يعد مدخلاً للتقليل من قدرة الفرد على الإنجاز والإبداع ونقص دافعيته نحو العمل.. إنه الإجهاد الوظيفي، إحدى أبرز مشكلات العصر الحديث، والذي يعرف وفقاً لمنظمة الصحة العالمية بأنه: متلازمة تنجم عن إجهاد مزمن في مكان العمل ويتسم بثلاثة أبعاد هي، الانهاك العاطفي أو الإجهاد النفسي وفقدان إحساس الموظف للثقة بالذات والروح المعنوية والشعور باستنفاد الطاقة أو استنزافها، بجانب التقدير الذاتي السلبي وتدني الإنجاز والإنتاجية وميل الموظف بتقويم ذاته سلبياً وشعوره من خلال ذلك بالفشل والإحساس بنقص الكفاءة، وأخيراً تبلد المشاعر وفقدان العنصر الإنساني في التعامل ومعاملة الأفراد كأشياء وليس كبشر، وعدم مراعاة شعورهم والسخرية من الزملاء والعملاء والمؤسسة نفسها.
مسببات الإجهاد الوظيفي وكيفية التخلص منه
حول مسببات الإجهاد الوظيفي وكيفية التخلص منه، تحدثنا الدكتورة بدرية الحرمي، استشاري الصحة العامة، نائب رئيس جمعية الإمارات للصحة العامة، وتقول «الانخراط في العمل والحرص على تأديته على أكمل وجه، أمر إيجابي يساعدنا على سرعة تحقيق طموحاتنا العملية، وتتضمن معظم الأعمال التي نقوم بها درجة من الضغوط التي ممكن أن نتكيف معها للاستمرار في أدائنا لمهامنا على خير ما يرام، لكن المبالغة في الاهتمام بها والتشبع بمشاكلها بطريقة نعجز عن تحملها قد يترتب عليه وصول الشخص إلى حالة من الإنهاك الفكري والعاطفي والجسماني والشعور باليأس، لعدم تطابق الطموحات مع الواقع الفعلي، كل ذلك يؤدي إلى ما يسمى بالإجهاد الوظيفي، الذي يؤثر في نهاية المطاف في سلوك الفرد وتصرفاته داخل وخارج بيئة العمل.
والسؤال الأهم هنا، متى يحدث الإجهاد الوظيفي؟
يجب التنويه أن هذا الأمر لا يحدث دفعة واحدة ولكنه يبدأ بصورة تدريجية عبر فترات زمنية ممتدة، إذ يمر الفرد بسلسلة من الضغوط النفسية التي لا يستطيع التغلب عليها فتصل به في النهاية إلى حد الاحتراق، وهي المحصلة النهائية أو المرحلة المتطرفة لتلك لضغوط، وتحدث عندما لا يكون هناك توافق بين طبيعة العمل وطبيعة الإنسان الذي ينخرط في أداء هذا العمل، وكلما زاد التباين بين هاتين البيئتين زاد الاحتراق الوظيفي الذي يتعرض له الموظف.
مراحل حدوث الاحتراق الوظيفي
وعن مراحل حدوث الاحتراق الوظيفي، تشير الدكتورة بدرية الحرمي إلى عدة مراحل يمر الشخص بها قبل الوقوع في براثن هذا الأمر:
- المرحلة الأولى: هي مرحلة الإنذار أو التنبيه للخطر، وفيها يكيف الجسم نفسه لمواجهة التهديد المسبب للإجهاد الوظيفي بتفاعلات معينة من خلال إفراز هرمون الأدرينالين الذي يؤثر في طاقة الجسم ويترتب عليه سرعة ضربات القلب وزيادة معدل التنفس وشد العضلات نتيجة لحالة القلق والاضطراب التي يمر بها الفرد
- المرحلة الثانية: مرحلة المقاومة مع استمرار الإجهاد وفيها يحاول الفرد إصلاح أي ضرر ناتج من المرحلة الأولى ويشعر فيها بالقلق والتوتر والتعب والاضطراب وتتصف هذه المرحلة بعدم القدرة على التركيز وشرود الذهن مما يؤدي لآثار سلبية في الفرد والمؤسسة، وأخيراً مرحلة الانهاك والاستمرار فيها لفترة طويلة مع العجز عن التغلب عليها وانهيار المقاومة مما يؤدي إلى استنفاد طاقة الفرد العاطفية والنفسية وقواه البدنية للتكيف مع الحالة التي يعيشها ويكون عرضة للإصابة بالأمراض المتولدة من الإجهاد الوظيفي مثل الأزمات القلبية والقرحة.
