قد يتبادر إلى الذهن الربط بين النشاط الزائد عند الأطفال، أو ما يعرف باللغة الدارجة بـ«الشقاوة»، وبين اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD) لدى الأطفال، إلا أن الاختلاف بينهما كبير، ففرط الحركة مرتبط بنقص الانتباه، ويظهر في وقت مبكّر عادة بين عمر 3 – 6 سنوات، وقبل سِن 12 عاماً، ويتسبب بخلق مشاكل كبيرة، في المنزل والمدرسة، وهو حالة تؤدي بالطفل إلى صعوبة في التركيز الدراسي، وعدم تأدية المهام المطلوبة منه، وتمنعه من القدرة على الانصياع للأوامر، بجانب سرعة الإصابة بالإحباط، والشعور بخيبة الأمل، نتيجة الفشل الذي يصيبه، وكلها أمور تؤثر في تفاعل الطفل المصاب به مع الآخرين.
ولمعرفة المزيد حول اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، التقينا الأخصائية النفسية، مرام المسلم، لتشرح لنا أعراض هذا الاضطراب، وأسبابه، وطرق التعامل معه، وتقول «إذا ظهرت على طفلك العلامات التالية فهو يعاني (ADHD)، وهي:
- عدم تقديره لذاته: يتكلم عن نفسه بطريقة سلبية، ولا يقدّر الأشياء التي يفعلها، ويشعر بالخجل من نفسه وعدم الرضا عن ذاته.
- عدم فهم وإدراك المواقف الاجتماعية: يتحدث في بعض الأحيان بطريقة غير مناسبة للحدث الذي يمر به، ما يسبّب الإحراج له، لأن مشكلته في عدم فهم تعابير الوجه والإشارات، ما يسبب له إرباكاً.
- صعوبة التعلم: الأغلب منهم يكتب بخط غير مفهوم، وغير واضح، ويواجه صعوبة في القراءة والكتابة.
- عدم المرونة: بسبب عدم فهم الأشياء، ما يجعل الطفل منفعلاً أثناء أيّ موقف، أو أي جدال.
- اكتساب سلوكات معارضة: البعض يرفض اتّباع القوانين والتعليمات الموجهة والمباشرة.
وتشير مرام المسلم إلى أن «فرط الحركة هو أحد اضطرابات النمو العصبية، ويحدث في مرحلة الطفولة، ولا يوجد أسباب واضحة لحدوثه، إلا أن هناك عوامل كثيرة بجانب اضطراب النمو العصبي، تؤدي إلى الإصابة به، منها الإفراط في استخدام الأجهزة الإلكترونية، والتواصل مع العالم الافتراضي، الذي يغنيه عن التواصل الاجتماعي الواقعي، إضافة إلى عدم مشاركة الطفل في الفصل بسبب اعتماد الطرق التقليدية التلقينية في الدراسة، ما يزيد من تشتته بعيداً عن الواقع الذي يشعر فيه بالملل، بجانب شعور الطفل بالتعب نتيجة قلة النوم، ما يؤثر في تركيزه، وأدائه، وتفاعله، إضافة إلى العوامل البيئية المحيطة، مثل الصوت العالي في الصف، وعدم التنظيم، وتكدسه بالطلبة، وغيرها، كل ذلك يُعد مشتتات للانتباه تؤثر بالسلب في التحصيل الدراسي».
وتتابع مرام المسلم «هناك أضرار كثيرة نتيجة قلّة التحصيل الدراسي، منها عدم قدرة الطفل على حفظ المعلومات، وبالتالي يقلّ التحصيل الدراسي لديه، وتزداد الانطوائية وعدم الرغبة في التواصل نتيجة تدنّي مستواه، يعقب ذلك عدم القدرة على أداء المهام المطلوبة، وبالتالي يكون لديه انخفاض في المستوى الأكاديمي، فتقلّ ثقته بنفسه، وتقديره لذاته، فيصاب بردّة فعل عكسية، مثل رفض التعلم، والاختلاط، والتفاعل مع الآخرين من حوله».
استراتيجيات تعزز التركيز لدى الطفل
وعن أهم الاستراتيجيات التي تعزز من التركيز لدى الطفل، تشير الأخصائية النفسية مرام المسلم إلى:
- تعزيز تفاعل الطفل داخل الصف الدراسي، وأن يكون له دور يؤديه، وليس مجرد متلقٍ للمعلومة.
- نحمّله مسؤولية معيّنة أمام الحضور شريطة ألا نثقله بما لا يستطيع القيام به، بل نوكل إليه مهمة فيها تفاصيل معيّنة تكون على قدر مستواه حتى ينجح في تأديتها.
- دمج التكنولوجيا التي يفضّلها الأطفال بطريقة صحيحة في التعلّم، عن طريق استخدام التطبيقات والأدوات التعليمية الموضوعة على يد خبراء مختصين، كي نعزز التعليم من خلالها، بدلاً من أن تكون مصدر إلهاء للطفل.
- الحرص على خلق بيئة تعليمية منظمة ونظيفة ومرتبة تقلّ فيها عوامل التشتت والفوضى.
- أن تكون التعليمات واضحة، وبسيطة، وغير معقدة، وإذا ما أخفق الطفل في أداء المهمة يمكن تقسيمها كي يسهل عليه فهمها، حتى لا تتكون لديه ردّة فعل عكسية نتيجة الشعور بخيبة الأمل.
- كما على الأسرة دور داخل المنزل، والانتباه لنقطة مهمة وهي تطبيق روتين يومي يشمل عادات نوم صحيّة، وطعاماً خالياً من المواد الحافظة، والألوان غير الطبيعية، ومشاركة الطفل أحداث يومه، والحرص على تطبيق أنشطة مشتركة معه.
- وإذا لم يؤثر تطبيق تلك الخطط على تركيز الطفل، فلابد من استشارة معالج سلوكي حتى يضع خطة مكثفة، في البيت والمدرسة، تعمل على تطوير مهاراته، وتزيد من تركيزه، وتقللّ من تشتّت انتباهه».
هل يمكن وقف فرط الحركة؟
تجيب مرام المسلم «يمكن للمسؤولين عن الطفل تعلّم كيفية تغيير السلوك، وذلك بالتدريب على المهارات الاجتماعية، والعلاج والتأهيل، النفسي والسلوكي، وتشجيع الطفل على قضاء الوقت وسط المساحات الخضراء والطبيعة، كما يمكن تشجيعه على حضور دروس «اليوغا»، والتي تُعد مفيدة لمثل تلك الحالات، ولا ننسى أنه كلما كان التدخل مبكّراً ومتابعة خطة واضحة، وطريقة مدروسة للتعامل مع الطفل، أصبح الأمر أسهل، وترك أثراً طيّباً في نمط حياته، وتقبّله لذاته، وبالتالي زيادة ثقته بنفسه، وارتفاع مستوى أدائه».