16 يوليو 2024

مستمرة منذ أكثر من قرن.. رحلات النيل الفاخرة تستكشف روعة تاريخ وطبيعة مصر

محرر متعاون - مكتب القاهرة

محرر متعاون - مكتب القاهرة

مستمرة منذ أكثر من قرن.. رحلات النيل الفاخرة تستكشف روعة تاريخ وطبيعة مصر

تمخر المراكب التي تعمل بالبخار عباب النيل في مصر، في رحلات دورية ينطلق بعضها من القاهرة باتجاه أسوان جنوباً، في رحلات فريدة تستغرق قرابة أسبوعين.

تنقل خلالها الراكب في رحلة عبر الزمن، إلى بدايات القرن التاسع عشر، للاستمتاع بتلك المشاهد البديعة للحقول المترامية، والقرى والمدن المتراصة على شاطئ النهر الخالد، في سكون لا يقطعه سوى ألحان الموسيقى الكلاسيكية، وصوت محركات المراكب البخارية القديمة، وهي تقلب مياه النيل في دِعة تليق بمراكب ملَكية عتيقة.

مستمرة منذ أكثر من قرن.. رحلات النيل الفاخرة تستكشف روعة تاريخ وطبيعة مصر

تنقل عشرات من البواخر السياحية آلاف السائحين في رحلات منتظمة، بين الأقصر وأسوان جنوب مصر، تستغرق ما بين أربعة إلى خمسة أيام.

يتنقل خلالها الراكب بين العديد من المواقع الأثرية المتاخمة لشاطئ النهر، بدءاً من معبد الكرنك ومعبد الأقصر مروراً بمعبد حتشبسوت، ووادي الملوك، وتمثالَي ممنون في الأقصر، مروراً بمعبد ادفو، ومعبد كوم أمبو، انتهاء بمعبد فيلة، والسد العالي في أسوان.

مستمرة منذ أكثر من قرن.. رحلات النيل الفاخرة تستكشف روعة تاريخ وطبيعة مصر

مستمرة منذ أكثر من قرن.. رحلات النيل الفاخرة تستكشف روعة تاريخ وطبيعة مصر

ولكن الرحلات الفاخرة التي تقدمها المراكب البخارية هي الأكثر إثارة، ليس فقط بسبب طول الرحلة التي تنطلق من القاهرة باتجاه أسوان، والتي تستغرق قرابة أربعة عشر يوماً، وإنما أيضاً بما توفره تلك البواخر، التي بنيت في نهايات القرن الثامن عشر، من متعة وترفيه لنزلائها.

لا تتوقف عند حد الاستمتاع بما تقدمه من خدمات شديدة التميز، وإنما أيضاً بأثاثها الملكي الفاخر الذي لا يزال على حاله رغم مرور أكثر من قرن على بنائها، كأن لم تمسسه يد بشر.

مستمرة منذ أكثر من قرن.. رحلات النيل الفاخرة تستكشف روعة تاريخ وطبيعة مصر

مستمرة منذ أكثر من قرن.. رحلات النيل الفاخرة تستكشف روعة تاريخ وطبيعة مصر

وتعد الباخرة «مصر» واحدة من أقدم المراكب البخارية السياحية، التي تعمل بين القاهرة وأسوان، وهي واحدة من بين خمسة مراكب بخارية يرجع تاريخ بنائها إلى نهايات القرن الثامن عشر، وبدايات القرن التاسع عشر.

وقد كانت تلك البواخر مملوكة في بادئ الأمر إلى شركة توماس كوك الإنجليزية، التي تأسست عام 1841، وكانت واحدة من بين كبريات الشركات السياحية التي ظهرت في العالم، وكان ذلك أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت الخديوي إسماعيل إلى أن يمنحها امتياز إدارة البواخر الخديوية العاملة بين القاهرة وأسوان في عام 1870.

قبل أن تنجح الشركة، بعد سنوات قليلة، في مدّ صلاحية الامتياز ليصل إلى الحدود السودانية عند الجندل الثاني، وتوسع أعمالها لتتجاوز العمل السياحي وبناء عدد من الفنادق التاريخية في الأقصر وأسوان، ثم إلى التخصص في نقل البريد الحكومي عبر نهر النيل.

