نلاحظ في السنوات الأخيرة انتشار واسع في الترويج للحمية النباتية يقوده برامج وثائقية ومشاهير وجمعيات على اختلاف توجهاتها، بيد أن الدلائل تتزايد على أن هذه الحمية يمكن أن يكون ثمنها باهظاً على الصحة خاصة مع كثرة تناول المكملات الغذائية الثقيلة.
يقال إن في أمريكا وحدها هناك أكثر من ثمانية ملايين شخص نباتي، وفي بريطانيا حوالي مليون ونصف المليون، جميعهم يلتزمون بالتخلي عن تناول اللحوم بكل أنواعها.
غير أن دراسات أثبتت أن النباتيين ربما يواجهون مخاطر مشاكل صحية ليست بسيطة مثل كسور في العظام وفقر دم لأن التقيد الصارم بهذه الحمية يجعل أجسامهم تفتقد لعناصر غذائية مهمة للغاية لا توفرها لهم سوى منتجات الألبان واللحوم بكميات كبيرة مناسبة.
صحيح أن بعض الأبحاث تشير إلى أن الحمية النباتية يمكن أن تقلل مخاطر الإصابة بالنوبة القلبية أو السكري نوع 2، إلا أن النقص في العناصر الغذائية ربما يرفع أيضاً مخاطر الإصابة بالسكتة.
وفي السنوات الأخيرة شاعت ظاهرة الأغذية النباتية عالية المعالجة، التي يقال إن طعمها مثل الحقيقي، ولكن الخبراء يقولون إنها سيئة للصحة بالقدر نفسه إن لم يكن أكثر.
ومع ذلك نرى متاجر ملأى بمنتجات أساسها نباتي، من الجبن النباتي إلى البرغر الخالي من اللحم وحتى المثلجات التي لا تحتوي على منتجات الألبان.
ولكي يحققوا المهمة المستحيلة يعمد المصنعون على ملئها بزيوت غير صحية ونشاء ومكونات أخرى ملأى بالدهون المشبعة والسكر والملح، والكثير منها غزيرة السعرات الحرارية وقليلة العناصر الغذائية الضرورية.
كسور العظام
في عام 2018 عرضت شبكة نتفليكس فيلماً وثائقياً بعنوان «مغيرات اللعبة» واعتبر بمثابة أكثر وثائقي مشاهدة عبر التاريخ.
يدعي هذا الفيلم أن تناول اللحم يمكن أن يعيق أداء الرياضيين ويسبب مشاكل في القلب وفي الوظائف الجنسية ويؤدي إلى الموت المبكر.
ولكن، أثبتت الدراسات في السنوات اللاحقة أن النباتيين عرضة للمعاناة من نقص الكالسيوم أكثر من آكلي اللحوم، مما يضعهم في مخاطر كبيرة للإصابة بهشاشة العظام ونقص الطاقة.
فجسم الإنسان يحتاج إلى حوالي 1300 ملغرام من الكالسيوم يومياً للحفاظ على صحة العظام، وهي كمية توجد أغلبيتها في الألبان والجبن والحليب.
بينما النباتيون ينكبون على تناول كميات كبيرة من البروكلي والسبانغ وخبز الشوفان للحصول على ما يكفي من المعادن. ولكن عندما يعانون نقصاً فإن أجسامهم تبدأ في إعادة امتصاص الكالسيوم من العظام واستخدامه لتأدية وظائفه مثل مساعدة العضلات على التقلص أو تنظيم إيقاع القلب.
على هذا الأساس، حذرت دراسة أجريت في عام 2020 من إمكانية أن يعاني النباتيون ضعف حالات كسر الحوض وإصابة الكاحل أو أي أضرار أخرى تصيب العظام في سيقانهم.
ويقول العلماء في هذا البحث إن السبب في ذلك يعود إلى نقص الكالسيوم وكذلك سرعة تخفيض الوزن التي تقلل «وسادة» العظام عند سقوط الشخص فترتفع مخاطر الكسور.
وفي دراسة أخرى نشرت في عام 2022 حذر الباحثون من أن النساء النباتيات يواجهن مخاطر كسر أحواضهن أكبر من المخاطر التي تواجهها آكلات اللحوم.
