سواء شئنا أم أبينا، نحن جميعنا نتأثر بالطقس وتغيرات الضغط الجوي والحرارة، ويتعيّن على جسمنا وعلى معنوياتنا أن تتأقلم مع كل هذه العوامل.
يكشف كتاب"نحن جميعنا نتأثر بالطقس" للمؤلف لويس بودان، الطريقة التي يؤثر فيها الطقس على حياتك وعاداتك الاستهلاكية ورغباتك وانفعالاتك، وصحتك:
تأثير الطقس في النوم
نحن جميعنا نتأثر بالطقس، لكن كل واحد منا يعيشه على طريقته. من المؤكد أن أول ما يتأثر بارتفاع حرارة الجو هو النوم ومعه الصحة والإحساس بالراحة، والسبب هو ميزان حرارة الجسم الداخلية. إن جسم الإنسان مصمم ليحافظ على حرارة داخلية مستقرة وهي حوالي 37 درجة مئوية. وحتى نتمكن من النوم، يجب أن تنخفض هذه الحرارة بقيمة نصف درجة إلى درجة واحدة. وفي الأحوال العادية، يبرد الجسم بشكل عفوي، لكن إذا كانت حرارة الجو أكثر ارتفاعًا نسبة إلى ما اعتدنا عليه، تصاب هذه الآلية باضطراب. فالخلايا العصبية المتلقية التي تقع تحت الجلد تبعث إلى الغدة النخامية في الدماغ إنذارًا تبلغه بواسطته عما حصل فتتحرك أجهزة النجدة لدينا لمساعدة الجسم حتى يبرد، كما لو أن فرق إطفاء تتحرك في حال نشوب حريق.
والحال أن الغدة النخامية تأمر الأوعية الدموية بالتوسع من أجل تصريف الحرارة الزائدة. وكلما كان الضخ الدموي شديدًا، توجه الدم إلى ما تحت الجلد وبردت حرارته باقترابه من الجو الخارجي. ثم تأمر الغدة النخامية غدد التعرق بإفراز العرق حتى يبرد الجسم بتبخر الماء على الجلد. وهكذا، يبدو أن كل شيء مضبوط ومن المفترض أن تسير الأمور على ما يرام. الحرارة والنوم لكن، للأسف، كلما ارتفعت حرارة الجو أكثر، احتاج الجسم إلى وقت أطول حتى يبرد، وهذا العرق الذي يبلل فراشنا سيسبب لنا الإزعاج، وكلما طال الوقت حتى نستسلم للنوم، أصابنا توتر الأرق لندخل في حلقة مفرغة!
وأخيرًا، في حال تمكنّا من النوم، لا شيء يؤكد لنا أننا سنظل نائمين حتى الصباح، فحرارة الجو المرتفعة لا تؤخر النوم وحسب بل تقطعه إلى فترات أيضًا، لماذا؟ لأننا حين ندخل في مرحلة «النوم المفارق» يصير جهاز ضبط حرارة الجسم أقل فعالية، فترتفع هذه الحرارة ويتدخل الدماغ فورًا ليأمرنا بأن نستيقظ.
اضطرابات النوم مرتبطة بجهاز ضبط الحرارة في الجسم
بعد سنوات أمضاها باحثو العالم في دراسة النوم، أجمعوا على الاعتراف بأن غالبية اضطرابات النوم متصلة بجهاز ضبط الحرارة في الجسم. فالناس الذين يتمكنون من خسارة الحرارة بسهولة ينامون جيدًا في حين أن الأشخاص الذين يعانون السمنة، مثلاً، أو دورة دموية سيئة يعانون مشكلات في النوم.
وقد ثبت اليوم أن البرد يجعلنا ننام، بل هو لا بد منه حتى ننام، لذا حين نضبط حرارة غرفة النوم على 17 درجة مئوية ونتغطى جيدًا سنحظى بليلة نوم هانئة حتى الصباح.
من ينام أقل من ست ساعات في الليلة الواحدة معرض أربع مرات أكثر للإصابة بالزكام
وكلما زاد نومنا قوي جهاز المناعة لدينا، فقد ثبت كذلك أن من ينام أقل من ست ساعات في الليلة الواحدة معرض أربع مرات أكثر للإصابة بالزكام في حين أن من ينام سبع ساعات على الأقل يحمي نفسه من هجمات الفيروسات. وعلى عكس ما يشاع، تكون نوعية النوم أقل جودة في الجبال العالية. فكلما كنا في مكان مرتفع، صار أصعب علينا أن نستسلم للنوم. صحيح أن الهواء في الجبل نقي وغير ملوث والجو هادئ لكن النوم يتأثر في الأماكن المرتفعة لأن الضغط الجوي يكون أقل، ما يعني أن الأكسجين أقل وهذا ما يدفعنا إلى التنفس بسرعة أكبر وما يدفع القلب إلى العمل أكثر، فتتسارع ضرباته وتتأثر بها نوعية نومنا. فحتى ننام بشكل جيد، يجب أن تتباطأ ضربات القلب الذي يرتاح هو أيضًا في الليل.
