15 ديسمبر 2022

د. حسن مدن يكتب: البحر أم الغابة؟

كاتب بحريني، يكتب زاوية يومية في جريدة "الخليج" الإماراتية بعنوان "شيْ ما"، صدرت له مجموعة من الكتب بينها: "ترميم الذاكرة"، "الكتابة بحبر أسود"، "للأشياء أوانها"، &a

د. حسن مدن يكتب: البحر أم الغابة؟

نحن أبناء الخليج وُلدنا في مدن وبلدات ساحلية. أعيننا تفتحت على مرأى البحر. وحين تكون أحد أبناء جزيرة صغيرة، كما هي حال وطني البحرين، فإن البحر يحيط بك أينما وليت شطرك. أنا أنتمي إلى جيل ولد أبناؤه وبناته في مدن وقرى قريبة من البحر أو حتى تطلّ عليه، ودرسنا في مدارس كان بوسعنا رؤية البحر من نوافذ فصولها، بدا البحر كصديق قريب منا، نراه وقت شئنا.

صحيح أنه كانت هناك مزارع وبساتين خضراء، تقف في الكثير منها النخيل شامخة، لكن من الصعب أن نطلق عليها وصف الغابات، بكل ما في الغابات من امتداد ومتاهات. لذلك حين كبرنا وسافرنا إلى البلدان التي تكثر فيها الغابات أدهشنا أنها تتلون حسب تعاقب الفصول، فتارة هي خضراء يانعة، وتارة هي صفراء بلون الذهب، تتساقط أوراقها على الأرض فتلوّنها بالأصفر حين يأتي الخريف، قبل أن تتحوّل إلى الأبيض الناصع حين يأتي الثلج. من يعيش في بلدان الغابات يستمتع بهذا التطواف الجميل في تحوّلات الطبيعة.

ولأني عشت في واحد من هذه البلدان سنوات، كنت أغبط أهله على جمال غاباتهم وسعتها، ولكنهم كانوا يغبطوني على البحر الذي ولدت ونشأت وكبرت بالقرب منه، وكنت أحسّ في عيونهم الشوق لأن يسافروا حيث يوجد البحر، وأن تلامس مياهه اللازوردية أجسادهم. أهي قسمة الطبيعة بين الناس؟ لبعضهم البحار ولبعضهم الغابات؟

على صلة بذلك إليكم ما قرأت مؤخراً من أنه «يمكن للمشي في الغابة أن يكون مفيداً للصحة النفسية، لكن وفق دراسة حديثة، فإن رحلة قصيرة إلى البحر هي بمثابة رحلة شفاء للإنسان»، كأن واضعي الدراسة التي خلصت إلى ذلك يغبطوننا نحن جيران البحر، وحسب قولهم فإذا كنت ترغب في التخلص من الإجهاد اليومي، وإعادة شحن بطارياتك، فإن أفضل مكان لذلك ليس الغابة، وإنما البحر».

هذا استنتاج خلص إليه عالم النفس البيئي، ماثيو وايت، من جامعة إكستر في بريطانيا، الذي أجرى مقابلات مع أكثر من 16 ألف شخص من 18 دولة حول ظروفهم المعيشية وصحتهم الجسدية والنفسية، حيث وجد أن الأشخاص الذين يعيشون بالقرب من البحار والأنهار أميل إلى أن يكونوا أسعد وأكثر صحة مقارنة بسكان المناطق الأخرى.

صحيح أن الناس بين الطبيعة دائماً أسعد بكثير من سكان المدن، بحسب الدراسات، وهذا ينطبق على الأماكن ذات المناطق الخضراء في الغالب مثل الغابات والمروج والجبال، ولكنه ينطبق أكثر على سكان المناطق الساحلية، لأن البحر يشجعنا على أن نكون أكثر نشاطاً، ولا يكفي أن نكون بجانب الماء فقط، لكي نشعر بالتأثيرات الإيجابية، وإنما علينا أيضاً أن نشعر بالارتباط بالطبيعة من حولنا.