مستمرة منذ أكثر من قرن.. رحلات النيل الفاخرة تستكشف روعة تاريخ وطبيعة مصر

لم تكن رحلات شركة توماس كوك تقتصر في ذلك الوقت على الرحلات النيلية من القاهرة إلى أسوان فقط، بل امتدت لتنظم العديد من الرحلات، بدءاّ من الإسكندرية شمالاً، حتى خزان أسوان في الجنوب.

حيث كانت الذهبيات، وهي مراكب شراعية صغيرة، تنتظر السياح بالقرب من ميناء الإسكندرية لتأخذ طريقها عبر ترعة المحمودية، إلى منطقة العطف بالقاهرة، قبل أن ينتقل السائح إلى المراكب البخارية الضخمة ليكمل رحلته عبر نهر النيل إلى أسوان.

مستمرة منذ أكثر من قرن.. رحلات النيل الفاخرة تستكشف روعة تاريخ وطبيعة مصر

وقد ظلت تلك الرحلات تنطلق دورياً حتى بواكير القرن التاسع عشر، قبل أن توقف الحرب العالمية الأولى، ثم الثانية، عملها مؤقتاً، وتدخل الحكومة المصرية على الخط فتؤول ملكية عدد كبير من هذه البواخر إلى ملكيتها، بعد دخول عدد من رجال المال في مصر على الخط، فيتم بيع الباخرة «آرابيا» التي كانت مملوكة لشركة توماس كوك إلى أحمد بك يوسف الطويل في عام 1949.

ويشتري جمال الدين العبد بك الباخرة «مصر» في العام التالي، ومن بعدها تؤول ملكية الباخرة «السودان» إلى فؤاد سراج الدين باشا، وتنجو الباخرة «بريطانيا» من قبضة رجال المال المصريين، وإن ظل نشاطها قاصراً حتى نهاية الأربعينيات على العمل كفندق عائم مكون 38 غرفة.

مستمرة منذ أكثر من قرن.. رحلات النيل الفاخرة تستكشف روعة تاريخ وطبيعة مصر

ترقد العديد من هذه البواخر النيلية العتيقة التي شيدت على شاطئ النهر مثل قطع ضخمة من الخردة، بعدما توقفت عن الإبحار، وعلاها الصدأ، ومن بينها واحدة من بواخر البدالات البخارية، التي بناها في الأصل فيرفيلد جلاسكو في عام 1886.

وقد عملت تلك الباخرة لسنوات عدة بين منطقتي وادي حلفا، وأسوان، قبل أن ترقد جثة هامدة على ضفة النهر بالقرب من القاهرة، لتروي عبر مدخنتها العتيقة قصة تلك الأيام الخوالي.

ويقول الدكتور نبيل عبد الحميد، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر في كلية الآداب جامعة دمياط، في دراسة حول النقل النهري، وتأثيره في حركة السياحة في مصر خلال القرن التاسع عشر، إنه «من المحزن أن كثيراً من البواخر القديمة.

خصوصاً البواخر ذات البدالات الرباعية، لا تزال مهجورة على طول نهر النيل، ليس في مصر فحسب، وإنما في السودان أيضاً، حتى توجد على الأقل أربع بواخر قديمة، بالقرب من الخرطوم، وهناك ما لا يقل عن عشر بواخر رباعية البدالات حوّلها الصدأ إلى ما يشبه هيكل عظمي، في كسلا بالسودان».

مستمرة منذ أكثر من قرن.. رحلات النيل الفاخرة تستكشف روعة تاريخ وطبيعة مصر

مستمرة منذ أكثر من قرن.. رحلات النيل الفاخرة تستكشف روعة تاريخ وطبيعة مصر

تعمل الحفنة المتبقية من هذا التراث العريق في الخدمة السياحية بمصر، متنقلة بين الأقصر وأسوان، بعدما خضعت لعمليات ترميم شاملة، وصيانة دقيقة لكل مكوناتها، بخاصة أثاثها الداخلي، من أجل إعادته إلى عهده الأول، الذي يتسم بالفخامة والرفاهية.

حيث تقدم هذه البواخر رحلات فاخرة لزبائنها من فئة النجوم الخمس، وعلى رأسها البواخر «مصر»، و«كريم»، و«ممنون»، إلى جانب الباخرة «السودان»، التي تصنف باعتبارها أقدم باخرة تعمل في نهر النيل.