لذا، في الجبال التي يبلغ ارتفاعها 1800 متر، يزداد الأرق، يضاف إليه جفاف الجو الذي يزداد بدوره بسبب التدفئة فيجفف أغشية الأنف الذي يصاب بالانسداد.
ولحسن الحظ، تزول هذه الآثار بعد بضعة أيام حين يتمكن الجسم من التأقلم مع هذه المعطيات المناخية الجديدة إذ يبدأ بصناعة كريات حمراء إضافية وهي حيوية بالنسبة إلينا إذ أنها هي من تنقل الأكسجين إلى الخلايا.
تأثير نوعية الهواء في الجهاز التنفسي
ونحن نتنفس جميعنا بمقدار 10 إلى 15 نفس في الدقيقة وهذا يمثل 60 ليترًا من الهواء في الدقيقة أي أن ثمة عشرة آلاف إلى خمسة عشر ألف ليتر هواء يدخل ويخرج من رئتينا كل يوم!
وهكذا فإن نوعية هذا الهواء ستؤثر في مجاري الهواء في جسمنا وفي الرئتين وبالتالي في الصحة. وحين يبرد الطقس، من المهم أن نحمي الجهاز التنفسي بواسطة وشاح حول الرقبة أو تغطية الأنف إذا كانت البرودة شديدة لأن الجهاز التنفسي شديد الحساسية إزاء انخفاض الحرارة تحت الصفر، فعبارة «نزلة البرد» الشائعة ليست مجرد عبارة بل هي مبررة بالكامل لأننا نلتقط البرد أساسًا بواسطة النفس.
تزداد عدائية الفيروسات في الطقس البارد المترافق مع ارتفاع درجات التلوث
حين نتحدث عن جهاز تنفسي، لا يتصل الحديث بالرئتين فقط، بل هو مجمل المجاري التي يمر بها الهواء حين نتنفس، أي الأنف والفم والحنجرة والبلعوم والقصبة الهوائية والشعب وأخيرًا الرئتان.
ماذا يجري على طول هذا الطريق؟ يخضع الهواء، المشحون دائمًا بالغبار والبكتيريا والفيروسات والجزئيات والفطريات، إلى عملية فلترة بواسطة الشعيرات الصغيرة التي تعلو تجاويف الأنف وبواسطة أغشية البلعوم التي تؤمن الدفاع عن الجسم ضد هذه العوامل الخارجية.
بيد أن تبدلات الحرارة قادرة على جعل هذه الآلية الجميلة تختل. لاحظ الأطباء أن التعرّض للبرد، الذي يؤدي إلى انكماش أغشية الأنف والمجاري الهوائية العليا، من فم وبلعوم، يضعف الدفاعات المحلية. وهكذا فإن الفيروسات التي يسيطر عليها جهاز المناعة تستيقظ وتصير عدائية بشكل واضح، وتزداد هذه العدائية في الطقس البارد المترافق مع ارتفاع درجات التلوث. في هذه الحالة، يأخذ الأنف بإفراز المخاط، وهذا أمر مزعج، لكنه مفيد جدًا وحتى أنه ضروري لصحتنا لأن تجاويف الأنف تكون محمية بهذه الطريقة من البرد والفيروسات والبكتيريا. البرد خلال فترات البرد الشديد، يكون البلعوم هو المنطقة الأكثر تعرضًا في الجهاز التنفسي فنحن نستنشق كميات كبيرة من الهواء البارد حين نتكلم ونتنفس. وحين تصاب أجهزة المناعة بالضعف يصعب عليها مقاومة هذه الفيروسات والبكتيريا. وفي حال ابتلعنا المخاط بدل أن نتمخط، ننشر هذه الفيروسات والبكتيريا في جسمنا. لذا، حتى تتجنبوا المرض، يجب أن تعتمدوا في البداية على أنفكم، فمهمته الأساسية هي فلترة الهواء وتدفئته، وليس هناك أسوأ من التنفس من الفم في فترات البرد الشديد. لذا، لا ينصح بالقيام بالأنشطة الرياضية في الهواء الطلق حين تكون البرودة شديدة، لأننا خلال الرياضة نتنفس أكثر بكثير من الأوقات العادية.
