متلازمة الابنة الكبرى.. هل يكون لجنسك وترتيبك في الأسرة تأثير في شخصيتك؟
يعتقد البعض أن ترتيبك بين إخوتك في الأسرة يمكن أن يكون له تأثير في شخصيتك، أو حتى يعرّضك لصراعات معيّنة لها تبعات على صحتك العقلية، حيث يثير مصطلح «متلازمة الابنة الكبرى» الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، وجاء ذلك من تأكيد بعض النسوة أنهنّ شعرن بهذه «الأعراض» الصاخبة.
يقول بعض الخبراء أن متلازمة الابنة الكبرى ليست تشخيصاً رسمياً للصحة العقلية، بل هي وسيلة لوصف بعض الضغوط والمسؤوليات الملقاة على عاتق الابنة البكر في الأسرة.
ويضيفون أن البنات البِكر قد يواجهن المسؤولية عن المزيد من العمل المنزلي، والخضوع لمعايير أعلى، مقارنة بإخوتهن. كما أوضحت بعض البنات الأكبر سناً في عائلاتهن أنهنّ يشعرن وكأنهن الوالد الثالث، وغالباً ما يكنّ مسؤولات عن الرعاية العاطفية لأسرتهنّ بأكملها.
وتكمن الفكرة في متلازمة الابنة الكبرى أنه بسبب هذا الضغط الإضافي، تكون البنات البكر أكثر عرضة لسمات تؤثر في شخصياتهن، مثل السعي نحو إرضاء الآخرين، والقلق، والتوتر، والشعور بالذنب.. وغيرها.
وقد لقي هذا التعريف صدى واضحاً، إذ حصد مقطع فيديو على منصة TikTok حول متلازمة الابنة الكبرى أكثر من 6.7 مليون مشاهدة منذ نشره في أواخر فبراير الماضي.
تجربة «بيث» الابنة الكبرى
وجدت بيث فيليبو، البالغة من العمر 42 عاماً، وهي أم لثلاثة أطفال من نيو لينوكس، بولاية إلينوي الأمريكية، أن القضية تستحق المناقشة، حيث نشأت مع أخ أصغر، وكانت تشعر دائماً بإحساس ثقيل بالمسؤولية تجاه أسرتها.
وقالت لصحيفة محلية «الأمر أكثر بكثير من مجرد الرغبة في القيام بشيء ما، لأنك تهتم بعائلتك، إنه الذنب، والالتزام، ومعرفة أن أي أمر موثوق به لن يأتي إلا مني».
يبدو أن هذا المصطلح يتوافق مع التجارب الشخصية لبعض النساء، ولكن هل هناك أي دليل غير هذه القصص على أن كونك الابنة الكبرى في العائلة يمكن أن يؤثر حقاً في شخصيتك؟
إليك ما قاله الخبراء عن متلازمة الابنة الكبرى، وعلاقة الجنس والترتيب في العائلة بالسمات الشخصية:
ما هي سمات متلازمة الابنة الكبرى؟
يقال إن هناك ثماني سمات لمتلازمة الابنة الكبرى:
- شعور شديد بالمسؤولية
- أن تكون متفوقاً في الإنجاز، ومندفعاً للغاية
- القلق الكثير وتشعر بالتوتر
- عليك إبداء سلوكات ترضي الناس
- تواجه صعوبة في وضع الحدود
- الاستياء من الأشقاء والعائلة
- صراع مع الشعور بالذنب
- تواجه وقتاً صعباً في علاقاتك مع البالغين
يرى باحثون أن الأشقاء الأكبر سناً غالباً ما يتحملون مسؤوليات إضافية بسبب أعمارهم، إذ يمكن تكليفهم بمهام معيّنة في وقت مبكّر، والإشراف على إخوتهم.. وما إلى ذلك. كما أن الفتيات والنساء، على وجه الخصوص، يواجهن في كثير من الأحيان ضغوطاً وعملاً إضافياً، حيث لا يزال تقسيم العمل في كثير من الأوقات يعتمد على نوع الجنس.
ففي العديد من الأسر، ينتهي الأمر بالنساء إلى القيام بمزيد من الأعمال المنزلية، والمزيد من أعمال الرعاية. لذلك، إذا ما جمعنا بين هذين الأمرين، هناك احتمال كبير أنه في بعض العائلات، على الأقل، ستتولى الابنة الكبرى مسؤوليات أكثر من جميع الأطفال الآخرين.
