تقف رغبات وأهداف وأحلام الأب والأم التي لم يستطيعا تحقيقها لنفسيهما غالباً كسبب رئيس وراء الكثير من الأمراض النفسية التي تصيب أطفالهما، والمشكلة الأكبر هنا أن غالبية الأهل لا ينتبهون إلى إصابة أطفالهم بهذا النوع من الأمراض ويتعاملون معهم على أنهم أطفال ذوو سلوك سيئ أو معاندين.
حاورنا الدكتور عبد الناصر عمر، أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس، وعضو مجلس أمناء مؤسسة «فاهم» للدعم النفسي، والعضو المنتدب لمستشفى المشفى، حول طبيعة الحالات التي تعامل معها بشكل مباشر أو رصدها الطب النفسي للأطفال المصابين بأمراض نفسية يكون المسبب الرئيسي لها سلوك الأهل في التعامل معهم وطريقة التربية التي يتبعونها.
كيف يتسبب الأهل في عقد نفسية لأبنائهم؟
كثير من الأهل يحاولون تحقيق أحلامهم وأهدافهم التي لم يستطيعوا تحقيقها لأنفسهم في أبنائهم، مثلاً من خلال رغبتهم في أن يكونوا متفوقين دراسياً أو متفوقين في رياضة معينة أو علم معين، بعض النظر عن مراعاة قدرات الطفل واستعداده العقلي ومستوى ذكائه وتحصيله الدراسي، وفي حال عدم قدرة الطفل على تحقيق هذا الهدف يبدأ الضغط عليه بشكل كبير ما يتسبب في العديد من الأمراض النفسية للأطفال، منها على سبيل المثال الاكتئاب أو فرط الحركة أو الوسواس القهري أو اضطرابات القلق العام أو قلق الشهية، والمشكلة الأكبر هنا أن الكثير من الأهل يتعاملون مع سلوكيات الطفل التي تتغير على أنها إساءة أدب وعدم اتباع أوامرهم وأنه طفل عنيد فقط.
كيف يتفادى الأهل تلك المشاكل؟
إن الجملة التي يرددها الأهل دائماً ويبررون بها طريقة تربيتهم لأبنائهم (أريد لطفلي أن يكون أفضل شخص في الدنيا) ليست صحيحة على الإطلاق، والصحيح أن تكون (أريد لطفلي أن يكون أسعد شخص في الدنيا)، والسعادة هنا ليست بمعنى التدليل أو السعادة المفرطة بل المستوى الصحي من السعادة، لأن التربية بهدف جعل الطفل سعيداً تخلق لديه الحافز للنجاح والتقدم وتطوير قدراته ومستواه دائماً.
كيف يتم اكتشاف الطفل الذي يعاني مرضاً نفسياً؟
يعتمد على عدد من الخطوات، يأتي في مقدمتها:
- ملاحظة أي تغير يطرأ على سلوك الطفل، فعلى سبيل المثال إذا كان اجتماعياً وتحول إلى الرغبة في الانعزال، أو إذا كان هادئ الطباع ثم تحول للعنف، أو حدث تغير في شهيته للطعام، أو في تعامله مع العائلة أو الأصدقاء.
- وفي حال ملاحظة أي من هذه التغيرات تأتي الخطوة الثانية وهي الحديث بهدوء وعقلانية مع الطفل والتركيز على إقناعه بأن هناك تغييراً حدث في سلوكه ثم محاولة معرفة سبب هذا التغيير وكسب ثقته للحديث عن هذا السبب حتى لو كان السبب هو الأهل أنفسهم.
- ثم تأتي الخطوة الأخيرة وهي معالجة نتائج تربيتهم له عبر استشارة أخصائي نفسي للأطفال.
متى يخضع الطفل لعلاج نفسي بالأدوية؟
استخدام الأدوية والعقاقير الكيميائية في بعض حالات المرض يجب أن يكون الخيار الأخير الذي نسعى دائماً للابتعاد عنه، وبدورنا في مركز «فاهم» للدعم النفسي نحرص على تنظيم العديد من ورش العمل لتوعية أولياء الأمور بكل هذه الأمور، وتدريبهم على أساسيات التربية الصحيحة والصحية للأطفال والتي تعتمد في الأساس على الوصول بالطفل إلى مرحلة احترام وتقدير ذاته ما يكسبه سلوكيات تدفعه دائماً لمراعاة انتهاج السلوك الصحيح والرغبة الدائمة في التطور.