وتمتد البحيرة في صحراء الفيوم على مساحة تصل إلى ثلاثمئة وثلاثين كيلومتراً مربعاً، بينما يصل طولها إلى أربعين كيلومتراً، وعرضها نحو سبعة كيلومترات..

وهي تمثل حسبما يقول الجيولوجيون، ما تبقي من بحيرة «موريس العظيمة» التي تشكلت في تلك المنطقة قبل آلاف السنين، وكانت مساحتها تزيد عن عشرة أضعاف مساحة البحيرة الحالية، التي تطل في الجزء الشمالي منها على منطقة جبل قطراني..

وهي منطقة صخرية من الحجر الجيري تحفل بالعديد من بقايا حفريات ثديية قديمة تقول بعض الدراسات المتخصصة أن عمرها يصل إلى عشرة ملايين عام، ومن بينها حفريات عثر عليها قبل سنوات قريبة لأقدم قرد في العالم، وهو ما يطلق عليه «قرد الإيجبتيوس» إلى جانب بعض الأشجار المتحجرة من ذلك الزمان السحيق.

حوريات

لا يعرف أحد على وجه الدقة سبب تسمية البحيرة بهذا الاسم، الذي كان سبباً في انتشار تلك الأسطورة القديمة التي تقول: إنها مكان الخسف الذي ضرب قارون في عصر نبي الله موسى، لكن كثير من المؤرخين يرجعون السبب الحقيقي في التسمية إلى كثرة الخلجان التي كانت موجودة في تلك المنطقة قبل آلاف السنين..

وقد كان المصريون القدماء يطلقون عليها اسم «قرن»، وهو الاسم الذي ما يزال حاضراً حتى اليوم في أسماء بعض القرى الصغيرة التي تحيط بالبحيرة من ناحية الغرب، والتي يسبق اسمها كلمة قرن، مثل قرن أبو نعمة وقرن المحاطب، وقرن الجزيرة، وجزيرة القرن الذهبي..

وهو ما كان سبباً رئيساً في إطلاق اسم «بحيرة القرون» على البحيرة في الزمان البعيد، قبل أن يتم تحريف الاسم على مر العصور إلى بحيرة قارون، وهو ما ينفي بوضوح وجود أي علاقة بينها وبين قصة الخسف التي تعرض لها قارون في عصر النبي موسى عليه السلام.

حوريات

كانت الفيوم في الزمان الغابر، حسبما يقول الدكتور سعيد عبد الحفيظ، أستاذ الدراسات التاريخية بكلية الآثار جامعة القاهرة، عبارة عن بحيرة كبيرة، ولعل اليابسة فيها كانت تمثل ما يشبه جزيرة صغيرة في قلب بحيرة موريس القديمة..

وما يؤكد ذلك هو أن مسمي «الفيوم» مشتق بالأساس من الاسم المصري القديم لكلمة بحيرة والذي يعني بالهيروغليفية القديمة «بيوم»، وهو الاسم الذي تضمنته أيضا العديد من مخطوطات «هيرودوت» عن تاريخ مصر القديم، عندما تحدث عن تلك البحيرة الكبيرة التي كانت تخزن المياه لمدة تصل إلى ستة أشهر..

وتمد الأراضي بالمياه لمدة مماثلة، وقد حدث ذلك في عهد الأسرة الثانية عشرة، عندما قرر الملك أمنمحات الثالث بناء قناة تصل نهر النيل بذلك المنخفض الذي يقع شمال غرب مدينه بني سويف، لتخزين مياه النهر طيلة أشهر الفيضان.

حوريات

حوريات

تحفل مدينة الفيوم بعشرات من الحكايات القديمة عن تلك الحورية التي تخرج في الليالي المقمرة لتجلس على شاطئ البحيرة، وهي تطلق عقيرتها بالغناء، حتى إذا ما اقترب منها أحد الصيادين الذين ينتشرون بمراكبهم الصغيرة في مياه البحيرة، أخذته معها إلى الأعماق السحيقة..

ويقول العجائز من سكان القرى المحيطة إن تلك الحورية هي واحدة من حراس كنز قارون الغارق أسفل مياه البحيرة، والذي لم يتمكن أحد من الوصول إليه حتى اليوم، ومن العجب أن تلك الحكاية الأسطورية وجدت على مدار عقود العديد من المهووسين، الذين حاولوا الغوص إلى أعماق البحيرة أملاً في العثور على تلك الكنوز الغارقة، قبل أن يخرجوا بخفي حنين.

حوريات

حوريات

لا توفر بحيرة قارون للزائر المتعة السياحية والثقافية الفريدة فحسب، بل تمنح عشاق التاريخ أيضاً نزهة ساحرة في العديد من المواقع التاريخية على بعد كيلو مترات قليلة من شاطئ البحيرة..

وعلى رأسها منطقة وادي الحيتان التي تبعد بنحو أربعين كيلومتراً جنوب بحيرة قارونن وقد صنف الوادي ضمن موقع التراثي العالمي، بما يحتويه من حفريات لحيتان قديمة تعود إلى ملايين السنين، وهو ما يجعله متحفاً طبيعياً في الهواء الطلق، وأحد أبرز المحطات في محمية قارون الطبيعية، التي تحيط بالبحيرة.

حوريات

حوريات

كما تُعد موطناً للعديد من الطيور المهاجرة والنباتات النادرة، إلى جانب العديد من المناطق الأثرية، الموجودة علي سواحل البحيرة، والتي تروي جانباً من التاريخ الفرعوني والروماني القديمين، مثل معبد الصاغة ومعبد قصر قارون، ومنطقة أهريت، ودير أبو ليفة العتيق..

بالإضافة إلى هرم هوارة، الذي يعد أحد أهرامات الفيوم الثلاثة، مع هرم اللاهون وسنفرو في سيلا، ويتميز الهرم ببنائه الذي شيد من الطوب اللبن المكسي بالحجر الجيري، ويحتوي على دهاليز وحجرات كثيرة تنتهى بحجرة الدفن..

ويجاور الهرم بقايا ما يعرف بقصر التيه «الابيرنت»، الذي كان معبداً كبيراً بناه أمنمحات الثالث، ويضم 12 بهواً مسقوفاً، وأكثر من ثلاثة إلاف حجرة نصفها ما يزال مطموراً أسفل الأرض، ولا يظهر منها سوى بعض آثار أعمدة الطابق العلوي.

اقرأ أيضاً: اكتشفوا غرائب محمية وادي الحيتان بالفيوم

* تصوير- أحمد شاكر