من أكثر عرضة للتعرض للإجهاد الوظيفي؟
يظن البعض أن الإجهاد الوظيفي يرتبط بمهن دون أخرى، ولكن تشير الحرمي إلى عكس ذلك، وتضيف «يعتقد البعض أن هذه الحالة تصيب من يعمل في المهن الطبية نظراً للضغوط التي يتعرضون لها نتيجة التعامل المباشر مع المرضى مما يترك أثراً سلبياً فيهم كمشاهدتهم لحالات وفاة على سبيل المثال، إضافة للصراعات التي يجدونها من قبل المديرين والزملاء، إلا أن أعراض الإجهاد النفسي تكثر في أوساط المهن التي تتطلب تعاملاً مع الجمهور أو مواجهة مباشرة أو استيعاباً دقيقاً لآراء واتجاهات الناس، كالذين يعملون في المهن والخدمات الإنسانية مثل: الأطباء والممرضون، والباحثون الاجتماعيون، والمدرسون ورجال الشرطة والمحامون وغيرهم».
أسباب حدوث الإجهاد الوظيفي
والأسباب التي تؤدي إلى حدوث الإجهاد الوظيفي، كما حددتها الدكتورة بدرية الحرمي هي:
- ضغط العمل
- محدودية الصلاحيات
- قلة التعزيز الإيجابي والدعم الذي يتلقاه الفرد وتعرضه لعدم الإنصاف والعدل
- غموض الدور الذي يجب أن يؤديه
- عدم الاستقرار والشعور بفقدان الوظيفة في أي لحظة
- التواجد في بيئة عمل مضطربة ووقوعه في براثن الصراع القيمي والقيام بدور لا يتوافق مع مبادئه
- انعدام المشاركة والمساندة الاجتماعية، وافتقار المؤسسة لنظام تقييم أداء العاملين
أما عن العوامل الشخصية، فمنها:
- المغالاة في التوقعات والطموح
- عدم التوازن بين العمل والحياة الشخصية
ما الأعراض والآثار المترتبة على الإجهاد الوظيفي؟
- الشعور بالإنهاك النفسي والتعب الجسمي وفقدان الطاقة النفسية أو المعنوية
- ضعف الحيوية والنشاط، والنظرة السلبية وفقدان الشعور بتقدير الذات
- الاتجاه السلبي نحو العمل والإحساس باليأس والعجز والفشل
- وأداء العمل بطريقة روتينية ومقاومة التغيير والتطوير
- فقدان الابتكار والروح الابداعية بجانب فقدان الدافع لمواصلة الإنتاج
- انخفاض معدل الرضا، وضعف الرغبة في الذهاب للعمل، وتدني وضعف مستوى الأداء
- إهمال الاهتمام بالذات، وتجنب التحدث مع الآخرين من الأصدقاء والزملاء
- الإحساس باللوم وتأنيب الضمير، والتغيب غير المبرر عن العمل
من المسؤول عن الإجهاد الوظيفي للموظف؟
أما عن كيفية الخروج من هذا النفق المظلم، تشير الدكتورة بدرية الحرمي «تقع مسؤولية التعامل مع الإجهاد الوظيفي على عاتق المؤسسة والموظف معاً، فالمسؤولية مشتركة ولا تقف فقط على الفرد لكونه لم يستطع التكيف مع ضغوط العمل ولكنها تمتد لتشمل المؤسسة وقياداتها الذين لم يوفروا للعاملين الإمكانات وتهيئة الظروف التي تساعدهم على التكيف والتفاعل بعيداً عن الوقوع في مستنقع الاحتراق الوظيفي.
والوقاية تبدأ بوسائل فردية ومؤسسية:
- الوسائل الفردية: يقصد بها الأساليب أو الجهود التي يقوم بها الفرد لمواجهة ضغوط العمل وبها يسيطر أو يحد أو يدير مسببات الضغط التي تفوق طاقته الشخصية ومنها اللجوء إلى الله، والتأمل والتركيز، وممارسة الرياضية، والاسترخاء، واتباع نظام التغذية الصحية، وإدارة نمط الحياة، والابتعاد لفترة معينة عن العمل الاعتيادي والانشغال بمسؤوليات أخرى، ومعرفة طرق تقليل الضغط العصبي والقلق الناتجين عن ظروف العمل بمختلف جوانبه، وتكوين صداقات مع الموظفين في أوقات غير التي يعملون فيها، وتنظيم الوقت والابتعاد عن الأشخاص السلبيين أو المحبِطين، والانتباه لأية أعراض مرضية جسدية أو نفسية جديدة.
- الوسائل التنظيمية والمؤسسية: يقصد بها التطبيق الجيد لمبادئ الإدارة والتنظيم، وتطوير نظم الاختيار والتعيين، والمشاركة وتكوين فرق العمل الفعالة والسعي إلى تكوين علاقات جيدة بين العاملين، وتحسين ظروف العمل المادية، وتقليل العبء الوظيفي من خلال ضمان وتأمين موارد أكبر من أجل تخفيف عبء العمل، وتوسيع نطاق المسؤولية للمرؤوسين والعمل على إيجاد فرص للمشاركة بالقرارات التي تخص الموظفين والاهتمام ببرامج التطوير المهني».