حيث تم بناؤها في إنجلترا ضمن مجموعة من أسطول مراكب مماثلة، كان يضم الباخرتين أرابيا ومصر في عام 1885، وقد حصل الملك فؤاد على تلك الباخرة كهدية في نفس عام بنائها، وهو من أطلق عليها اسم «السودان»، لتكون جنباً إلى جنب مع الباخرة «مصر».

ليكون هناك باخرتان تحملان اسمي مصر والسودان في نهر النيل، وقد كان ذلك هو اللقب الرسمي لملك مصر في ذلك الوقت.

مستمرة منذ أكثر من قرن.. رحلات النيل الفاخرة تستكشف روعة تاريخ وطبيعة مصر

ولا ينافس البواخر الأربع العتيقة سوى المركب البخاري «رويال»، الذي تذهب كثير من الوثائق إلى أن أول رحلة قام بها في نهر النيل كانت في 28 مايو عام 1918، كسفينة تابعة للبحرية الملكية البريطانية، قبل أن يتم تحويلها إلى يخت فاخر في عام 1938 ليتم استخدامه بواسطة الملك فاروق آخر ملوك مصر، ثم تؤول ملكيته بعد ثورة يوليو عام 1952 إلى وزارة الري المصرية.

وقد بقيت الباخرة لفترة من الزمن في حوض بناء السفن في إحدى ضواحي القاهرة، قبل أن تخضع لعملية بناء شاملة، وفقاً لرسوماتها الأصلية، وتزويدها بمحرك قوي بدلاً من محرك البخار.

مستمرة منذ أكثر من قرن.. رحلات النيل الفاخرة تستكشف روعة تاريخ وطبيعة مصر

ومن بعدها جاءت عمليات التطوير التي شهدتها الباخرة «كريم» التي خضعت لعملية تجديد شاملة هي الأخرى، لكنها لا تزال تعمل بمحرك البخار الأصلي منذ عام 1917، إلى جانب المجاديف ذات العجلات الرباعية، وتحتفظ بديكوراتها وأثاثها الكلاسيكي القديم، ومن بينه مكتبة تضم مجموعة نادرة من الكتب.

إضافة إلى حلبة للرقص، ونظام موسيقي متكامل، وركن مخصص للمشروبات، فيما يحتوي السطح العلوي على كراسي استلقاء، ومسبح جاكوزي يعتمد على طاقة البخار في السفينة.

مستمرة منذ أكثر من قرن.. رحلات النيل الفاخرة تستكشف روعة تاريخ وطبيعة مصر

ويُعد اليخت البخاري «المحروسة»، أحد أشهر المراكب البخارية في مصر، إذ يرجع تاريخ بنائه إلى عام 1865 بواسطة شركة سامودا المتخصصة في بناء السفن في العاصمة البريطانية لندن.

وقد أبحر اليخت لأول مرة في أغسطس عام 1865 من ميناء لندن على ضفاف نهر التايمز الإنجليزي، باتجاه ميناء الإسكندرية، ويعمل اليخت بمحرك بخاري، بنظام الطارات الجانبية، بسرعة تصل إلى نحو 16 عقدة في الساعة، وكان تزينه مدخنتان علاوة على ثمانية مدافع من طراز أرمسترونغ للحماية من أي إغارة بحرية.

وقد استخدم اليخت لفترة في تدريب القوات البحرية المصرية بعد ثورة يوليو، قبل أن تستخدمه الرئاسة المصرية تالياً. كما شارك اليخت منتصف السبعينيات، بعد رحلة مثيرة في المحيط الأطلسي، في احتفالات الولايات المتحدة الأمريكية بعيد الاستقلال المئتين، ليقطع رحلة بلغت 12700 ميل بحري.

وقد خضع اليخت قبل سنوات لعمليات تطوير وصيانة شاملة، ليظهر من جديد عبر شاشات التلفزيون، في أغسطس عام 2015، عندما أبحر من ميناء الإسكندرية للمشاركة في احتفالات افتتاح قناة السويس الجديدة.

* تصوير- أحمد شاكر

اقرأ أيضاً: اكتشفوا باخرة Wonder of the Seas.. أكبر فندق عائم في العالم

 

مقالات ذات صلة