في قلب حتا بدبي. يقف «فلج حتا» شاهدا على عبقرية الأجداد، ويكشف تاريخا امتد مئات السنين عن أذكى أنظمة الري التي أصبحت مقصدا للزوار والباحثين عن تجربة فريدة تأخذهم عبر الزمن. حيث يجتمع سحر الطبيعة بجمال التفاصيل الهندسية القديمة التي مكنت الأولين من تأمين المياه لمزارعهم، ومنازلهم، بالاعتماد على قوانين الجاذبية الطبيعية
في زيارة «كل الأسرة» لفلج حتا، يكشف مدير «حتا للمغامرات» ومسؤول جولات «فلج حتا» السياحية، أحمد الوشاحي، عن أهمية المشروع، قائلا «يعد الفلج، الذي يبدأ من منطقة «استراحة الشريعة» ويمتد تحت باطن الأرض، حيث المصدر الرئيسي للمياه العذبة في المناطق الجبلية، أحد أبرز المعالم السياحية التي تقدم تجربة فريدة لاستكشاف تاريخ المنطقة العريق، حيث يمتد الفلج بطول 578 مترا، وعرض متر واحد، وارتفاعات مختلفة، يصل في بعض الأماكن إلى المتر، و120 سنتيمترا، وفي مناطق أخرى إلى مترين، تبعا لطبيعة التضاريس الجبلية المحيطة به». يضيف الوشاحي «تمثل هذه التجربة فرصة نادرة لاستكشاف جزء من تراث الإمارات العريق، والغوص في أعماق التاريخ للتعرف إلى تفاصيله، حيث يستمتع الزوار بالمناظر الطبيعية المحيطة بالمنطقة، ويتعرفون إلى تاريخ الفلج الذي لا يزال يحتفظ بجاذبيته، وأهميته حتى اليوم».
شكلت المياه الطبيعية عنصرا حيويا في حياة الأجداد، قبل مئات السنين، لذلك كانت السبب الرئيسي وراء استقرار السكان في أماكن محددة، يقول الوشاحي «بفضل وجود الفلج، أصبحت «استراحة الشريعة» مكانا للاستقرار، حيت تتمركز المياه ليتم توزيعها بين مزارعي وسكان المنطقة، وفق أوقات محددة بالتساوي خلال ساعات النهار، اعتمادا على ظاهرة شروق الشمس، وامتداد الظل، فكان الماء، ولا يزال، شريان الحياة، وموقع سكنهم على اختلاف الأزمنة».
لا تقتصر أهمية الفلج عند الجانب التاريخي فقط، بل لِما يتوفر في المنطقة من مرافق وخدمات تجعل من زيارته تجربة متكاملة تجمع ما بين الاسترخاء والاستجمام، يوضح الوشاحي «إضافة إلى التعرف إلى الأهمية التاريخية للفلج، يمكن للزوار الاستمتاع بمجموعة متنوعة من المرافق التي تم تصميمها بعناية لتلبية احتياجات العائلات والسياح، منها استخدام الاستراحات المتوفرة في الشريعة لقضاء وقت ممتع وسط الطبيعة، حيث النخيل التي تضفي ظلالا طبيعية على المكان، بعيدا عن ضجيج الحياة اليومية، وخوض تجربة مسارات المشي الجبلية التي تمتد عبر التضاريس الوعرة، وممارسة رياضة ركوب الدراجات الجبلية، أو تسلق الصخور».
وعن أهم ما تتضمنه الجولة داخل الفلج، يشرح «تتيح هذه الجولات للزوار الفرصة لاستكشاف الفلج تحت الأرض، والغوص في أعماق التاريخ، والتعرف إلى جميع تفاصيل حياة الأجداد، برفقة مرشدين متخصصين،»، ويضيف «خلال الجولة على طول مسافة التي يقطعها الزوار داخل الفلج، يمكن استكشاف الثقوب التي استخدمت، ولا تزال تستخدم للتهوية، وعمليات الصيانة والتنظيف، كما يمكن ملاحظة اختلاف قوة تدفق المياه، والارتفاع، فبينما تكون حركة جريان المياه أقوى عند بداية الفلج يكون الارتفاع أعلى، وكلما ازداد التوغل في الفلج باتجاه الجبل يبدأ الارتفاع بالانخفاض، ويصبح أقل ما يمكن عند المنابع».
وعن أهم إجراءات السلامة، يتحدث الوشاحي «يتم تزويد زوار الفلج بخوذ واقية لحمايتهم من أي اصطدامات محتملة في المناطق المنخفضة، إضافة إلى الأحذية المخصصة للمشي في الأماكن الرطبة والوعرة، كما تم تزويد الفلج بالعلامات واللوحات الإرشادية لأهم إجراءات السلامة الواجب اتباعها، وتصميم عدة مخارج للطوارئ، وتوفير وسائل اتصال وأجهزة إنذار في حال حدوث أي طارئ، ولزيادة مستوى الراحة والأمان تم توفير استراحات داخل الفلج تسمح للزوار بأخذ قسط من الراحة، واستعادة النشاط قبل استكمال الجولة».
يوضح الوشاحي «جاء اختيار منطقة حتا من قبل الأجداد كموقع مثالي للزراعة، بسبب تربتها الطينية الخصبة، التي أثبتت صلاحيتها للزراعة على مر العصور، ووجود الفلج الذي يُعد من الأفلاج الداودية التي تتميز باستمرار تدفق مياهها الطبيعية على مدار العام، وعدم تأثرها بانقطاع الأمطار»، يكمل «رغم التطور الكبير الذي شهدته المنطقة خلال الأعوام الأخيرة، وانتقال الكثير من السكان إلى أماكن أخرى، إلا أن التراث منطقة «حتا» والمزارع المحيطة به،ا لا يزال قائما بفضل الدعم الحكومي، حيث تحتضن «استراحة الشريعة» أبرز المعالم التراثية في «حتا»، وقفا تاريخيا يمتد عمره لأكثر من 130 عاما، حيث كان السكان يستفيدون من سعف نخيله لبناء المنازل، بينما يقسم التمر كزكاة للفقراء والمحتاجين، وقسم آخر لدعم مسجد الشريعة الذي يعود العمر الافتراضي له إلى نحو 200 عام».
* تصوير: يوسف الأمير