منذ قرون بعيدة، رسخ في أذهان الناس أن المرأة خُلقت للتضحية، ولرعاية أسرتها المؤلفة من والديها، وأشقائها. وبعد ذلك رعاية أسرتها الصغيرة، بيتها وزوجها وأبنائها. كانت مفاهيم التضحية، والإيثار، والتواضع، من الصفات التي تعلي من شأن الفرد في المجتمع، وهي قيم حميدة لم تتغيّر على مرّ العصور، إلى أن دخلنا العقد الثالث من الألفية الثالثة، وتخلخلت المفاهيم، وارتفعت أصوات هادرة تطالب بالعدالة للنساء.
نعرف أن هناك قوانين تُسنّ لمصلحة المرأة. وهناك تعاليم دينية توصي بها خيراً. لكننا نعرف أيضاً، أن القانون في وادٍ، والتطبيق في واد. فكم من القرارات ظلت حبراً على ورق، واستمر استغلال النساء، وقمعهنّ، وسلب حقوقهن، حتى تلك التي أوصت بها الشرائع. إن المرأة، والأم بالذات، هي ذلك الكائن الذي يتحرك مثل المكوك من ساعات الصباح الأولى، وحتى ساعة النوم. تبذل من جهدها، ومن فكرها، ومن روحها، وتُنكر ذاتها لكي تسعد أبناءها.
الباحثة كورين ماير نشرت عدة كتب حول هذا الموضوع، أشهرها: «صباح الخير أيّها الكسل». أما عنوان آخر كتاب لها فهو: «أنا أولاً». وهو بيان في الدفاع عن حق النساء في أن يكنّ أنانيّات. وبالعربي غير الفصيح: يا روح ما بعدِك روح.
ترى الكاتبة أن العائلات تربّي أبناءها الذكور على الأنانية منذ الطفولة. وعندما يختطف الأخ لعبة شقيقته فإن عليها السكوت، ولا أحد من الكبار يعترض على الولد، أو ينهره. بل غالباً ما يوصف سلوكه بالشجاعة، وقوّة الشخصية. أما إذا امتدّت يد البنت إلى لعبة من ألعاب أخيها فإنها غالباً ما تتعرض للنّهر، وتوصف بالسفيهة، والقوّية. وطبعاً، فإن القوّة هنا ليست صفة طيّبة، بل تعني العدوان. وعندما يكبران فإن من الطبيعي أن تمتثل البنت لأوامر شقيقها، وتلبّي طلباته. لقد تربّت على التضحية.
كيف تكون الأنانية صفة حميدة، وليست ذميمة؟ هذا ما تشرحه لنا الطبيبة النفسية الفرنسية كورين ماير. إنها تبشّر، في مقالاتها وأبحاثها، بحق المرء في أن يقدّم مصلحته وراحته النفسية على مصلحة الغير، وراحتهم. وطبعاً فإن الدكتورة ماير تركز دعواتها حول النساء. لماذا؟
منذ سنوات ونحن نسمع عن شكاوى الزوجات من كسل الأزواج ورفضهم المساعدة في مسؤوليات المنزل والأسرة. من ينهض ليلاً لتهدئة طفل يبكي؟ من يراجع مع الصغار دروسهم؟ من يراقب نظافة البيت والثياب، ويسهر على توفر المواد الضرورية؟ من يأخذ الطفل للطبيب، ويحضر اجتماعات أولياء الأمور في المدارس؟ القائمة طويلة. ولعلّها أكثر ضجيجاً في الدول الصناعية منها في عالمنا العربي. إذ يمكن للمرأة هناك أن تكون جنرالاً في الجيش، أو رائدة فضاء، أو مديرة مجموعة اقتصادية، من دون أن يعفيها ذلك من واجباتها تجاه أسرتها.
يعود زوج المديرة من دوامه، ويستريح أمام الشاشة في انتظار العشاء. وتعود هي من دوامها إلى المطبخ مباشرة، قبل أن يتاح لها خلع الحذاء الأنيق الذي يحصر قدَميها. هل حان وقت الثورة الفرنسية على هذا الوضع غير العادل؟ كانت المبادئ الثلاثة الشهيرة للثورة الفرنسية الأولى هي: حرية. مساواة. إخاء، وقد تحققت على الصعيد السياسي، وفي مؤسسات الوطن، من دون أن تدخل بيوت الفرنسيين، وهو أمر تراه مؤلفة الكتاب مرادفاً للفضيحة. ولهذا تطالب قارئاتها بتطبيق شعار جديد وواقعي، هو: «أنا أولاً».
هناك بالتأكيد نساء أنانيّات كثيرات في العالم. لكن هذا الكتاب ينزع عنهنّ تأنيب الضمير. ليس عليك معاتبة نفسك إذا منحتها الأسبقية، حتى على بيتك، وزوجك. دلّلي نفسك، ودلّعيها، ومارسي هواياتك، أو تمتعي بالكسل واللامبالاة، ولو لساعة في اليوم. ساعة لا غير.