فقر الدم
في الأحوال العادية، يصنع الجسم كمية كافية من خلايا الدم الحمراء لتجهيز جميع الخلايا بالأوكسجين، كي تتيح لها فرصة أداء وظائفها اليومية. ولكن عند من يعاني فقر الدم يكون عدد خلايا الدم الحمراء قليلاً وبالتالي تظهر عليه أعراض عدة مثل التعب، البشرة الشاحبة، عدم انتظام ضربات القلب وقصر التنفس.
ويقول الخبراء إن النباتيين يواجهون مخاطر الإصابة بفقر الدم أكثر من أكلة اللحوم لأن نظامهم الغذائي لا يحتوي على منتجات حيوانية تعتبر المصدر الرئيسي للحديد وفيتامين B12 اللذين يحتاج لهما الجسم لصنع خلايا الدم الحمراء.
هذا ما أثبتته دراسة قبل بضع سنوات حيث وجدت أن 6.6 من النباتيين، المشاركين في البحث، كانوا يعانون فقر الدم، وهي ضعف النسبة عند أكلة اللحوم.
من المعروف أن النساء يحتجن حوالي 15 ملغراماً من الحديد يومياً حتى بلوغهن الخمسينات من العمر وبعد سن اليأس تنخفض النسبة إلى 8.7 ملغرام. بينما يحتاج الرجال إلى حوالي 8 ملغرامات يومياً.
واللحوم الحمراء، مثل لحم البقر والغنم وكذلك الكبد ولحوم الدواجن وسمك السلمون، غنية بالحديد وفيتامين B12، بينما يتناول النباتيون كميات كبيرة من العدس والحمص والتوفو وحبوب الإفطار المعززة، من أجل تلبية احتياجاتهم اليومية.
ويحذر الأطباء من أن النباتيين ربما يعانون نقص فيتامين B12 الأمر الذي يجعلهم أمام مخاطر تضرر الأعصاب الدائم الذي ربما ينتج عنه تنمل اليدين والقدمين.
وتزداد المخاطر أمام النباتيين لأن الحديد في النباتات لا يتم امتصاصه بسهولة من قبل الجسم على عكس الحديد في اللحوم، وهذا يعني أن عليهم تناول المزيد.
السكتة ونقص فيتامين B12
يرى بعض العلماء أن اقتصار الطعام على الحمية النباتية يمكن أن يرفع خطورة الإصابة بالسكتة. ومع ذلك يقولون إن هذه النتيجة بحاجة للتأكد منها لأنهم لم يثبتوا بشكل قاطع أن الحمية النباتية هي السبب في هذه المخاطر.
ولكن ما وجده بحث قبل سنوات قليلة يشير إلى أن نقص فيتامين 12، الشائع أكثر بين النباتيين، يرفع مخاطر السكتة، ويعود السبب في ذلك إلى أن غياب هذا الفيتامين يمنع التخلص من البروتينات في مجرى الدم فيؤدي ذلك إلى حدوث التهاب يرفع بدوره احتمالية تضرر الأوعية الدموية.. وهذا عامل خطورة رئيسي للسكتة.
ولكن يبين الخبراء أنهم بحاجة لمزيد من الدراسات للتأكد من هذه النتائج.
تساقط الشعر
تشير تقارير سردية إلى أن النباتيين أكثر عرضة لتساقط الشعر من الأشخاص الذين يتناولون اللحوم، على الرغم من حاجة هذه النظرية للدعم بواسطة دراسات علمية صارمة.
ويؤكد بعض الخبراء أنه إذا ما عانى الجسم نقصاً ولو قليلاً في عنصر غذائي فإنه سيسحب هذا العنصر من الشعر أولاً.
بيد أن العلماء يوضحون أن فقدان الشعر بسبب الحمية النباتية مؤقت حيث ستعود الأمور إلى طبيعتها حالما يعوض الجسم النقص.
فالشعر مكون من الكيراتين المصنوع من مختلف أنواع البروتينات الموجودة في الأنسجة الحيوانية.
كما أن نقص فيتامين B12 أو الحديد يمكن أن يؤدي إلى تساقط الشعر لأن فقر الدم الناجم عنها يقلل كمية الأوكسجين الواصلة إلى مناطق الجسم مثل فروة الرأس، وهذا يجعل بصيلات الشعر غير قادرة على إعادة تعويض الشعر المفقود.