تجذب أسواق التوابل في أسوان، برائحة شوارعها المميزة، كثيراً من عشاق البهارات والتوابل العطرية، نظراً لتميز منتجاتها وما تحظى به من شهرة عريضة تتجاوز حدود مصر إلى مختلف بلدان العالم.
تنتشر محال تجارة التوابل والبهارات في السوق القديم للمدينة، عارضة منتجاتها للعابرين من السكان المحليين والسائحين الذين يقبلون على شراء تلك المنتجات، نظراً لتميزها عن مثيلاتها في العديد من بلدان العالم المنتجة للتوابل والنباتات العطرية، فضلاً عن تنوع تلك المنتجات التي يستخدم كثير منها في علاج العديد من الأمراض، فيما يعرف بـ«الطب الشعبي»، وهي المهنة التي يبرع فيها العديد من أهالي الصعيد في مصر، وبخاصة أسوان، حيث تستخدم كثير من النباتات العطرية في علاج العديد من الأمراض، مثل البردقوش والريحان والشمر والبابونج والنعناع.
يسير أهالي أسوان على خطى الأجداد في احتراف تلك التجارة؛ إذ يشير العديد من الدراسات التاريخية إلى أن المصريين القدماء كانوا من أوائل الشعوب التي استخدمت التوابل في تتبيل الطعام؛ بل وحفظه أيضاً؛ بل إنهم سبقوا الهنود والرومان في استخدام بعض أنواع التوابل في العديد من الطقوس الدينية والسحرية على حد سواء، حيث استخدموا الفلفل الأسمر والملح في مراسم عمليات التطهير التي كانت تستبق تحنيط المومياوات، إلى جانب بعض التوابل الأخرى في العلاج.
وتقول بعض الدراسات إن الأوربيين استفادوا من تلك الطرق خلال فترة العصور الوسطى، التي شهدت اهتماماً متزايداً بالتوابل في أوروبا، لدرجة أن الأوربيين كانوا يستخدمونها في علاج العديد من الأوبئة التي ضربتهم في تلك الفترة مثل الطاعون، وإضفاء النكهات على اللحوم الفاسدة، وحفظ الصالح من الطعام.
كانت أسوان على مدار عقود من الزمان، أحد أهم المراكز الرئيسية لتجارة البهارات التي كانت تأتي إلى مصر من الجنوب، حيث شكلت منطقة برانيكة القريبة من ساحل البحر الأحمر بمحاذاة أسوان، سوقاً كبيرا لتجارة التوابل خلال الفترة الرومانية، قبل أن ينتقل هذا السوق تدريجياً إلى أسوان، التي تحولت إلى مركز رئيسي لتلك التجارة في العصر المملوكي.
وتعتمد أسواق التوابل في أسوان بنسبة كبيرة على التوابل والأعشاب محلية الإنتاج، والتي يتم زراعتها في المحافظات القريبة منها مثل المنيا وبني سويف والفيوم
تحترف الكثير من العائلات تجارة التوابل منذ عقود بعيدة، وهو ما جعل المركز الكبير الذي يملكه في قلب السوق القديم في أسوان مقصداً لكثير من السكان، إلى جانب العديد من الوفود السياحية.
الكثير من المعالجين الشعبيين يلجأون إلى مراكز العطارة لصناعة العديد من الخلطات الشعبية، ومن بينها خلطة القرفة المسكرة، وهي تحظى العطارة الأسوانية بشهرة عريضة تتجاوز حدود مصر، لأن منتجاتها طبيعية، لا يستخدم المزارعون في إنتاجها أي مواد كيميائية، وبالتالي لا توجد لها أية آثار جانبية، مثل الكركدي، والتمر هندي، فضلاً عن ثمار شجر الدوم والخروب، إضافة إلى مختلف أنواع التمر الأسواني، والشطة والكمون والفلفل الأسود.
ويتميز السوق القديم في أسوان بما تقدمه محال تجارة التوابل من توليفات مميزة تستخدم في الطهي، إلى جانب تجارة العديدة من الوصفات الطبيعية. ويرجع كثير من الباحثين سر جودة العطارة الأسوانية إلى طريقة الزراعة، فضلاً عن طبيعة المناخ في جنوب مصر، حيث تتميز أسوان بأجوائها الجافة الخالية من الرطوبة، ما يساعد كثيراً من النباتات العطرية على الاحتفاظ بزيوتها إضافة إلى ارتفاع درجة الحرارة طوال العام، ما يجعل طقسها الحار مناسباً لزراعة تلك المحاصيل.
يستقبل محمد كاباكا، وهو أحد أشهر تجار التوابل زبائنه مرحباً بأكثر من ثلاث لغات، ويقول كاباكا إن بدايته مع تلك التجارة كانت وعمره لا يزيد على عشر سنوات، مشيراً إلى أنه أجاد التحدث بالإنجليزية والفرنسية والألمانية، عبر تعامله مع آلاف من السائحين .
*تصوير: أحمد شاكر