الفكرة القائلة أن البرد الشديد والسماء الزرقاء مفيدان للمتنزهين وينشطان الجسم فكرة خاطئة
والبرد مضر كذلك بمن يعاني الربو لأنه يشجع على حدوث النوبات لسبب ميكانيكي بسيط، فالبرد يقلل من حجم الشعب والعضلات المحيطة بها ويصير التنفس أكثر صعوبة بما أن كمية أقل من الهواء تمر فيها.
أما الزكام، فإن سببه ليس البرد كما يشاع، بل هو فيروس معروف من الأطباء وهو «كورونا». وعلى عكس الـ«كورونا» الجديد (كوفيد- 19) فإن آثاره غير خطيرة ولكنها مزعجة لأنه يصيبنا بانسداد الأنف والأدنين ويجعل الأنف يسيل والحنجرة تجف لأننا نتنفس من الفم. ونحن نصاب بالزكام دائمًا للأسباب نفسها: حين تهبط الحرارة، تفقد مناعاتنا من فاعليتها وتشكل مجاري الهواء لدينا مداخل ممتازة لهذا الفيروس، خاصة وأننا نظل في الأماكن المغلقة والسيئة التهوية في الطقس البارد. لهذه الأسباب، ينصح الأشخاص أصحاب الصحة الهشة بالبقاء في منازلهم بقدر الإمكان مع تهويتها بشكل جيد. فالفكرة القائلة أن البرد الشديد والسماء الزرقاء مفيدان للمتنزهين وينشطان الجسم فكرة خاطئة لأن تبدلات الحرارة المتكررة في اليوم الواحد تبقى بمثابة محنة لكل الأجسام وبالأخص للصغار جدًا والكبار جدًا في السن.
الآثار المضرة للحر الشديد
لكن ماذا عن الحر الشديد؟ إن للحر الشديد كذلك آثارًا مضرة جدًا بوظائفنا التنفسية، ليس بسبب الحرارة بحد ذاتها ولكن بسبب ارتفاع درجات التلوث التي تحدث في هذه الفترات.
فموجات الحر تترافق عمومًا مع ارتفاع شديد بنسبة الأوزون في الجو وهذا الغاز مؤذٍ جدًا بسبب قوة الأكسدة التي يحملها. فالأوزون قادر على إحداث عدد من المشكلات الصحية ومن بينها انخفاض في الوظائف التنفسية قد تصل إلى نسبة 30 بالمائة حين يكون شديد التركيز. وعندها يترافق الإحساس بالاختناق مع السعال والآلام في الصدر ونوبات الربو. إن المصابين بالربو والأشخاص الذين يعانون نقطة ضعف في الشعب الهوائية يشعرون بشدة بهذا التهيج الشديد والدائم للجهاز التنفسي.
والأكثر مدعاة للدهشة، هو أن ارتفاع نسب التلوث كثيرًا ما تكشف عن أمراض كان الناس يجهلون أنهم مصابون بها. فنوبة الربو قد تصيب المرء في حين أنه لم يكن قد عانى منها من قبل. وسواء كنا من المصابين بهذا المرض أم لا، من المؤكد أن ثمة ظروف مناخية رهيبة بالنسبة إلى التنفس وهي الحر الشديد المصحوب بنسبة عالية من الرطوبة. فهذه الظروف هي الأسوأ بالنسبة إلى الجهاز التنفسي ومجاري الهواء وبالأخص لدى الأشخاص المصابين بأمراض مزمنة في شعب ممتلئة بالبلغم. فبخار الماء الموجود في الهواء يزيد من انسداد الشعب وينصح هؤلاء المرضى بتجنب المناخات الرطبة والمدارية. ولهذه الأسباب أيضًا، تجنبوا الخروج بين الظهر والمساء، لأن هذه الفترة من النهار تحمل التركيز الأكبر من الأوزون. ولا ضرورة كذلك للممارسة رياضة الهرولة بين الظهر والساعة الثامنة مساء، ابقوا في منازلكم حيث معدلات الأوزون أقل بكثير.
نحن نعيش على إيقاع الطقس، ونخضع لتبدلات في الحرارة والريح أو الرطوبة وكل هذا يؤثر بالطبع في سطح الجلد ولكن كذلك في داخل الجسم عبر التنفس والهواء الذي يدخل إليه. الهواء البارد والهواء الساخن واختلاف الضغط الجوي والرطوبة والتلوث كلها عوامل تؤثر في جسمنا حتى لو كان هذا خافيًا عن أعيننا.
اقرأ أيضًا: المرأة تثور على برودة مكاتب العمل