هذا ما قالته مثلاً ميغان كلاسيك، 42 عاماً، وهي أم لثلاثة أطفال، وتعيش في بحيرة إلمو بولاية مينيسوتا الأمريكية، التي تؤكد أن هذا ما حصل لها أثناء نشأتها، حيث كانت الفتاة الوحيدة في عائلة مكونة من سبعة أفراد، وتضيف «لقد أشار إليّ إخوتي بمودّة، بأنني أمّهم الصغرى، خاصة عندما كنت أزعجهم، أو أكرّر ما قالته أمّي إذا لم يكونوا يفعلون شيئاّ ما بشكل صحيح. مع إخوتي الصغار بشكل خاص، كنت أتصرف كأنني أمّ، وأساعدهم على تغيير الحفاضات، وأساعدهم في كل شيء، أو ألعب معهم».
هل هناك أدلّة تدعم متلازمة الابنة الكبرى؟
على الرغم من صدى متلازمة الابنة الكبرى على الإنترنت، إلا أن الباحثين متشكّكون.
تتم الإشارة بشكل شائع إلى إحدى الدراسات التي أجريت عام 2024 عبر الإنترنت في ما يتعلق بترتيب الشخص داخل العائلة، ووجدت أن ضائقة الأمّهات قبل الولادة يمكن أن تسرع نموّاً معيّناً للبلوغ لدى البنات، بخاصة البكر منهن. في الأساس، تتمتع هؤلاء الفتيات بنمو اجتماعي أسرع، ولكن ليس جنسياً، ما قد يكون ميزة للأمهات اللاتي يحتجن إلى مساعدة في تربية أطفال آخرين.
ومع ذلك، يقول الخبراء إن الدراسة ترتبط بشكل فضفاض للغاية بفكرة متلازمة الابنة الكبرى. وقد وجد الباحثون أن الأطفال البكر يميلون إلى الحصول على درجات أعلى في اختبارات الذكاء من أشقائهم الأصغر سناً، ولكن هذه الاختلافات صغيرة، وليست حتمية.
كما وجدت أبحاث أخرى أن ترتيب ميلاد الشخص لا يبدو أن له تأثيرات كبيرة ف سمات الشخصية، مثل الاستقرار العاطفي، والسعادة، والقبول، والعصابية، والانفتاح على التجارب. وبسبب هذه النتائج، يقول هؤلاء الخبراء إنهم متشككون للغاية بشأن متلازمة الابنة الكبرى، كتفسير لسبب تحول الناس إلى الطريقة التي يتصرفون بها، مع الصراعات المحددة التي يواجهونها، وأنه على الرغم من أن ترتيب الميلاد لا يحدد شخصية الشخص، إلا أن التوقعات الاجتماعية يمكن أن تفسّر، جزئياً، بعض «أعراض» متلازمة الابنة الكبرى.
إذ إن بعض البنات البِكر قد يكون لديهن ميل لتحمّل المسؤوليات، والقلق كثيراً، لذلك من الطبيعي أن يتم الضغط عليهن بسهولة أكبر في دور الابنة الكبرى التي تعتني بكل شيء، وكل شخص، وهذا بالطبع يمكن أن يؤدي إلى استيائهن في وقت لاحق من الحياة، حتى لو لم يؤثر في الواقع في شخصيّاتهن.
أما التفسير الآخر للابنة الكبرى، فهو ببساطة أن هذه المشاكل المنسوبة إلى «الحالة» هي مجرد تجارب معظم الناس. على سبيل المثال، من الشائع أن تواجه صعوبة في العلاقات لأنها غالباً ما تكون صعبة. ويشعر الكثير من الناس بالضغط لتحقيق الإنجاز، ويعتقدون أن لديهم ضغطاً أكبر مما ينبغي، لذلك بالنسبة إلى البعض، قد يكون هذا المصطلح مفيداً لتفسير ما يحدث لهم. فقد يكون من المطمئن الاعتقاد بأن المشاكل الحالية يمكن أن نعزوها إلى عامل واحد محدد في مرحلة الطفولة، إلا أن البعض يرى أن هذه القصص التي تروى غالباً ما تكون مجرد قصص جاذبة.
في المقابل، ترى شريحة أخرى من الباحثين والخبراء أن هناك الكثير من المتغيّرات، بخلاف ترتيب الميلاد، والتي يمكن أن تؤثر في شخصية الفرد، مع ذلك لا يزال الموضوع مهماً، وبحاجة للتعمق فيه. فنحن نحب جميعاً أن تكون لدينا كلمات لوصف ما نشعر به، وأعتقد أنه بالنسبة إلى العديد من البنات الأكبر سناً في العائلة، كنّ يعتقدن أن هناك خطأ ما فيهنّ، أو أنهنّ أصبنَ «بالجنون»، لذلك فإن التعرّف إلى تجاربهنّ العاطفية أمر جيد، ويذكرهن بأنهن لسنَ وحدهنّ في هذه التجربة.